يوم السبت الماضى دخلت إلى صالة التحرير والإعداد بالقناة التى أقدم فيها برنامجى اليومى منذ سنوات، فوجدت زملائى قد جهزوا لى مجموعة من الملفات التى اتفقنا عليها منذ صبيحة نفس اليوم والمرتبطة بالأحداث الجارية فى غزة وجنوب لبنان والانتخابات الأمريكية ولقاءات الرئيس مع أعضاء من مجلس النواب الأمريكى وزيارة رئيس الوزراء إلى المنيا وغيرها من التغطيات المعتادة لما تناولته الصحف الأجنبية حول مصر والمنطقة، نظرت نظرة عابرة على تلك الملفات ولفت نظرى عدم وجود ملف «رفع أسعار المحروقات» فسألت فريق الإعداد أين ملف أسعار المحروقات؟ فلم أستمع إلى إجابة محددة، بل استمعت إلى همهمات غير مفهومة، نظر إلى احدهم وقال بالحرف « الموضوع خلص يأستاذ وهناك برامج تناولته وانتهى الأمر « فقلت له لكننا لم نتناوله فى برنامجنا لأن القرارات صدرت فى وقت إجازة البرنامج وعلينا تناوله فى حلقة الليلة، فنظر إلى الحضور وقالوا سوف تتناوله من هنا ويهاجمك الناس لأنك ستشرح لهم وجهة نظر الحكومة والناس ستتهمك بعدم الاحساس بما يعانونه من صعوبات الحياة، قلت لهم يعنى اهرب من عملى خوفاً من هجوم الناس المحتمل؟ قالوا ليس هروباً ولكنه نوع من البعد عن شر الناس وألسنتهم؟ وقال لى أصغرهم سنا وأحدثهم لماذا تفضل الاشتباك وبيدك ان تختار موضوعات ليس فيها خلافات، وقال آخر يجب ان تقف فى صف الناس وتهاجم الحكومة حتى يحبك الناس كما يفعل فلان وعلان، وقال آخر عليك أن تمسك العصا من المنتصف حتى لا تخسر المشاهد ولا تغضب الحكومة، كنت استمع وأتفهم ما يقوله الزملاء، حتى دخل علينا أقدمهم وقال لى لقد جهزت لك ملف ارتفاعات الأسعار الأخيرة وتصريحات رئيس الوزراء بشأنها فكيف ستتناول الموضوع؟ ومن أى زاوية ستبدأ المعالجة، قلت لهم هل رأيتمونى مرة واحدة فى مسيرتى معكم أخون الحقيقة؟ قالوا لم نعهدك إلا مشتبها مع ما أعتقد أنه حق وصواب، قلت لهم، هل تعتقدون ان رفع الأسعار يسعد من رفعها؟ هل الدكتور مدبولى سعيد وهو يقرر رفع الأسعار؟ قالوا بالطبع لا، قلت إذن لماذا اقدم على ذلك ؟ قالوا لأن الدولة لم تعد قادرة على مزيد من الدعم فى ظل ارتفاع أسعار البترول العالمية، قلت إذن المواطن من حقه ان يغضب إلى ان يقف معنا على نفس مستوى المعرفة بحقيقة الأوضاع الاقتصادية وهذا دورنا دون مواراة، وطلبت منهم ان يأتونى بأسعار لتر البنزين فى الدول التى تشبهنا اقتصادياً مثل تركيا والمغرب والأردن كى نقارنها بمصر بعد الزيادة والتى وصل فيها أغلى نوع بنزين الـ95 حوالى 35 سنتا، بينما كان سعر اللتر فى تركيا 1.3 دولار وفى الأردن 1.5 دولار وفى المغرب 1.17 دولار ، وقف زملائى فى حالة دهشة وقالوا معنى ذلك أننا الأرخص من كل تلك الدول التى تشبهنا، قلت لهم ولن نقارن أسعارنا بالدول الأغنى ولا الدول الغربية فى أوروبا وأمريكا حيث لا تجوز المقارنة، وسألت الجميع أليس هذا حقاً؟ اليست هذه حقيقة؟ قالوا جميعاً نعم، قلت لهم وأنا لن اخون الحقيقة ولن أخشى من الحق مهما كانت التحديات، وبالفعل خرجت على الهواء وشرحت الموضوع بالتفصيل وعرضت كل المعلومات والبيانات التى بين يدي، واكتشفت ان الكثيرين لم يكونوا على علم بأسعار المحروقات فى الدول، فقالوا الحمد لله كده رضا، اما الفئة الأخرى فلن تقتنع ولو كانت الحقيقة تتكلم.