فى وقت نسمع فيه عن التلويح بالسلاح النووى و كل الشواهد تقول أن احتمالية نشوب حرب نووية واردة الآن أكثر من أى وقت مضى أعلن يورجن واتنى فريدنيس رئيس لجنة جائزة نوبل النرويجية العالمية عن اسم الفائز بالجائزة لهذا العام، وهى منظمة «نيهون هيدانكيو» اليابانية المناهضة للأسلحة النووية، والتى تضم ناجين من القصف الذرّى على هيروشيما وناجازاكى عام 1945، لا أعرف هل أصف ذلك بالصدفة؟! أم أقول أنه سيناريو ذكى يتوقع ما سيحدث من استخدام للسلاح النووى ولو على نطاق ضيق.
الشاهد أن الخطوط الحمراء التى كانت مرسومة بعناية لضمان عم الانزلاق إلى حرب نووية معظمها لم يعد موجودا وأن على العالم أن يتحضر لهذا السيناريو المأساوي، لاسيما مع امتلاك بعض الدول المنخرطة فى الصراعات حاليا لأسلحة ردع متقدمة، أو أسلحة دمار شامل لو شئنا الدقة، وبعض هذه الدول بالفعل لوح أكثر من مرة أن بإمكانه استخدام النووى بل وذهب الأمر إلى أن حضرت الحقيبة النووية الروسية اجتماعا غاية فى الخطورة إلى جانب الرئيس الروسى و وزير دفاعه، بعد أسابيع من الحرب الروسية الأوكرانية، وهناك خطاب سياسى بدأ يظهر للعلن ينادى بإعادة النظر فى الاعتقاد الراسخ فى الذهنية العالمية حول السلاح النووي، كما لو أن أصحاب هذا الخطاب يريدون أن يجدوا تبريرا أمام احتمالية استخدام الأسلحة النووية لإنهاء الحروب القائمة أكثر السيناريوهات تشاؤما تقول أنه لو نشبت حرب نووية موسعة ستكون خسائرها عالمية، بل ذهب البعض إلى وصفها بحرب نهاية العالم، ورغم أن مثل تلك السيناريوهات والأوصاف مفزعة فى حد ذاتها، لكنها حالت وعلى مدار عقود و حتى الآن دون نشوب حرب نووية، فرغم تعدد الصراعات وتنوع ساحاتها منذ استخدام القنبلة الذرية لأول مرة عام 1945، ورغم نشوت وخمود عشرات الحروب، وآلاف الاعتداءات الدموية مثل تفجيرى 11 سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة، إلا أن اللافت أن أى دولة لم تهدد باستخدام القنابل النووية، لا التكتيكية ولا الإستراتيجية، لإنهاء صراع قائم، مع أن بعض الدول المتحاربة تمتلكها.
ظل السلاح النووى ينظر إليه على أنه للردع فقط ليس للاستخدام، يمكن التهديد به، لكن من المستبعد استخدامه، لكن يبدو أن الأمور تغيرت ففى أوكرانيا على سبيل المثال وبعد قرابة ثلاث سنوات من الحرب تواجه روسيا صاحبة أكبر ترسانة نووية استفزازات غير مسبوقة، قد تجبرها على استخدام النووى بدليل أنها طالبت بتعديل العقيدة النووية الروسية لتصبح أكثر مرونة، بما يسمح للجيش الروسى بضرب أوكرانيا ومن يدعمها بالأسلحة النووية، وبالطبع لو ضغطت روسيا على ذر النووى لن يكون المستهدف أوكرانيا فحسب بل ستتسع دائرة الحرب بين الخصمين التقليديين (الشرق و الغرب) وتحديدا (الناتو)، الذى تمتلك بعض دوله، مثل فرنسا، أسلحة نووية، كما تنشر واشنطن مجموعة من القنابل النووية والصواريخ ذات الرءوس النووية فى عدة دول أوروبية.
على صعيد منطقة الشرق الأوسط و فى ضوء التصعيد بين إيران وإسرائيل، على خلفية الحرب فى غزة و فى جنوب لبنان، ارتفعت أصوات داخل البرلمان الإيرانى تطالب المرشد الأعلى بتعديل العقيدة النووية لإيران، تزامن ذلك مع تقارير استخباراتية عالمية تشير إلى أن إيران باتت قاب قوسين من صناعة القنبلة النووية، وتؤكد أنها قادرة على الرد بسرعة حال تعرضت مفاعلاتها النووية لأى هجوم، من خلال تحميل بعض صواريخها الباليستية برءوس نووية محلية الصنع أو روسية.
فى زاوية أخرى من العالم ليست أقل اشتعالا، لم يعد مستبعدا أن تنزلق الكوريتان إلى حرب نووية بعد قطع كوريا الشمالية جميع الطرق والسكك الحديدية المرتبطة مع جارتها الجنوبية، فى تطور غير مسبوق منذ سنوات.
لذلك أقول أن منح جائزة نوبل لمنظمة مناهضة للسلاح النووى ليست صدفة بالمرة فى عالم مقبل على حرب عالمية ثالثة غير تقليدية، على سبيل التندر الأميل إلى الشك كأن هناك من يعلم ما سيحدث فى العالم ويسرب الأخبار إلى لجنة نوبل.