نحن جميعا فى انتظار النبأ اليقين الذى يأتينا به الهدهد المحلق فوق سماء دوائر صنع القرار الأمريكى، فوسط هذه الكتل الضبابية والسحب الداكنة واللايقين المسيطر على عقول الخبراء والمفكرين فى كل دول العالم، لا يسعنا إلا الانتظار الذى طال وتحوَّل إلى قطع من القلق اللعين، فالإقليم البائس الذى نعيش وسط نيرانه المشتعلة تتغير معادلاته على مدار الساعة، حيث نجد الفواعل العنيفة من دون الدولة تتعرض لزلزلة وجودية بدأت باصطياد الرؤوس الكبيرة فى كل من حماس وحزب الله ثم التدمير الكامل لقطاع غزة وتحويله إلى أكبر تجمع ركامى فى العالم وتبعه التدمير الجزئى لجنوب لبنان وبدايات ملتهبة لحرب طويلة على الأراضى السورية واليمنية انتظارا لصدور التعليمات بخصوص ايران المتأرجحة على حبال الأزمة الحادة والمسمومة، التقارير تفيد بأن كل ما يجرى على أراضى ودول الإقليم سيستمر إلى حين تنتهى الانتخابات الأمريكية، وهنا نجد انفسنا امام احتمالين أساسيين لهما ثالث منزو ومخفى ومخيف، الأول هو فوز ترامب والثانى فوز كامالا هاريس والثالث عدم اعتراف ترامب بهزيمته – حال هزيمته – وتكرار ردود الأفعال العنيفة التى قد تجر المجتمع الأمريكى إلى ما يشبه الحرب الاهلية، نعود إلى الاحتمال الأول وهنا سنجد ترامب متربعا على عرش التسوية وإيقاف الحرب وإعلان بداية مرحلة «الحقبة الاسرائيلية» مع استكمال الاتفاقات الإبراهيمية وانهاء فكرة حل الدولتين وذوبان الضفة والتخلص من سكان الضفة مع تدوير الزوايا مع الفواعل العربية بنظام الصفقات الثنائية بمعنى ماذا تريد كل دولة وماذا يمكن ان تقدمه لها امريكا، اما الاحتمال الثانى وهو فوز هاريس وهنا سنكون امام الوصول إلى تهدئة مؤقتة تلتقط فيها إسرائيل انفاسها المقطوعة لتعاود تنفيذ خطتها الموضوعة مسبقا فى اجتثاث الفواعل العنيفة من دون الدول فى كل الإقليم، اما الاحتمال الثالث فربما فى حال حدوثه ان يجعل امريكا منكفئة على أوضاعها الداخلية وتترك المنطقة لنفسها وهنا سيطهر دور الفواعل الإقليمية عربية وتركية وإيرانية واسرائيلية لتصنع بنفسها لنفسها إطار للتعايش البارد المبنى على أسس البرجماتية الواقعية، فى كل الأحوال علينا ان ننتظر الهدهد وما سيأتينا به من أنباء عن نتائج الانتخابات الأمريكية وكذلك خطط كل معسكر، كما علينا مراقبة الداخل الإسرائيلى الذى يتحرك مستغلا كل الأحداث لصالحه دون النظر إلى مصالح الآخرين – كل الآخرين – لكن ومن الآن أرمق شعاع ضوء فى نفق طويل مظلم بدأ يتشكل من القاهرة التى استقبلت الفواعل الخليجية الرئيسية ثم الإيرانيين والاسرائيليين والفلسطينيين حيث الحوارات المعمقة حول ادارة اللحظة الراهنة ومحاولة استشراف المستقبل القريب ووضع الاحتمالات وكذلك السيناريوهات، ومازال الهدهد يحلق ومازلنا فى الانتظار.