القراءة ليست غذاء الروح فحسب.. وإنما هى الحياة ذاتها.. وعندما يتوقف الإنسان عن الاطلاع والقراءة، يكون قد كتب نهاية عمره الثقافي.. وأقول دوماً أنا اقرأ، إذن أنا موجود.. والحقيقة حرمتنى جراحة الغضروف الخطيرة التى أجريتها 2014 من أهم متعتين فى حياتى الشخصية، ممارسة الكرة فى ملاعب الخماسى والدورات الرمضانية، والقراءة.. فلا أشعر بمتعة وأنا أطالع مؤلفاً، بينما تهاجمنى آلام الظهر.. ورغم ذلك أحاول دائماً ألا أتوقف عن الاطلاع ولو لدقائق معدودة.
.. والحقيقة، اننى كلما طالعت شيئاً عن الدكتور مهاتير محمد صانع النهضة الماليزية، زاد إعجابى بالتجربة الماليزية فى هذه النقلة الكبيرة والتطور المذهل والمعادلة الصعبة التى حققها هذا الرجل خلال سنوات معدودة.. وكيف حوّل المجتمع الماليزى متعدد الهويات والديانات والفقر المدقع والحياة البدائية التى يعيشون فيها، إلى مجتمع منتج متعلم يعشق العمل، ويصبح نمراً آسيوياً بمعدل نمو غير مسبوق ومستوى معيشة مرتفع خلال فترة وجيزة.. ورغم أنه طبيب بشرى تخرج فى كلية الطب وافتتح عيادة صغيرة.. إلا أن ممارسة الطب لم تأخذه من اهتماماته الاجتماعية والسياسية، وكان مهموماً بمعاناة وقضايا مجتمعه.. ومن خلال البرلمان الماليزى الذى نجح فى الفوز بعضويته خمس دورات متتالية، وعندما تولى رئاسة وزراء ماليزيا فى بداية الثمانينيات، بدأ مشروعه التنموى لنهضة ماليزيا.
بدأ بدعوة الشباب من عمر «18 عاماً» إلى «45 عاماً» إلى معسكرات عمل للتدريب على كل المهن التى تخطر على بال بشر، من سباكة إلى حدادة إلى نجارة وقيادة مركبات وخراطة وميكانيكا وصيانة معدات والتأهيل لتشغيل كل المعدات والمصانع الإنتاجية، مستعيناً ببعض الخبرات الأجنبية من علاقاته الوثيقة ببعض الدول الصناعية المتقدمة، حتى تصفيف الشعر والحياكة لم يترك مهنة يحتاجها المجتمع إلا ودرب الشباب عليها.. جمع مئات الآلاف من الشباب فى مراكز الشباب والجامعات والمدارس.. حوّل هذه المنشآت إلى مراكز تدريب عملية.. درب الشباب على الالتزام والانضباط وتقديس العمل.. ظل لمدة ٦ أشهر فى معسكرات مغلقة.. ثم منح الجميع اجازة لمدة أسبوع وحدد موعد العودة بالساعة.. وكل من تأخر عن الموعد حرمه من استكمال مدة التدريب، ليكون درساً للجميع فى الالتزام والانضباط.. واستمرت عملية تأهيل الشباب، حتى صار لديه جيش من الطاقات الإنتاجية فى مختلف المجالات.. وبدأ فى استيراد وإنشاء المعدات الصناعية المتطورة.. وبدأ المجتمع الماليزى فى الإنتاج والبناء والتنمية.. تحولت كل الطاقات التى كانت تعيش حياة بدائية متصارعة تحت لواء الطائفية الدينية والعرقية، إلى طاقات لا تعرف إلا العمل والإنتاج.. وخلال سنوات معدودة كانت ماليزيا التى نعرفها اليوم.. دولة بدأت حياتها ونهضتها الحقيقية منذ 1981، عندما تولى مهاتير محمد رئاسة الحكومة الماليزية.
>>>
ركز د.مهاتير محمد خلال مشروعه التنموى على محورين أساسيين، أراهما أهم عوامل نجاح أى مجتمع تنموي.. الصحة والتعليم.. فلا يكون الإنسان منتجاً دون تعليم يمكنه من التعامل مع معطيات الحاضر ومتطلبات المستقبل واحتياجات العصر.. ودون خدمات صحية جديدة تمكنه من العمل والإنتاج وأداء رسالته فى الحياة.
ولو طالعت معايير ومقاييس التصنيف العالمى للجامعات، لوجدت الجامعات الماليزية فى مقدمة الجامعات العالمية، التى تأتى فى ترتيب متقدم يضاهى أعرق الجامعات الأوروبية.. ونفس الحال بالنسبة لمستوى الخدمات الصحية المتطورة.
>>>
من هنا، فإن القيادة الحكيمة للرئيس السيسي، وضعت استراتيجية وطنية لبناء الإنسان المصرى معتمدة على تطوير المنظومة التعليمية والنهوض أيضا بالمنظومة الصحية، وضاعفت الميزانية العامة للدولة مخصصات التعليم والصحة، وكذلك ساهمت المبادرات الرئاسية فى مجال الصحة فى تحسين مستوى الخدمات الصحية المقدمة للمواطنين بصورة كبيرة.. وكذلك اهتم المشروع التنموى المصرى ببناء الإنسان صحياً وعلمياً وثقافياً.. وركزت الرؤية المصرية 2030 على عدة محاور، فى مقدمتها الصحة والتعليم وحقوق الإنسان والتنمية الشاملة.
>>>
إن مصر دولة شابة وتبلغ نسبة الشباب أكثر من 60 ٪ من التعداد العام، ولدينا طاقات واعدة لا ينقصها إلا التأهيل الحقيقى والتدريب المهنى العملي.. فالشباب لدينا عملة نادرة ومصفف الشعر قلة قليلة، وفنى الصيانة فى الكهرباء والتكييف قلة قليلة.. وتفاءلت جداً بمبادرة القوى العاملة «مهنى 2030».. لكن لم تغادر الأدراج ولم تر تدريباً حقيقياً للشباب على المهن التى يحتاجها المجتمع.. نتمنى أن نعمل ونعمل ولا نتحدث.. ليكون عملنا هو لساننا، وهو عنواننا.