احترمت الكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب 2024 منذ أيام، حين رفضت حضور مؤتمر صحفى فى العاصمة الكورية سول قائلة على لسان والدها «وهو بالمناسبة روائى وأديب لكنه لم يحصل على الشهرة التى حصلت عليها ابنته»: «يقول الأب «قالت لى ابنتى «هان كانغ» من فضلك لا تحتفل بفوزى بالجائزة بينما نشهد هذه الأحداث المأساوية وتصاعد الحرب وقتل الناس كل يوم، كيف يمكننا أن نحتفل أو نعقد مؤتمراً صحفيا؟» «فى إشارة إلى حربى أوكرانيا، وإسرائيل على غزة ولبنان».
هكذا قالتها الأديبة الكورية الجنوبية هان كانغ «53 عاماً»، وهى أول كورية وآسيوية تفوز بجائزة نوبل للآداب وتكتب باللغة الكورية محدودة الانتشار إذا ما قورنت بالإنجليزية والفرنسية.
هكذا رفضت عقد مؤتمر صحفى فى أعقاب فوزها بالجائزة الخميس الماضى عن مجمل أعمالها التى تواجه فيها الصدمات التاريخية وتكشف عن «الهشاشة البشرية».
* تخيلوا كاتبة تفوز بأرفع جائزة عالمية وترفض حضور فرحها المحلى والعالمى فى نفس الوقت، بالتحدث مع كافة وسائل الإعلام العالمية التى جاءت لها من كل أنحاء العالم.. رفضت إعلان فرحتها بالظهور على شاشات تليفزيونات العالم وأغلفة المجلات والجرائد العالمية، لرفضها واحتجاجها على المجازر الإسرائيلية فى غزة ولبنان وكل نقطة دم تراق من إنسان، بينما هناك من يتاجرون بالموت وصناعته ويروجون له بل ويدعمون ويخططون للقتلة علنا ومن وراء الستار.. وهكذا ابتعدت الكاتبة صاحبة الضمير الحى عن الأضواء احتجاجاً على سفك الدماء!!
* حقاً هناك أناس يبحثون عن الشهرة وهى تتأبى عليهم، وهناك أناس تسعى إليهم الشهرة وهم يتأبون عليها..!
والكاتبة الكورية طبيعتها الهدوء والبعد عن الصخب والحرص على البقاء بعيداً عن الأضواء.. قالت لأبيها عقب فوزها بنوبل «لم تمنحنى الأكاديمية السويدية هذه الجائزة للاستمتاع بها، بل لكى أحافظ على صفاء ذهني!!
الطريف ان كوريا الجنوبية تحتفل بها اليوم بعد أن رفعت اسم بلادها فى العالم كله، بل وهويتها بالتقدير للغة الكورية التى أبدعت بها الكاتبة مثلما فعل أديبنا الكبير نجيب محفوط حين طرح اللغة العربية فى المحافل الدولية بل وأدخل بعض مفرادتها الى القواميس اللغوية العالمية مثل كلمة «حارة «.
المهم يأتى الاحتفال الكورى بالكاتبة بعد ان كانت مدرجة فى «قائمة سوداء» تضم نحو عشرة آلاف شخصية ثقافية فى كوريا الجنوبية متهمة بانتقاد الرئيسة بارك غن هاى التى تولت السلطة بين عامى 2013 و2017، وحرمتهم السلطات نتيجة لذلك من أى مساعدة عامة أو أى تمويل خاص، فضلاً عن وضعهم تحت المراقبة.
إسرائيل تسعي
بعيداً عن الفائزة توقفت عند أحد الأسماء المرشحة كما يروجون وهو الإسرائيلى ديفيد جروسمان، وما صاحبه طبعاً من جهود صهيونية للفوز بها.. والسؤال الذى يتبادر للذهن من هذا الكاتب الذى كان يسعى لنوبل، وهل مواقفه تدعو للسلام والمحبة أم عكس ذلك ؟، وبعيداً عما يكتب فى خانة الإبداع تعالوا نرى موقفه السياسى الذى نجده لا يناصر الكيان الصهيونى الذى ولد فى ظلاله عام 1954 فحسب بل يدعوه للمزيد من القتل والبطش بالأبرياء وأصحاب الحق.. يقول فى مقال له بعنوان: «إسرائيل تسقط فى الهاوية» فى مجلة نيويورك تايمز فى 4 مارس 2024: «كلما ابتعد وتراجع السابع من أكتوبر عن الأذهان، ازدادت فظاعته فى الذاكرة، وازداد لدينا نحن الإسرائيليون الوعى بتاريخنا وهويتنا وقدرنا.. كيف أن إرهابيى حماس «استطاعوا فى ساعات وجيزة اقتحام البيوت وقتل حوالى 1.200 شخص وخطف ونهب ما تيسّر لهم. خلال تلك الساعات الرهيبة، قبل أن يفيق الإسرائيليون من صدمتهم، لمسوا ولو للحظاتٍ ما كان يمكن أن يكون مصيرهم لو لم تعد إسرائيل موجودة، وليس فقط عند تلقّيهم هذه الصفعة المؤلمة.
«عندما تكلمتُ مع يهود يعيشون خارج إسرائيل، لمست كم شعروا بالضعف والوهن وبأن وجودهم مهدد فى تلك الساعات القليلة والرهيبة. بل أكثر من ذلك، حتى أن البعض منهم فقد الإحساس بقوة الحياة، والبعض الآخر شعر أكثر من أى وقت مضى كم أن وجود إسرائيل مهم بالنسبة لهم كفكرة وواقع.
«وبعدما بدأ الجيش الإسرائيلى بالردّ، تحرك المجتمع المدنى وتطوع الآلاف من المدنيين للقيام بما كان ينبغى بالحكومة القيام به لو لم تكن فى حالة شلل تام.
يقول ذلك الراغب فى الحصول على نوبل وهناك وقت نشر المقال أكثر من 30 ألف فلسطينى قتلوا فى غزة منذ 7 أكتوبر، معظمهم من الأطفال والنساء والمدنيين الذين لا علاقة لهم بحماس وغير «متورطين» كما تسمّيهم إسرائيل.
كيف يسعى لجائزة للسلام والحق والخير وهو يدعو للقتل ويولد ويعيش ويدعو ويدافع عن سرقة بلد من أهله ويغتصبه هو وأقرانه الذين جاءوا له من مختلف أنحاء العالم.
* حقاً هناك من يبحث عن الشهرة وهى تتأبى عليه، وهناك من تسعى إليهم الشهرة وهم يتأبون عليها..!!