ما جعلنى أكتب هذا المقال فى أننا اليوم نتعرض للعديد من الابتلاءات والامتحانات باختلاف أنواعها وأشكالها، البعض لا يعرف هل هذا ابتلاء أم بلاء؟!.. هل هذا غضب من الله أم رضا؟! البعض يسأل نفسه لمَ يحدث له ذلك؟!، ومن يسأل نفسه هو من يخشى الله ويراجع حساباته من أجل اليوم الحق الذى يقابل فيه الله ويسأل نفسه عقب أى خطأ ماذا سأجيب الله يوم القيامة عندما يسألنى لماذا فعلت هذا؟!.. فأردت أن أبحث عن إجابة من كتاب الله والرجوع إلى معانى كلامه وتفسيرها الصحيح والاسترشاد بقصص الأنبياء وما حدث معهم ليكونوا عبرة دائماً لنا، فجميع الرسل والأنبياء تعرضوا لامتحانات عدة ومن يتمعن يجد أن كلاً منّا تعرض لِما تعرض له الأنبياء باختلاف أنواع الابتلاء، ولكن الفيصل هو كيفية التعامل مع الابتلاء، فهناك من فَقَدَ أبناءه، وهناك من تعرض لغدر من أقرب الناس إليه، وهناك من تحدث الناس عنه بسوء وهناك من اُبتلى بابن عاصِ، أو زوجة عاصية، أو زوج عاص، أو أب عاص، فالثواب على قدر المشقة.
فجميع الرسل والأنبياء تعرضوا للابتلاءات وللعديد من الامتحانات.. سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تعرض لامتحان الضعف ونجح فيه، وتعرض لامتحان القهر وكذبوه وسخروا منه وأساءوا إليه، وامتحن امتحان القهر فصبر، وامتحن امتحان النصر فتواضع، وامتحن امتحان الفقر فصبر، وامتحن امتحان الغنى فشكر، امتحن بموت الولد، وامتحن امتحان الظلم فى واقعة الإفك وانقطع الوحى عنه 40 يوما فصبر، امتحن امتحان الهجرة، وامتحن بكيد الأعداء وافتعلوا المؤامرات عليه، وقالوا عنه الأبتر شماتة فيه لموت أطفاله، فأنزل الله سورة «الكوثر».
كما تعرض سيدنا إبراهيم للعديد من الامتحانات، فَأُلقى فى النار فوثق فى الله، أُمر أن يضع ولده وزوجته بوادِ غير ذى زرع فأودعهم، أمره الله أن يذبح ابنه فأطاع أمر الله، فمن توكل على الله فهو حسبه.
اُبتلى سيدنا نوح فى ابنه، وتعرضت السيدة مريم لامتحان أيضاً فصبرت، وتعرض سيدنا يوسف لعدة امتحانات من إلقاء اخوته له فى البئر لبيعه كعبد لإغواء امرأة العزيز له لسجنه ظلم.. وسيدنا أيوب تعرض أيضاً للعديد من الامتحانات، بعد أن أنعم عليه الله بالعديد من النعم، سلبها منه فصبر، ثم أرجعها إليه مرة أخري.. سيدنا موسى اُبتلى بقومه.. سيدنا يعقوب اُمتحن فى ابنه يوسف.. ابتلى سيدنا لوط بزوجة عاصية.
تحدث الله سبحانه وتعالى فى مُحكم كتابه عن الابتلاء فقال: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال»، وأيضاً ذُكر لفظ ابتلاء فى العديد من الآيات: «إنا كنا مبتلين»، فالابتلاء لحكمة ما ستعلمها بعد مرور الوقت، لكل شيء حقيقة وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه.. لا مانع لما أعطيت ولا معطى لما منعت، فكل شيء يفعله الإنسان هو من إلهام الله له، والبلاء موكل بالمنطق.
الحياة الدنيا ابتلاء، أى إظهار ما تنطوى عليه النفس.. فحقيقة الحياة الدنيا انها دار التواء، لا دار استواء.. ومنزل ترح، لا منزل فرح.. فمن عرفها، لم يفرح لرخاء ولم يحزن لشقاء.. قد جعلها الله دار بلوي، وجعل الآخرة دار عقبي، فجعل بلاء الدنيا لعطاء الآخرة سبباً، وجعل عطاء الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً فيأخذ ليعطى ويبتلى ليجزي.
الحقيقة التى يجب أن ندركها جميعاً عاجلاً أم آجلاً، أننا أتينا إلى الدنيا لنبتلي.. فلو تمعنا فى حياتنا اليومية سنجد أننا نبتلى 24 ساعة، أى نتعرض فى كل يوم لمواقف عدة من مضايقات أثناء العمل لاختبار مدى أمانتك مدى صدقك مع الله، مدى ثقتك وتوكلك على الله، وأيضاً نصادف أناساً كثيرين يختبر الله مدى صدق إيماننا وكيف نتصرف إزاء الامتحانات التى نتعرض لها، حتى المنح والعطايا ابتلاء، ولا نعلم بأن الابتلاء مرتبط بالرزق ارتباطاً طردياً، فكلما زاد رزقك، زادت الابتلاءات أى توزيع الحظوظ فى الدنيا توزيع ابتلاء على عكس من ذلك توزيع الحظوظ فى الآخرة توزيع جزاء، والعبرة ليست أن ننجو من الابتلاء ولكن كيف ننجح فيه، فالجميع يتعرض لابتلاءات ولا تظن أنك وحدك مُبتلي، ولكن ما يفرق بين البعض والبعض الآخر رد الفعل إزاء تلك الابتلاءات.. وبالتالى من ينجح فيه ومن يرسب!، فلكى تخفف من وقع الابتلاء، عليك تذكر أنه مؤقت وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها وتمعن فى حكمة الابتلاء، ستعلم أن الله كان رحيماً علينا وما ابتلانا إلا ليخفف عنّا، ولو تمعنا الحكمة فى المنع، سنعلم أن المنع كان عين العطاء.