واهم من يظن أن قضية فلسطين يمكن أن تموت أو تتلاشى مهما كانت التضحيات ومهما زاد حجم الألم. وما حدث فى عام النكبة 48 ليس ببعيد فقد بقرت بطون النساء وقتل الشباب فرادى وجماعات. يومها لم يرحموا الشيوخ ولا العجزة ولا الأطفال. أبيدت قرى بكاملها وتم تغيير ملامح الخريطة. حتى ظن المحتل أن القضية شيعت إلى مثواها الأخير. وبرغم الجرائم المتتالية وأولها مذبحة «دير ياسين» عام 1948م تمثل عنواناً لشلال الدماء.. فقد صارت «غزة» اليوم رمزاً لشلال جديد لايزال ينزف. كان موعد فلسطين مع أول مذبحة يوم 6-3-1937م فى ســوق حيفا حيــث اســـتشهد 18 مدنياً وأصيب 38 على يد عصابة «الإتسل».. لكن موعد لبنان مع أول مذبحة كان فى عام 1948م وهى مجزرة «مسجد صلحا» بالجنوب، وهو العام نفسه الذى وقعت فيه مجزرة دير ياسين رمز المجازر الصهيونية فى فلسطين.
وفى لبنان ارتكبوا من عام 1948م حتى العام 1996م عشرين مجزرة، بدأت بمجزرة «مسجد صلحا»، وكان آخرها مجازر «قانا الثانية وقرية «مروحين» وصور وبنت جبيل ومارون الراس وصريفا عام 2006م.. ثم عادت وتيرة المذابح لتتسارع يومياً على أرض فلسطين من الخليل ونابلس إلى غزة الصابرة الصامدة، ومازالت الأنقاض تخبئ أخباراً مفجعة عن مذابح يشيب لها الولدان.
فى السجل المتخم بالمذابح الصهيونية فى فلسطين ولبنان أو مصر حيث مذبحة الأسرى المصريين فى حرب 1967م، ومذبحة مدرسة بحر البقر فى العام نفسه، لم تشر الوقائع والبيانات المسجلة إلى أن مجزرة واحدة وقعت بطريق الخطأ، إنما تم التدبير لكل منها مع سبق الإصرار والترصد.. وليست هناك مجزرة واحدة وقعت بحق مقاومين أو مقاتلين، إنما كلها بحق مدنيين أبرياء وعلى حين غرة منهم، فى الأسواق.. أو فى البيوت وهم نائمون.
وقد شهد كثير من تلك المجازر تمثيلاً بجثث الأطفال والنساء بعد قتلهم بطرق بشعة.. ففى مجزرة دير ياسين – على سبيل المثال – قتل الصهاينة من أبناء القرية 260 شخصاً وألقوا بهم فى بئر القرية بعد أن مثلوا بجثثهم.
ومع مرور الأيام وزيادة الخطب استيقظت القضية فى كل المحافل الدولية وخرج من بين الركام من يقاوم. ولولا المقاومة التى نمت واشتد عودها لذهبت القضية أدراح الرياح. سياسة التهجير القسرى منهج ثابت عند الصهاينة منذ وعد بلفور المشئوم وحتى اليوم برغم الألم والتشريد تظل قضية فلسطين والمسجد الأقصى هى لب القضايا التى تشغل بال كل الأحرار فى العالم. وكانت مصر رائدة فى الوقوف إلى جانب الحق الثابت والراسخ وقدمت أعز ما تملك وهم شبابها شهداء وجرحى والتاريخ خير شاهد. دون غيرها كانت فى المقدمة وكانت التضحيات المتتالية.
قد يظن بنى صهيون أنهم بقتل المزيد من شعب فلسطين ستموت القضية وهذا وهم فهم فى غفلة. وما ضاع حق ووراءه مطالب. والحقوق لا تموت مادام هناك نبض لأصحاب الحق. فلسطين ولادة وأرضها خصبة وليست جرداء. كم قتل الصهاينة منهم. المؤكد أن كل العائلات أصيبت وفقدت الغالى والنفيس. هدمت البيوت من قبل وشرد الناس وأجبروا عنوة على الهجرة والخروج من أرض الأباء والأجداد الا أنهم لم تلن لهم قناة ولم يستكينوا. بل كانوا رغم كل الآلام يقومون وينهضون وينهضون. مقاومة المحتل الغاصب فكرة والفكرة لا تموت أبد الدهر. وما يقومون به مشروع طبعا لكل الشرائع والأعراف والقوانين الدولية. هؤلاء يستلمون روح النضال وتحرير الأرض من أحرار العالم وهو ما يجب أن نرسخ له ونقوى من عزيمتهم ونشد على أيديهم. يوما ما ستعود أرض فلسطين وسيعود المسجد الأقصى والمقدسات جميعاً إلى أحضان الحق… وما ذلك على الله بعزيز.