لا تفتش عن إسرائيل.. فتش عن أمريكا.. إذا رأيت حرب إبادة الشعب الفلسطينى تدخل عامها الثانى بهذه القوة والسرعة والإجرام والجنون.. لا تفتش عن إسرائيل بل فتش عن أمريكا..إذا شاهدت الأطفال والرضع والعجائز لا يستطيعون الفرار من شبح الموت جوعاً.. لا تفتش عن إسرائيل بل فتش عن أمريكا.. إذا سمعت أن الأطباء عجزوا عن معرفة هوية جثث الشهداء «المسحوقة» فلم يجدوا سوى توزيع الأشلاء «سبعة كيلو جرامات لكل أسرة شهيد».. لا تفتش عن إسرائيل بل فتش عن أمريكا.. إذا عرفت بإبطال مفعول أحكام محكمة العدل الدولية وغياب قرارات «الجنائية الدولية» وتعطيل مراسيم الهيئات والمنظمات الأممية.. لا تفتش عن إسرائيل بل فتش عن أمريكا.. إذا نشبت حرب فى لبنان أو وقع هجوم على سورية أو اليمن أو أى بلد عربي.. لا تفتش عن إسرائيل بل فتش عن أمريكا..فتش عن أمريكا فى كل مكان امتدت إليه أطماع إسرائيل.. أمريكا بكل إمكاناتها وسياساتها وإعلامها.. مع إسرائيل.. وحروب إسرائيل.. وعدوان إسرائيل.. وجرائم إسرائيل.. نعم «أمريكا هى الطاعون.. والطاعون هو أمريكا».
فى كتابه «الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق» يشير الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل إلى «بعد جوهري» فى هذا الدعم الأمريكى التاريخى لكل ما تقوم به إسرائيل من إبادة وإجرام وإرهاب ضد الفلسطينيين وضد العرب بوجه عام منذ قيام «هذا الكيان» فى عام 1948 وحتى الآن.. هذا البعد ربما غاب عن كثيرين لكنه بالتأمل فيه يمكن استنتاج أنه هو «البعد العميق» أو أكثر الابعاد تأثيراً.. إنه «وجه الشبه» بين البلدين فى «تاريخ النشأة والتكوين».. فالولايات المتحدة الأمريكية ترى فى إسرائيل «صورة منها».. الدولتان قامتا على «أرض الغير».. الفلسطينيون فى الحالة الإسرائيلية.. والهنود الحمر فى الحالة الأمريكية.. ومثلما فعل «الأمريكيون» ضد «أصحاب الأرض الأصليين» فعل الإسرائيليون بالفلسطينيين.
الفلسطينى أو العربي.. كما يشير الأستاذ محمد حسنين هيكل فى كتابه..هو فى عمق الإدراك الأمريكى يذكرها بالهندى الأحمر صاحب الأرض التى استوطنتها موجات الهجرة القادمة من أوروبا وأقامت عليها «أمريكا» بعد التخلص من الهنود الحمر.. فى حين يمثل «المحتل الإسرائيلي» صورة ذلك الأمريكى الذى جاء قديماً من أوروبا وفرض نفسه على الأرض بعد ان اغتصب كافة حقوق السكان الأصليين.. فى «القاموس الأمريكى» نجد أن مفردات مثل «حق تقرير مصير الشعوب» و«الحقوق المغتصبة» و«السكان الأصليين».. هذه المفردات لها وقع وفهم خاص داخل «النفس الأمريكية العميقة».. وقع وفهم يختلفان عن المعنى التقليدى أو الصورة الذهنية التى تتكون أو تتولد عند ذكر هذه المفردات فى أى مكان آخر «غير أمريكا».. وتطبيقا لما ذكره الأستاذ هيكل فإنه فى الوقت الذى ينظر فيه العرب والغالبية العظمى من سكان الكرة الأرضية إلى قادة إسرائيل باعتبار أنهم مجرمون وسفاحون وقتلة للأطفال الفلسطينيين.. فإن الولايات المتحدة الأمريكية الرسمية تنظر إلى هؤلاء الإسرائيليين وكأنهم أولئك الأمريكيون الذين أبادوا الهنود الحمر وبنوا حضارة العالم الجديد !!!
تحت عنوان: «مهمة تفتيش فى الضمير الأمريكي» خصص الأستاذ هيكل جزءا من كتابه «الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق» لإلقاء الضوء بشيء من التفصيل المتعمق على جانب مهم من جوانب العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.. تحدث الأستاذ هيكل فى هذا الجزء من الكتاب عن نشأة الولايات المتحدة الأمريكية.. فقال: إن الولايات المتحدة الأمريكية نشأت مهجراً ومنفى وملاذاً لعينات مختلفة ومتناقضة من البشر.. فقد كانت موجات الهجرة الأولى إلى أمريكا جماعات من المكتشفين والمغامرين ذهبوا يبحثون.. بتشجيع ملوك أوروبا وأمرائها.. عن طريق إلى الشرق يتجنب سيطرة الممالك الإسلامية الحاكمة على طريق البحر الأبيض «ممالك مصر والشام» أو على طريق الحرير «ممالك الفرس والمغول» إلى قلب آسيا.. والذى حدث أن هؤلاء المكتشفين والمغامرين وصلوا إلى الغرب بدلاً من الشرق.. ثم راح ملوك وأمراء أوروبا يسمعون الأعاجيب عن ثروات العالم الجديد من أرض خصبة ومياه وسهول ومعادن فى المقدمة منها الذهب.
موجة الهجرة الثانية إلى «العالم الجديد».. كما يضيف الأستاذ هيكل.. كانت عندما تولى البابوات والكرادلة مراسم اقطاع الأرض الجديدة.. فكان جنود ملوك أوروبا يسابقون الريح إلى العالم الأسطورى الجديد حتى لايسبقهم غيرهم.. وكانت موجة الهجرة الثالثة إلى «أمريكا» عندما احتاجت الموارد إلى قوة عمل فقام ملوك وأمراء أوروبا بإرسال نزلاء السجون إلى الأرض الجديدة ليعمروها.. أما موجة الهجرة الرابعة فكانت من المضطهدين دينيا وسياسيا.. ثم توالت بعد ذلك «الموجات».. ويشير هيكل هنا إلى أن عبور المحيط الأطلنطى فى تلك الفترة ما ببن القرن السادس عشر والقرن الثامن عشر.. لم يكن عبور المحيط فى تلك الفترة بالشيء اليسير بل أمر لا يقدر عليه إلا الأشداء من الناس «أبدانا ونفوسا».. ويستطرد هيكل: لم يكن فى خيال هؤلاء الأشداء العابرين للأطلسى أن ينشئوا وطنا تتساوى فيه حقوق الناس ومسئولياتهم وإنما كان مطلب كل واحد أن يسبق أو يلحق ويعوق غيره أو يعطله.. لأن الجميع متسابقون لوضع أيديهم على ماتطوله أطراف أصابعهم فى هذا العالم الجديد.. وعندما وجد هؤلاء الأوروبيون أن العالم الجديد «أمريكا» ليست أرضا خالية من الناس فقد أدركوا من أول لحظة أنه إذا كان لهم أن يتملكوا «الدنيا الجديدة» فإن «الآخر» وهو الهندى الأحمر لابد أن يختفي!!
يرى الأستاذ هيكل فى كتابه أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تستطع فى أى وقت أن تستوعب فكرة «الوطنية الموحدة أو فكرة القومية الجامعة والرابط الدينى الواسع».. وبالتالى فعند تعاملها مع أطراف تستند على مثل هذه الأسس وقفت أمام «حاجز ثقافى منيع» أدى بها إلى مشاكل بلغت حد العناد والعداء مع بلدان تمسكت بداعى الوطنية المستقلة.. ويضيف: إنه ولما كان لابد من وعاء جامع يضم السكان على أرض جديدة.. فقد راج إدعاء بأن هذا الوعاء الجامع هو «الجسارة» تشهد عليها «معجزة الكشف» وسرعة السبق وروح المغامرة وشدة القوة والبأس وتغطية ذلك بأن العالم الجديد هو أرض الميعاد المتحققة فعلاً.. منحة سماوية «للأقوياء والقادرين».
يتحدث الأستاذ هيكل عن منطق «الشركة» وحساب المكسب والخسارة الذى يسيطر على «العقل الأمريكي» حتى فى التعامل مع إسرائيل فيقول: عندما قامت «إسرائيل» فإن بحث أمريكا عن وكيل لها فى الشرق الأوسط وجد جواب سؤاله.. فإسرائيل وكيل مؤتمن لأنه من خارج «الأسرة» غريباً عن المنطقة دينا وعرقاً وثقافة ومشروعاً.. وإنه لهذه الأسباب فإن إسرائيل «وكيل موثوق فيه»لأنه يحتاج إلى الأمبراطورية الأمريكية بمقدار حاجتها إليه يزكى ولاءه ويضمنه.. وهذا الوكيل الإسرائيلى نجح فى إثبات وجوده وإشهار وجوده بالمنطقة فى عام 1948 وقدم مؤهلات لها الحظ الأوفر من القبول.. وفى عقد الستينيات من القرن الماضى جرى تأكيد وتجديد التعاقد الإسرائيلى مع الأمبراطورية الأمريكية فى المنطقة..ويقول هيكل هنا: إنه مما كان يزكى الوكيل الإسرائيلى عوامل تمتد إلى «عمق التجربة» فى الحالة الإسرائيلية كما فى التجربة الأمريكية لأن الثقافة تلعب دورها فى إقامة التحالفات لبناء المجتمعات.. والمجتمع الإسرائيلى كما هو الحال المجتمع الأمريكى «هجرة وعنف واستيطان وتعامل بالقوة».. ويذكر الأستاذ هيكل أن : الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد عرضت على مصر فى عام 1950 مشروعا لشراء سيناء وتوطين «اللاجئين الفلسطينيين» فيها لكن «الملك فاروق» رفض هذا العرض.
تحدث الأستاذ هيكل فى كتابه أيضاً عن نظرة الولايات المتحدة الأمريكية إلى «الحرب» وكيف أن الإمبراطورية الأمريكية تعتبر الحرب «وسيلتها المجربة» لتحقيق مطالبها وكان من أبرز ما دلل به على تلك النظرة ما جاء على لسان الرئيس الأمريكى الأسبق جورج بوش بأن الحرب «هى الوسيلة التى تكتشف بها الأمم موارد قوتها الداخلية قبل قوتها الخارجية.. والبوتقة التى تتبلور فيها شخصيتها وتتجسد إرادتها.. ثم هى بعد ذلك أوثق رباط لوحدتها وأقوى حافظ لتماسكها».. ويشير هيكل إلى أنه خلال الحرب الباردة شاركت الولايات المتحدة فى سبعين نزاعا مسلحاً وتدخلت بالعنف فى الشأن الداخلى لأكثر من مائة دولة!!
يؤكد هيكل مجدداً «وجه الشبه» بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل عندما يقول: إن أى مفاوض أو محاور عربى مع طرف أمريكى لا يستطيع التأثير عليه أو إقناعه بحجج من نوع «عدم جواز الإستيلاء على أراضى الغير بالقوة» أو «حق اللاجئين الفلسطينيين فى العودة إلى أراضيهم».. يشير هيكل إلى أن السبب وراء ذلك هو أن أمريكا إذا آمنت واعترفت وسلمت بذلك فالأولى بها والأوجب حينئذ تسليم الأراضى الأمريكية إلى الهنود الحمر!!.. لذلك فأمريكا لن «تتعاطف» أبداً مع حتى «الحقوق الإنسانية» للشعب الفلسطيني.. ويذكر هيكل واقعة شهيرة قامت بها «الحركة الصهيونية» تجاه الأراضى الفلسطينية قبل «الهجرة» إليها ثم احتلالها على غرار ما فعله «المهاجرون الأوروبيون» إلى أمريكا.. حيث يقول هيكل: «إن هناك واقعة شهيرة فى تاريخ الحركة الصهيونية تتمثل فى أن «تيودور هيرتزل» عندما فكر فى مشروع دولة يهودية فى فلسطين تكون وطناً قومياً لليهود.. بعث باثنين من الحاخامات إلى فلسطين فى رحلة استطلاع للترويج إلى أكذوبة أن فلسطين «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».. وكانت المفاجأة التى تلقاها هيرتزل من الحاخامين المبعوثين إلى فلسطين فى رسالة عبر «تلغراف» يقول فيه الحاخامان بكلمات مشفرة «العروس جميلة ولكنها متزوجة بالفعل».. وكان الحل الإسرائيلى مثل الحل الأمريكى وهو قتل «الزوج» والاستيلاء على ممتلكاته واغتصاب العروس باحتلال الأرض!!».
ما تفعله إسرائيل «الآن» ضد الشعب الفلسطينى فعله الأمريكيون الأوائل عندما إحتلوا أراضى الهنود الحمر.. لا تفتش عن إسرائيل بل فتش عن أمريكا!!!
من خرج فى طلب العلم كان فى سبيل الله حتى يرجع.. صدق حبيبنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد..اللهم بارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم فى العالمين انك حميد مجيد.. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فلسطين.. أرض الأقصى.. أرض المحشر.. أرض المسرى.. مسرى حبيبنا وسيدنا محمد رسول الرحمة والإنسانية.. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.