أتذكر أننى شاركت عام 2008 فى صياغة الإجراءات التنظيمية للقرار الذى أصدره وزير الصحة والسكان فى ذلك الوقت بشأن فحص المقبلين على الزواج.. كان القرار قد صدر بالفعل.. وكان علينا تحديد كيفية تنفيذه وما يتضمنه من فحوصات أو تحاليل.. وفى بداية إجتماع المجموعة الاستشارية التى أختيرت للقيام بذلك طلبت أن نتعرف أولا على الهدف الرئيسى الذى من أجله صدر القرار.. وماذا نريد أن نحققه من وراء تطبيقه.. وكيف يتعرف المواطن عن العائد والفائدة التى تتحقق له عند إجراءه.. ولم أسمع ردا على سؤالي.. وخرجت التوصيات بإجراءات عقيمة لا معنى ولا مغزى لها.. وانتهى الأمر بأن المواطن يحصل على الشهادة بأى وسيلة ليقدمها إلى المأذون.. ثم تطور الحال إلى أن المأذون نفسه هو الذى يحصل على الشهادة ليقدمها الى العروسين..
وجاءت المبادرة الرئاسية العام الماضى لتحسم هذا الأمر الهام.. وتمت دراسة الأمر بعناية ومنهجية علمية واعية.. وتحددت الرؤية والأهداف والإجراءات بوضوح لتشمل الحماية من الأمراض المعدية عن طريق التشخيص المبكر والعلاج.. والتعرف على الأمراض غير المعدية مثل مرض السكر وارتفاع ضغط الدم والسمنة والأنيميا.. والحد من أمراض الدم الوراثية المنتشرة بدرجة غير قليلة مثل الأنيميا المنجلية وأنيميا البحر الأبيض المتوسط والتى تنشأ عند زواج رجل سليم ولكنه يحمل المرض على جيناته على فتاة أيضا غير مريضة ولكنها تحمل صفات المرض كذلك.. وفى اعتقادى أن هذا الأمر المستحدث فى المبادرة الرئاسية غاية فى الأهمية.. وهذا ما فعلته قبرص منذ سنوات مضت.. فلقد كانت نسبة إنتشار من يحمل الصفات الوراثية لأنيميا البحر الأبيض 16 ٪ من الشعب القبرصى ولكنها اختفت تماما بعد تطبيق فحوصات ماقبل الزواج لمنع إرتباط حاملى المرض بأمثالهم.. ولعلنا نحقق ذلك أيضا.. لأن تكلفة علاج مواطن واحد يعانى من الأنيميا المنجلية أو أنيميا البحر الأبيض باهظة للغاية.. إضافة الى الأعباء الاجتماعية والتعليمية والنفسية التى يعانى منها المريض وأسرته.
الخط الساخن الذى وفرته وزارة الصحة لتفعيل هذه المبادرة يعمل بكفاءة تامة بناء على مكالمات قمت بها لأستطلع نوعية خدماته.. ولكن لابد من الدعم الإعلامى الواسع للتعريف بالنسخة الجديدة والمتطورة للفحص قبل الزواج.. والذى مازالت سمعته مرتبطة بالبرنامج القديم وهى غير مرضية على الإطلاق.. مما يجعل الترويج لمحتوياته وإجراءاته الجديدة أمرا ملحا من أجل تفهم مشموله الأكثر نضجا وفائدة.. ولعل قنواتنا الإعلامية الرائدة قادرة على تغيير المفاهيم القديمة وإيصال الرسالة الواضحة عن المبادرة الجديدة وما تحمله لخير للمواطن والدولة على حد سواء.. ربما يكون لجمعيات المجتمع المدنى دور هام أيضا فى الترويج والإيضاح لأهداف الإجراءات المتطورة للفحص قبل الزواج..
ولعلنا نفكر أيضا أن نستثمر العائد الإيجابى الكبير لهذه المبادرة فى أن يتم تطبيقها على كل من وصل الى سن الثامنة عشرة من عمره.. دون ربطها بإجراءات الزواج والتى قد تتحكم فيها عوامل كثيرة وأهمها الوقت أو الخوف من المفاجآت.. خاصة فى الحالات القليلة التى يثبت فيها أن هناك ما يمثل مانعا لإتمام الزواج مثل الإصابة بالأمراض المعدية خاصة مرض نقص المناعة المكتسبة أو الإلتهاب الكبدى الوبائى ب أو إكتشاف جينات حاملة للأنيميا المنجلية أو أنيميا البحر الأبيض.. وربما يتم ذلك عند الفحص الطبى من أجل الدراسة فى الجامعة.. أو الفحص الطبى عند التجنيد.. أعتقد أنه من الممكن التعرف على السلامة من الأمراض المعدية أو الغير معدية أو الوراثية لأعداد كبيرة من الشباب من خلال إجراء هذه البحوث فى وقت غير مرتبط بإجراءات الزواج.. وهو الوقت الذى تكثر فيه المتطلبات ويصبح الفحص قبل الزواج أمرا ثانويا ويقابل بغير الإرتياح..
ولعل من المهم أيضا التركيز على المشورة للعروسين قبل الزواج.. كل على حده.. من أجل تفهم متطلبات الحياة الزوجية وتصحيح المفاهيم الخاطئة والرد على التساؤلات الكثيرة التى تدور فى ذهن العروسين.. خاصة وأن مايراه وما يسمعه الشباب من منصات الإعلام المتداولة ومن أحاديث القرناء.. قد يكون له عامل كبير فى وجود الكثير من المغالطات فى أذهان المقبلين على الزواج..