قبل عشرين عامًا قتل الإسرائيليون شيخ المجاهدين البطل أحمد ياسين بصاروخ وهو شيخ مسن قعيد يجلس على كرسيه المتحرك فظن الصهاينة ان حماس ماتت إلى الابد ولن يكون لها أو أى من فصائل المقاومة وجود فى غزة أو غيرها من الأراضى الفلسطينية المحتلة.. وقتلت إسرائيل أيضًا عبدالعزيز الرنتيسى احد مؤسسى حماس فظنت عصابة تل أبيب انها انتصرت على حماس بالضربة القاضية.. ولكنها لم تكن تعلم ان ياسين والرنتيسى وغيرهما ليسوا سوى مجرد ارقام فى معادلة المقاومة الوطنية التى تضم عشرات ومئات بل وآلاف من الابطال الشجعان الذين وهبوا انفسهم للدفاع عن القضية وجعلوا ارواحهم الطاهرة ثمنًا زهيدًا لتحرير الأرض من دنس اليهود.. وبعد عشرين عامًا يكرر نتنياهو بغباء شديد ما فعله من قبل ظنًا منه ان المقاومة تموت بالاشخاص والرموز.. فاغتال بالأمس القريب إسماعيل هنية فى قلب طهران.. وأول أمس اعلن اغتيال يحى السنوار واقفًا على قدميه يحمل سلاحه وسط زملائه قادة المقاومة فى أرض المعركة بمنطقة رفح الفلسطينية.. سقط بزيه العسكرى بعد ان خاض معركة مباشرة مع جنود الاحتلال الإسرائيلي.. ظل يقاتل ويقاتل حتى فاضت روحه البريئة إلى خالقها.. لقى السنوار ربه وهو شامخ كالجبال يواجه ببندقيته الخفيفة كتائب الاحتلال الصهيونى المدججة بأحدث وأعتى الاسلحة الأمريكية والأوروبية الفتاكة.. لم يهرب كالجبناء نتنياهو وجالانت وباقى جنرالات الإرهاب والقتل والتدمير إلى الملاجيء كالفئران المذعورة مع دوى صفارات الانذار مع كل صاروخ ينطلق من غزة أو لبنان أو اليمن.. ظل السنوار ورجال المقاومة صامدين أكثر من عام فى مواجهة جيوش نتنياهو وبايدن وقادة أوروبا الداعمين بالسلاح والمعدات والاموال.. وكل يوم تنفذ فصائل المقاومة عمليات بطولية تكبد جيش الاحتلال خسائر فادحة فى الجنود والضباط والمعدات.. وفى الوقت الذى اعلنت فيه إسرائيل اغتيال السنوار كانت مظاهرات الضباط والجنود الإسرائيليين تشتعل رفضًا للذهاب إلى الحرب فى لبنان.. وأيضًا مظاهرات أهالى المحتجزين يطالبون بوقف الحرب فورًا والدخول فى صفقة سلام للافراج عن ذويهم الاسرى لدى حماس منذ أكثر من عام.. بينما استمرت العمليات البطولية فى غزة ولبنان ويعلن الجيش الإسرائيلى مقتل وإصابة العشرات من ضباطه وجنوده وسط ميدان المعارك فى لبنان وغزة.. أى أن المعركة مستمرة والمقاومة لم ولن تمت باغتيال قادتها ورموزها التاريخيين.
فرحة غامرة فى تل أبيب بمقتل السنوار رغم انه تم بالمصادفة دون ترتيب أو إعداد أو تخطيط.. لقد فوجئوا بجثمانه فى وسط المعركة كواحد من جنود المقاومة الذين يلقون ربهم كل يوم طلبا للشهادة.. ولكن المؤسف حقًا ان نجد نفس الفرحة وربما أكثر فى واشنطن.. بايدن هنأ نتنياهو على هذا «النصر الكبير» ووصف مقتل السنوار بأنه «يوم جيد» وأكد البيت الأبيض ان الرئيس الأمريكى يتطلع للاتصال بنتنياهو لتهنئته.. بينما اعتبرت المرشحة الديمقراطية فى السباق الرئاسى كامالا هاريس مقتل زعيم حماس بانه «دفاع عن النفس».. فيما لم يصدر أى رد فعل عن الأمم المتحدة أو مجلس الأمن.. ولم نسمع صوتًا للمحكمة الجنائية الدولية أو حتى العدل الدولية التى اصدرت قرارها بتوقيف قادة حماس هنية والسنوار وقد ماتا على أيدى الاحتلال.. بينما يظل نتنياهو وجالانت احراراً بلا أى مساءلة عما ارتكبوه من جرائم الحرب والابادة الشاملة بحق الشعب الفلسطينى بأكمله!!
وماذا بعد.. وإلى أين ياخذنا جنون نتنياهو وعصابة الإرهاب والتطرف التى تحكم تل أبيب؟ هل يجرنا نتنياهو إلى حرب إقليمية شاملة تأكل الأخضر واليابس وتحول المنطقة بأسرها إلى محرقة عظمي؟ انهم يعدون العدة لضرب إيران ردًا على صفعة طهران التى فجرت تل أبيب بصواريخها البالستية.. وطبعًا إيران لن تسكت وسترد بقوة.. ومؤكد ان أمريكا لن تسكت وربما يتحول موقفها من داعم بالمال والسلاح والمساعدات المعلوماتية والاستخباراتية إلى شريك وطرف فاعل ومباشر فى الحرب.. واذا فعلت أمريكا ذلك فلن تسكت روسيا والصين.. وقد يفاجيء زعيم كوريا الشمالية العالم كله بتصرف غير مسبوق أو متوقع ويدخل السلاح النووى من جديد أرض المعركة بعد ثمانين عاماً من استخدامه لضرب هيروشيما وناجازاكي؟ فهل نسكت حتى تضرب طهران أو بيروت أو دمشق أو صنعاء أو أى عاصمة عربية بالنووي؟ وأين صوت العقل والحكمة.. مصر لم تتوقف ولن تتوقف أبدًا منذ أكثر من عام عن المطالبة بوقف الحرب فورًا والعودة إلى مفاوضات السلام وعدم تصعيد الموقف والانزلاق إلى حرب إقليمية شاملة قد تتحول إلى حرب عالمية ثالثة.. فهل يتحرك المجتمع الدولي.. هل تنتفض الأمم المتحدة ومجلس أمنها الدولى لإنقاذ الموقف.. هل تتدخل القوى الكبرى لوقف نتنياهو المدعوم أمريكيًا عند حده والعودة إلى صوت العقل؟ رحم السنوار وكافة الشهداء الفلسطينيين.. المجد والشرف للمقاومة.. والعار والخزى والفشل دائمًا من نصيب العدو المحتل.