فى مثل هذه الأيام توفى الزعيم الوطنى الأول: أحمد عرابى الذى ولد فى 31 مارس 1941 ومات فى مصر يوم 21 سبتمبر 1911.. سبعون عامًا من النضال قضى منها ما يقرب من عشرين عامًا فى المنفى فى جزيرة «سيلان» وكانت حياته حافلة بالجهاد والصبر والعزة رغم وجود المحتل الإنجليزى وهيمنته وخيانة الملكية ورجالها وبيعها «مصر» للمحتل.. ظل الرجل صامدًا وثابتًا على عهده وعلى «نظارته : أى وزارته» للحربية ودفاعه عن مصر! كانت مصر بعد محمد على باشا وحتى الملك فاروق ألعوبة وأداة فى يد المحتل الإنجليزى لقرابة قرن كامل! وجميعنا نتذكر حواره الشهير مع الخديوى توفيق حاكم مصر الملكية وعبد المحتل الإنجليزى وقتها «عام 1882» حين صاح به الخديوى توفيق: لا حق لكم فى هذه المطالب، لقد ورثت هذه البلاد عن آبائى وأجدادي، وما أنتم إلا عبيد إحساننًا فكانت إجابة.
عرابى الخالدة: لقد خلقنا الله أحراراً، ولم يخلقنا تراثاً أو عقاراً؛ فوالله الذى لا إله غيره، إننا سوف لا نُورَّث، ولا نُستعبَد بعد اليوم» وبعد أن واجه الخديوى والمحتل الإنجليزى وخنفس باشا تم الحكم عليه بالاعدام ثم خفف بالنفى إلى «سيلان « ليقضى بها 20 عامًا أو أكثر.. ماذا عن هذا الزعيم االعسكرى والمنسى والمفترى عليه ؟
>>>
اسمه بالكامل أحمد محمد عرابى محمد وافى محمد غنيم عبدالله الحسيني، والدته كان اسمها فاطمة بنت السيد سليمان ابن السيد زيد، وتجتمع مع والده فى الجد الثالث عشر المسمى إبراهيم مقلد والعارف بالله السيد صالح الذى جاء إلى مصر فى منتصف القرن السابع الهجري.
ولد أحمد عرابى فى 31 مارس 1841م فى قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية، وكان عرابى ثانى الأبناء، أما الابن الأكبر فهو محمد، وشقيقاه الصغيران هما عبدالسميع وعبدالعزيز، تعلم القرآن الكريم، ثم عهد به والده الذى كان عمدة القرية إلى صراف القرية الذى كان يدعى ميخائيل غطاس حيث دربهُ على العمليات الحسابية والكتابية ومكث يتمرن على يديه نحو خمس سنوات أحسن فيها معرفة القراءة والكتابة وبعض القواعد الحسابية.
وفى سن الثامنة طلب من أبيه أن يلحقه بالجامع الأزهر فأجاب طلبه وأرسله إلى القاهرة فدخل الأزهر فى نوفمبر 1849م، ومكث فيه أربع سنوات أكمل خلالها حفظ القرآن وأجزاء من الفقه والتفسير أما عن حياته العسكرية فيحدثنا التاريخ أنه حين أمر محمد سعيد باشا بإلحاق أبناء المشايخ والأعيان بالجيش ضمن جهوده للمساواة بين الشركس والمصريين، التحق عرابى بالخدمة العسكرية فى 6 ديسمبر 1854م وبدأ كجندى بسيط، ولحسن حظه عين ضابط صف بدرجة أمين بلوك «مساعد حالياً»، واستفاد من نظام الترقى بالامتحانات فوصل إلى رتبة ملازم ثانى بعد أربع سنوات فقط فى الخدمة، ثم ارتقى عرابى سلم الرتب العسكرية بسرعة فى عهد سعيد باشا وأصبح لاحقًا وزيرًا للحربية!.
فحين تشكلت حكومة جديدة برئاسة محمود سامى البارودي، شغل عرابى فيها منصب «ناظر الجهادية» «وزير الدفاع» ونائب رئيس مجلس النظار وقوبلت نظارة «البارودي» بالارتياح والقبول من مختلف الدوائر العسكرية والمدنية؛ لأنها كانت تحقيقاً لرغبة الأمة، ومعقد الآمال، وكانت عند حسن الظن، فأعلنت الدستور، وصدر المرسوم الخديوى به فى «7 فبراير 1882 م».
>>>
حين أتت المواجهة للمحتل القادم فى 1882 ورغم نجاح الثورة فى أولها الا أن النصر بالدم كان للإنجليز وإنتهت تلك الثورة بتجريد»عرابي» من كل رتبة العسكرية ومحاكمته فى 3 ديسمبر من نفس العام ومن ثم الحكم بإعدامه، ثم تخفيف العقوبة إلى النفى لجزيرة سرنديب «التى أصبحت بعد ذلك سيلان» وتقع ضمن حدود دولة سريلانكا، وكانت ملكًا للإنجليز منذ سنة 1785، ولم يعد عرابى من منفاه الا عام 1903، أى قضى نحو 20 عامًا فى المنفى وكان من بين رفاقه من العرابيين محمود سامى البارودى الذى عرف برب السيف والقلم وكان رئيسًا لوزراء مصر خلال الأزمة ثم بعض القادة العسكريين من القائم قامات والأميرالايات وبعض باقى الرتب العسكرية ومنهم محمد عبدالعال حلمى وعلى فهمى وطلبة عصمت ويعقوب سامى ومحمود فهمي.
>>>
أما عن أسباب فشل الحركة العرابية خاصة المعركة الفاصلة فى التل الكبير فتعود الى جملة من الاسباب منها: خيانة الخديوى توفيق: فقد ساند التدخل الأجنبى فى شئون مصر منذ بداية توليه.
خيانة ديليسبس: صاحب شركة قناة السويس، والذى أقنع عرابى بعدم ردم القناة لأن الإنجليز لا يستطيعون المرور عبرها بدعوى أن القناة حيادية، ولكنه سمح للإنجليز بالمرور، ولو ردمت القناة لما دخل الإنجليز مصر.
> خيانة بعض بدو الصحراء والذين أطلعوا الإنجليز على مواقع الجيش المصري.
خيانة بعض الضباط: وخاصة على يوسف، وقد ساعدوا الإنجليز على معرفة الثغرات فى الجيش المصري.
> خيانة خنفس باشا قائد حامية القاهرة.
السلطان العثماني: أعلن عصيان عرابى فى 9 سبتمبر 1882 وهو وقت حرج جدًا، وكان ذلك بتحريض من إنجلترا؛ جعل الكثير من الأشخاص ينقلبون ضده.
>>>
وفى جزيرة سرنديب التى قضى فيها عرابى سنين المنفي، أحبه شعب الجزيرة وكان له فى قلوبهم مكانة كبيرة، حتى أن عددًا كبيرًا منهم أسلم على يديه وتعلموا مباديء الإسلام والصلاة وقد أنشأ عرابى هناك كلية الزاهرة لتعليم أصول العقيدة الإسلامية وتعليم اللغة العربية لأول مرة فى الجزيرة بجانب تعليم اللغة الإنجليزية لمعرفة لغة العدو المشترك لسيلان ومصر، ولمكانة عرابى الكبيرة فى قلوب أهل الجزيرة قاموا بتشييد مسجداً ومقاماً باسمه لا يزال باقياً إلى الآن.
وفى سيلان التقى أحمد عرابى باشا ورفاقه الكبار بالسير توماس ليبتون وهو اسكتلندى من أصل أيرلندى يملك مزارع للشاى ويقال أنه أدخل من خله أدخل «الشاي» والمانجو إلى مصر بعد عودته من المنفى عام1903.
>>>
وبوجه عام يعد أحمد عرابى أول زعيم مصرى وطنى أتى من الجيش المصرى العظيم وعلم الناس ومن أتى بعده دروسًا فى الوطنية والثبات على المبدأ ورفض الخيانة ومنه تعلم كل القادة الكبار للحركة الوطنية المصرية وفى مقدمتهم مصطفى كامل وسعد زغلول وكل الزعماء العسكريين التالين ومنهم جمال عبدالناصر الذى أعده أبًا روحيًا له فى الصمود والعزة.. رحم الله ألزعيم الوطنى الكبير أحمد عرابي!