كل أشكال التناقض تجدها فى المواقف الغربية تجاه العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، ففى الوقت الذى ترفض فيه قطاعات كبيرة من شعوب أوروبا وأمريكا حرب الإبادة التى تمارسها إسرائيل ضد سكان القطاع، نجد الحكومات وقادة معظم هذه الدول تنحاز بشكل فاضح للكيان الصهيوني، بل وتبدى «دون خجل» ضعفها أمام السلوك الدموى لنتنياهو وحكومته المتطرفة، وأول أمس وبعد ساعات قليلة من الفيتو الأمريكى الثالث فى مجلس الأمن ضد مشروع القرار الجزائرى بوقف إطلاق النار بغزة، لم تستطع بعض وسائل الإعلام الغربية ولأول مرة، إبداء غضبها وحنقها على المواقف المتناقضة والمضطربة تجاه المجازر الإسرائيلية فى غزة، وقالت : حكومة نتنياهو تضم طغاة ومجرمين ومتطرفين، ومع ذلك فإن حكومات أوروبا وأمريكا تغض الطرف عن إيقاف حربها الهمجية ضد الفلسطينيين.
وسائل الإعلام الغربية تحدثت أيضا عن غضب الرئيس الأمريكى جو بايدن – قبل أيام – من رئيس الحكومة الإسرائيلية ووصفه له» بالرجل اللعين والشرير والمتطرف»، منتقدا فشل نتنياهو فى الإفراج عن الرهائن المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية، وقالت وسائل الإعلام: انه من هذا المنطلق كانت التوقعات تشير إلى أن غضب بايدن قد يتحول إلى قرارات تمنع أو «تفرمل» جنون نتنياهو وحكومة إسرائيل، غير أن ماحدث عكس ذلك تماما، فقد سمحت إدارة بايدن بحزمة مساعدات عسكرية جديدة لتل أبيب، وغضت الطرف عن القصف المتواصل لجيش الاحتلال لقطاع غزة، وافصحت عن موافقتها على اجتياح رفح، ثم وهو الأهم استخدام الفيتو الأمريكى فى مجلس الأمن ضد مشروع القرار بوقف إطلاق النار.
وحقيقة فإن الوضع الراهن فى غزة والأراضى الفلسطينية المحتلة وما صاحبه من مواقف أمريكية وأوروبية ضعيفة ومتناقضة، يوحى بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية خرج عن السيطرة تماما، وأنه قد ينفذ تهديداته فى أى وقت باجتياح رفح الفلسطينية مهما كانت الخسائر فى صفوف المدنيين، وفى هذا السياق قال الأمين العام للأمم المتحدة: «إن العقاب الجماعى الذى يقع تحته الآن الشعب الفلسطينى ليس له تبرير، وأن الوضع فى غزة حاليا هو تعبير عن المأزق التى وصلت له العلاقات الدولية، حيث ان التدمير بها وصل إلى حد الصدمة وكل هذا ينتشر فى المنطقة بأكملها ويؤثر فى التجارة العالمية، ويغلق الطرق أمام المساعدات الإنسانية، كما أن رفح الآن فى قلب العمليات حيث ان بها مليون ونصف المليون من الفلسطينيين يعيشون «بالكاد» ويواجهون خطر الموت فى أى لحظة».
الملاحظة الأخري، هى أن الشارع العربى وفى ظل هذه الأوضاع بدأ يستعيد ذاكرته ويطالب بإعادة النظر فى كل ما هو غربى وأمريكي، ليس ذلك فقط فقد امتدت المطالب إلى رفض السلام مع إسرائيل، بما يعنى أن الجسور مع العرب التى بناها قادة الكيان الصهيونى السابقون على مدى يزيد عن 40 عاما، جاء نتنياهو وأفراد حكومته من الطغاة والمتطرفين ليهدموها وليعيدوا المنطقة إلى حالة العداء الأولى وتغذية «الكراهية» وكل ما يتعلق بإشعال الصراع العربى الإسرائيلي.
فى كلمة مصر أمام محكمة العدل الدولية – أمس – قالت المستشارة القانونية ياسمين موسى أن المذبحة التى ترتكبها إسرائيل فى الأراضى الفلسطينية وتحديداً فى غزة مستمرة إذ استشهد حوالى 29 ألف فلسطينى حتى الآن وشرد أكثر من 2 مليون فلسطينى فى انتهاك واضح للقانون الدولي، منوهة بأن مجلس الأمن فشل فى المناداة والدعوة من أجل وقف اطلاق نار دائم فى الأراضى الفلسطينية.
وحسب المستشارة ياسمين موسى فإن القانون الدولى يمنع تشريد المواطنين الفلسطينيين بالقوة من أراضيهم وتحديداً فى قطاع غزة إذ ان هناك أوامر إسرائيلية بإجلاء الفلسطينيين بالقوة فى خلاف واضح للقانون الدولى لأن ما تقوم به إسرائيل هو بمثابة تطهير عرقي.
المستشارة المصرية ذكرت أيضاً ان تغيير معالم الأراضى المحتلة على المستوى الجغرافى والديمقراقى أصبح أمراً واضحاً فى الأراضى الفلسطينية إذ تعمل إسرائيل على ترحيل السكان من أراضيهم وتعمل فى الوقت نفسه على القدوم بالمستوطنين الإسرائيليين للعيش فى الأراضى الفلسطينية المحتلة.
هكذا هى الصورة المؤلمة التى تجسدها سولكيات إسرائيل فى غزة والأراضى المحتلة، وهى «رغم مأساويتها» إلا أنها تظل صورة كاشفة لما فات ولما هو قادم، إذ أنه وبقراءة سريعة يمكن أن ندرك أن إسرائيل الخاسر الأكبر من هذا العدوان ليس على المستوى الداخلى فقط وإنما على مستوى المنطقة و العالم، فالكيان الصهيونى الذى كان يزعم أنه واحة الديمقراطية وسط محيط من الديكتاتورية، أثبتت الأحداث أنه العدو الأول للإنسانية وحقوق الإنسان والمحتل لأراضى الغير والقاتل والمدمر للفلسطينيين، كذلك فإن السلام الذى حاولت إسرائيل خداع بعض الشعوب العربية به، أكدت الأحداث أنه مجرد «وهم كاذب»، تمت الإفاقة منه قبل أن يتم استغلاله فى المنطقة ومن ثم فإن حكومة نتنياهو وفى ظل هذه المستجدات وضعت نظرية الأمن الإسرائيلى فى مهب الريح كما أوحت بأن استمرار نتنياهو نفسه أصبح مشكوكاً فيه.