ـ ما أحوجنا هذه الأيام «الدقيقة» إلى مراجعة شاملة.. حقيقية وجادة مع النفس.. وليسأل كل منا نفسه.. أين أنا مما يحيط مصرنا من أزمات وتحديات غير مسبوقة؟.
ــ إنها أيام شديدة القسوة تمر بها المنطقة.. ولا غرابة ولا غلو أن نقول بصراحة شديدة.. أنها ربما تكون الأيام الأصعب والأشد قسوة فى تاريخ المنطقة على الإطلاق.
..إن نجاحات مصر فى الصمود.. وعبور الكثير من «تحديات اللحظة» وما سبقها من تحديات يجب أبداً ألا تدفعنا إلى الكف عن مراجعة الذات.. فإن نجاحاتنا تستحق البناء عليها.. وفى المقابل فإن ما كشفت عنه الأيام والأزمات من ملاحظات تستحق منا التوقف والتأمل.. الدراسة والعلاج.. لا فرق هنا بين حاكم ومحكوم.. بل ربما يكون العبء الأكبر على بنى الوطن من سواد الشعب المصرى وغالبيته فى القرى والمدن والكفور والنجوع وفى الدلتا والصعيد وفى المناطق الحدودية.. وغيرها.. فإن مصر قادرة على «التعافي».
..إن كثيراً من مشاهد حياتنا تؤكد بما لا يدع مجالاً لأى شك أن قطاعاً عريضاً من بنى الوطن ينظرون إلى التحديات والأزمات التى تحيطنا وكأنها تدور فى كوكب آخر.. والأسوأ هؤلاء الذين يتاجرون من بيننا بآلامنا وأزماتنا ولا يقل عنهم سواء طابور خامس متربص لا يريد لأبناء وطنه وبنى بلدته تقدما ولا خيراً.. فقد عموا.. وصموا.
..اسألوا التاريخ.. كم مرة حوصرت فيها مصر فى مأكلها ومشربها.. أرضها ومائها.. شمالها وجنوبها.. شرقها وغربها بمثل ما نراه ماثلاً أمامنا لا تخطئه العين ولا القلب ولا الضمير والذى لو تعرضت له دولة اخرى «أيا كانت».. ما استطاعت أبدا الصمود.. كما تصمد مصر «القوية» الآن.
..اسألوا التاريخ.. كم مرة تكاتفت فيها كل قوى الشر فى العالم كى تطفئ نور المنطقة.. حاضرها ومستقبلها.. يريدونها أن تركع وتسجد لغير الله ــ عز وجل ــ وهيهات لهم ما يريدون.. يريدونها أن ترتد ألف سنة أو يزيد إلى الوراء فلا تقوم لها قائمة.
..اسألوا التاريخ.. كم مرة تعرضت فيها أرض الكنانة لحرب الشائعات «المليونية» والأكاذيب «التريليونية» والمؤامرات والفتن.
..اسألوا التاريخ كم مرة تعرض فيها الشعب المصرى لحرب اقتصادية شاملة.. تستهدف غذاءه.. وأمن أطفاله فى القمح والذرة.. والأرز والشعير.. الفول والزيت وحتى السمن والسكر.
..كم مرة أشعلوا فيها «نار الدولار» كى يخلقوا البيئة الحاضنة لـ 25 يناير جديدة.. ولكن الله لهم بالمرصاد.
.. الكارثة .. الأبرز ظهوراً الآن.. هذا الارهاب الشيطانى الذى تقوده الدولة العبرية المارقة والتى ترفع راية الرفض والعصيان لأى مواثيق دولية أو أخلاقيات النزاعات والحروب.. وتشن فى لا مبالاة شديدة.. وبإصرار وعناد غير مسبوقين حرب إبادة ضد الشعب الفلسطينى فى غزة.. وحتى فى الضفة الغربية تناطح شمالاً وجنوباً.. تنشر الشر والحرائق والآلام فى لبنان وفى سوريا .. فى العراق وفى الجولان المحتل.. وعلى حدود مصر فى رفح وغيرها..
وكأن العالم لا يرى الكارثة.. ولا يشاهد جثث ما يزيد على ثلاثين ألف مواطن ترتقى أرواحهم إلى السماء تلعن عالماً تخلى عن قيمه ومبادئه وقوانينه وأخلاقياته وكأن العالم لا يرى الكارثة فى اكثر من مائة ألف فلسطينى أصابتهم القنابل والشظايا والذخائر المحرمة دولياً.. وكأن ما يدور فى غزة.. لا يتم على أرض الله.. وانما يدور فى عوالم اخري.. لا صوت ولا حركة.. وانما «فيتو» يساند الشر.. وصمت يؤجج القتل والخراب،، إن مصر وحدها.. وأقولها بعلو الصوت.. مصر وحدها حملت ولاتزال تحمل القضية الفلسطينية أمانة ورسالة.. حمله ولا تزال تحمل الشعب الفلسطيني.
..ولا سامح الله.. من بادر فأغرق المنطقة كلها فى بحور صراع لا يبقى ولا يذر.. تدفع فيه مصر والمصريون الثمن الأغلى من ثرواتهم ودمائهم ومأكلهم ومشربهم فيما ينعم آخرون باليخوت.. والمتع الزائلة.. والأمن الزائف حتماً وليسأل كل منا نفسه..
والذى تستهدفه اسرائيل نتنياهو من هذه الحرب البربرية الغاشمة وما الذى تستهدفه قوى الشر بإطالة أمد الحرب وعدم «فرض» وقف حقيقى لإطلاق النار ووقف إزهاق المزيد من الأرواح وعند رفح؟!!.
..لماذا تفرض امريكا ومؤسساتها ما يزيد على 14 ملياراً من الدولارات دعماً عاجلاً لإسرائيل وما الذى يريدونه من هذه المليارات إلا اذا كان المطلوب إزهاق مائة ألف روح شهيد فلسطينى وعربى ومد الآلة الوحشية الإسرائيلية بما يعوضها من عناد ووقود وتغيير خريطة المنطقة بكاملها.. وفى القلب والصدرة منها مصر.. فقد نجحت قوى الشر فى كسر العراق وذبح صدام.. وتخريب سوريا وتقسيمها شيعاً وأنصاراً وقواعد.. وتدمير الارادة اللبنانية والعبث «الحر» فى سمائها وارضها واغتيال من يسكنها أو يلوذ بها.. ولا تبقى أمامهم إلا مصر.. فماذا نحن فاعلون؟!.
..أن أحداً منا.. أى أحد.. لن يقبل المساس بأرض مصر أو رمالها وترابها وسمائها.. فإن دونها أرواحنا ودماءنا.. أقولها صدقاً أمام الله إن الشعب المصرى بشبابه وشيوخه ورجاله ونسائه وحتى أطفاله لن يهدأ لهم جفن حتى يحفظوا لأرض الكنانة أمنها.. فقد اختصها الله بالأمن .. ولن نتخاذل أبداً..
..إن أحدا منا لا يقبل إطلاقاً أن يتاجر أحد من بنى وطننا بما يحيط بالمنطقة من أزمات وتحديات.
..لن يمانع وطنى مخلص فى فرض قوانين جديدة أى قوانين تحاصر مافيا الدولارات.. وحيتان السوق السوداء فإنهم يصيبون المصريين باليأس ويحولون أطفال مصر وحقهم فى غذاء أمن ومسكن مناسب وعلاج يشفى أجساهم من الأمراض والوبائيات.. فإنه لا حق فى الأمان لأى مصرى تخلى عن دينه ووطنه وحق أهله فاغتال سعلهم.. وأموالهم.
إن أحدا منا.. لن يتسامح أبداً مع أى «ياقة بيضاء» تروج لأكاذيب قوى الشر.. وتنشر سمومهم عبر «السوشيال ميديا» .. فإن هؤلاء يجب أن يعلموا ويتعلموا أن مصر أكبر من كل المهاترات.
..وأكبر من كل «التريندات».. وأغلى من كل المكاسب الحرام «للايكات» الاعجاب الزائف والنشر بغير عقل ولا وعى ولا إدراك.. عندئذ يكون «الحساب» أمراً حتمياً.. فإن من أمن العقاب أساء الأدب..أن أحداًً منا لن تأخذه أى رأفة مع مصرى خائن ارتدى عباءة الوطنية الزائفة وجلس خلف ميكرفون أو شاشة يهاجم مصر وقيادتها وشعبها ومؤسساتها.. بدوها وحضرها.. جيشها وشرطتها يقسمون بالله وبأغلظ الأيمان إنهم وطنيون وماهم إلا شرذمة.. ماكرون.. أعماهم الشيطان الأكبر أو الأصغر.. اعماهم الدولار واليورو.. فراحوا ينثرون وينشرون الأكاذيب والفتن.. ونسوا انهم زائلون ويبقى الوطن.. إن ما تتعرض له مصر.. إنما هى حرب «وجودية» تستهدف حضارتها وتاريخها.. حاضرها ومستقبلها.. جيشها وشعبها.. مؤسساتها وثرواتها.. مشروعاتها ومقدراتها.. حرب تستهدف اغتيال مشروعها الوطنى الذى وضعت اللبنة الاساسية لانطلاقته خلال السنوات العشر الماضية.. وحان الوقت لكى يراجع كل منا نفسه.. ماذا أنا بفاعل أمام ما يحيط الوطن من أزمات وتحديات.
..حان الوقت لأن تراجع كل مؤسساتنا ووزاراتنا مكامن القوة.. وأن تشرع بتعجيل المزيد من النجاحات وأن تنطلق بقوة خارج الصندوق نعالج وارداتنا ونضاعف من صادراتنا.. نضاعف التصدير ونتخلى عن أكل القطط والكلاب والسلع التفاخرية.. والمنظرة الكاذبة والفشخرة الواهمة.
حان الوقت لأن تنهض جامعاتنا ومراكزنا العلمية والبحثية باخراج ما لديها من دراسات «مركونة» ونضعها أمام المستثمرين والمصانع والشركات لإنتاج الصالح منها، حان الوقت لأن تعيد المدارس والمساجد.. والكنائس ومراكز الشباب تعميق الانتماء فى صفوف أبنائنا وأحفادنا.
..حن الوقت لأن تنهض مؤسساتنا الثقافية بمهامها فى بناء الإنسان المصري.. وقد حظوا برد قاطع فى معرض الكتاب أن «المطبوعات الورقية» لا تزال بخير.. وأن شبابنا يقبلون عليها..
..حان الوقت لأن يتكاتف القطاع الخاص والصناع لتحقيق التكامل الصناعى فيما بينهم فإن 14 معهداً بحثياً بالمركز القومى للبحوث أنتجوا اكثر من «200» اختراع تحتاج جميعها إلى من يلتقطها وانتاجها.. خاصة أن الدولة المصرية قد حددت 152 مكوناً نستورده ويمكن لمصر انتاجها محلياً.. ونحن قادرون على «التعافي».
.. حان الوقت لأن نراجع أنفسنا ونستفيد من عبر اللحظة وأزماتها.. فإن مصر العظيمة تستحق منا كل غال ورخيص.
وتحيا مصر