أمام «جلسات الاستماع الكبري»، ترافعت مصر بمحكمة العدل الدولية، مرافعة تاريخيّة، فى محاولة لحشد الرأى العام العالمى لشجب وإدانة الانتهاكات التى تمارسها إسرائيل بحق الشعب الفلسطينى منذ نحو سبعة عقود من الزمن، ولتذكير العالم بأن تأمين سلامة المدنيين داخل فلسطين هو مسئولية دولة الاحتلال وأن حرمانهم من العيش على أرضهم هو جريمة حرب، ولاسيما لطرح سؤال على المجتمع الدولي: إلى متى سيظل شعب فلسطين يقتل ويغتصب حقوقه؟
وأثنى دبلوماسيون، فى تصريحات خاصة، على مشاركة مصر فى الرأى الاستشارى الذى طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية حول السياسات والممارسات الاسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، معتبرين أنه حدث هام فى تاريخ الأمة العربية والإسلامية وانتصار للقضية الفلسطينية ؛ إذ وضعت «حكومة تل أبيب» موضع مُساءلة ومحاسبة على جرائمها واختراقها الأعراف و القوانين الدولية والإنسانية فى مشهد غير معتاد بالنسبة للدولة العبرية التى تحميها أكبر قوى بالعالم «الولايات المتحدة الأمريكية».
وأضاف الدبلوماسيون أن مصر من خلال شهادتها أمام «العدل الدولية» حول العواقب القانونية لاحتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية منذ عام 1967، أعادت التأكيد على دورها التاريخيّ فى مساندة القضية الفلسطينية ورفضها الممارسات الإسرائيلية، والتى لا تأتى فقط امتداداً لدعم القاهرة غير المحدود للقضية الفلسطينية على كافة الأصعدة السياسية والدبلوماسية والقانونية، بل جاءت كذلك فى ظل تحول الصراع الإسرائيلى الفلسطينى إلى خطر يهدد بشكل مباشر وغير مسبوق أمن مصر القومى بسبب مخطط تفريغ قطاع غزة من سكانه بدفعهم نحو الأراضى المصرية.
وفى هذا الإطار، يقول الرئيس الأسبق لوفد مصر الدائم فى الأمم المتحدة بچنيف، السفير الدكتور منير زهران، إن شهادة مصر أمام «العدل الدولية» تمثل أهمية قصوى فى تلك القضية نظراً لأن مصر هى الأقرب لفلسطين جغرافياً وتاريخياً.
وذكر مساعد وزير الخارجية الأسبق بأن مصر عاشت مع شعب فلسطين كافة مراحل صراعه مع إسرائيل، منذ «قرار تقسيم فلسطين» عام 1947 وما أعقبه من حرب 1948 ، ثم نكبة 1967، وكذلك المذابح المرتكبة فى حق الفلسطينيين والحروب والنزاعات المسلحة العدة التى اندلعت خلال تلك السنوات، وصولاً اليوم إلى حرب غزة الوحشية الجارية وما تشهده من محاولات لتصفية القضية نهائياً عبر الإبادة والتهجير.
من جانبه، أكد ممثل مصر السابق فى لجنة الأمم المتحدة للقانون الدولي، السفير الدكتور حسين حسونة، أهمية مرافعة مصر أمام «العدل الدولية»، للتذكير بأنه قد آن الأوان أن يواجه المجتمع الدولى التصعيد الخطير فى الأرض الفلسطينية المحتلة.
ونوه مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن العالم يتطلع فى أن تجيب المحكمة على الأسئلة المطروحة أمامها بالتأكيد على أن إسرائيل قد انتهكت حق الشعب الفلسطينى فى تقرير المصير، وأن مواصلة إحتلالها و ممارستها الخاصة بضم الأراضى والاستيطان تعتبر خرقاً لمبادئ القانون الإنسانى الدولى ومبدأ عدم جواز اكتساب الأراضى بالقوة، وأن إجراءاتها الساعية لتغيير طبيعة ووضع مدينة القدس تعد باطلة، وأن سياساتها بشأن التفرق بين الفلسطينيين والمستوطنين الإسرائيليين تعد خرقاً- لمعاهدة القضاء على التمييز العنصري.
وأردف أنه وبالتالى تلتزم إسرائيل بإنهاء احتلالها وممارساتها غير الشرعية، وتعويض الشعب الفلسطينى جراء ما أصابه من ضرر مادى ومعنوي، كما تلتزم كافة الدول والمنظمات الدولية بعدم التعاون مع إسرائيل نظراً لمواصلة ممارساتها غير الشرعية.
وأعرب السفير حسونة عن أمله فى صدور رأى استشارى من المحكمة يؤكد عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلى وآثاره، وشدد على ثقته فى أن الحجية القانونية والأدبية لهذا الرأى الصادر من أعلى سلطة قضائية دولية سوف تؤثر فى مواقف الدول خاصة الغربية التى لا تزال تساند «حكومة تل أبيب».
بدوره، أوضح مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير الدكتور عادل السالوسي، أن مرافعة مصر أمام محكمة العدل الدولية جاءت فى إطار المشاركة ضمن شهادات 52 دولة أعضاء بالأمم المتحدة، وأيضاً الاتحاد الافريقى وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، للانضمام إلى الرأى الاستشارى الذى طلبته الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر 2022 من « العدل الدولية « حول الممارسات والسياسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية .
ونوه السفير السالوسى بأن مصر طالبت فى مذكرتها و مرافعتها الشفهية امام هيئة المحكمة بضرورة التأكيد على مسؤولية دولة الاحتلال منذ العام 1967 عن كافة الافعال غير المشروعة دولياً مع المطالبة بانسحاب إسرائيل من الأراضى الفلسطينية المحتلة فى الضفة الغربية والقدس الشرقية وبيت لحم وغزة، وتعويض الشعب الفلسطينى عن الأضرار التى لحقت به نتيجة تلك الممارسات والسياسات العقابية غير الشرعية إو الإنسانية والتى امتدت لعشرات السنوات ضد حقوق الشعب الفلسطيني، بجانب مطالبة كافة دول العالم والمنظمات الدولية بعدم الاعتراف بأى اثر قانونى ينتج عن سياسات ضم الأراضى بطرق غير قانونية، مع اضطلاع المنظمات الدولية بالمسئولية فى هذا الشأن.