فى مناسبة الافتتاح التجريبى للمتحف المصرى الكبير والذى من المقرر ان يتم اليوم، رأيت أن أكتب فى موضوع يتصل بهذا الحدث الكبير.. وهو ضرورة الاهتمام بالوعى الأثرى بحضارتنا واثارها.. ودور الأجهزة المنوط بها القيام بهذا الدور الى جانب ما يجرى تدريسه خلال مراحل الدراسة المختلفة.. ليس فقط لأهميته سياحيا وثقافيا.. بل لأهميته أيضا على المستوى القومي.. وأهميته فى اذكاء شعور الاعتزاز بالوطن وتاريخه وحضارته..
وقد فوجئت منذ أيام قليلة بأخطاء فى برنامج ثقافى يذاع على احدى القنوات التليفزيونية ويهتم بأحداث ومناسبات التاريخ.. وكان حديث البرنامج عن الانتهاء من انقاذ معبدى ابوسمبل فى عام 1968.. وهذا عظيم.. ولكن الصور أو اللقطات الفيلمية المصاحبة للمادة الكلامية كانت شيئا آخر.. فمعظمها كان عن معبد فيلة فى أسوان.. وليس هناك من تفسير لهذا غير عدم دراية مقدم ومعد هذا البرنامج بالفرق بين المعبدين.. ولا رابط بين المعبدين غير أن فيلة أيضا كان من المعابد التى أنقذت ضمن حملة انقاذ اثار النوبة.. وكما ان المعبدين ابو سمبل نقلا الى موقع آخر أعلى من موقعهما الأصلي.. فإن معبد فيلة نقل هو الاخر من مكانه الذى كانت تغمره مياه فيضان النيل كل عام.. وكانت صورته غارقا فى مياه الفيضان تظهر على إحدى الطبعات القديمة للجنيه المصري.. وكان هذا المعبد يمكن ان يختفى نهائيا تحت مياه بحيرة ناصر.. وقد نقل كذلك الى جزيرة مجاورة اعلى فى مستواها هى جزيرة اجيليكا..
ولى مع معبدى ابوسمبل ذكريات خاصة فقد كنت وزميلى الراحل سمير توفيق الصحفى بالاخبار الصحفيين الوحيدين اللذين زارا المعبدين قبل الشروع فى عمليات الانقاذ وكان ذلك فى عام 1964.. وقد اختارنا الدكتور عبد القادر حاتم نائب رئيس الوزراء ووزير الثقافة والإعلام والسياحة.. لمهمة التوجه الى ابو سمبل للكتابة عن المعبدين قبل ان تبدأ خطوات العمل فى انقاذهما..
وبالفعل توجهنا الى اسوان بالطائرة لنستقل احد اللنشات لنقلنا الى ابو سمبل.. وكانت تسمى الهيدروفيل.. لنشهد تحضيرات عملية الانقاذ ونكتب عنها لصحيفتينا..
ومنذ ذلك التاريخ ارتبطت بالمعبدين بداية من متابعة عملية الانقاذ ثم الاحتفال باكتمالها فى 22 سبتمبر 1968..
وقد حافظت عملية النقل على الظاهرة الفلكية المرتبطة بمعبد رمسيس الثانى وهى تعامد الشمس على وجه رمسيس فى يومين محددين فى كل عام.. واتيحت لى اكثر من مرة رؤية الاحتفالات السنوية التى تجرى فى ابوسمبل فيما يقال ذكرى تتويجه فى يوم 22 أكتوبر.. وذكرى مولده فى 22 فبراير.. وكلا الموعدين تأخر يوما عن موعديهما قبل الانقاذ.. وهذا الفارق جاء بسبب ارتفاع موقع المعبدين.. وبالتالى تزحزح شعاع الشمس الذى يلقى بأضوائه على وجه رمسيس الثاني.. وحاول البعض نفى ارتباط هذه الظاهرة بهاتين المناسبتين.. ونسبتها الى مواسم زراعية.. ولكن لم يلتفت احد الى هذا وبقى التاريخان كما هما ذكرى تتويجه وذكرى مولده..
>>>
ومعبد رمسيس الثاني.. ومعبد زوجته الأثيرة لديه الملكة نفرتاري.. الاثنان يقعان الآن على بعد 200 متر من موقعهما الأصلى قبل نقلهما.. وعلى ارتفاع أكثر من 70 مترا من ارتفاعهما السابق.. ويبعدان نحو 280 كيلو مترا جنوب أسوان..
وتماثيل رمسيس الثانى الأربعة المنحوتة على واجهة معبده يصل ارتفاع الواحد منها الى نحو عشرين مترا.. بينما تماثيله مع الملكة نفرتارى المنحوتة على واجهة معبد نفرتارى ترتفع الى نحو عشرة امتار فقط..
وقد استغرقت اعمال انقاذهما اكثر من 4 سنوات.. حيث كانت بداية أعمال الانقاذ فى يونيو 1964 وانتهت فى سبتمبر 1968 وتضافرت جهود شعوب العالم من خلال اليونيسكو فى نفقات انقاذ المعبدين وغيرها من آثار النوبة.. كانت عملية الانقاذ فى حد ذاتها ملحمة كبيرة.. واعتبرت من أهم الأعمال الفنيه والاثارية فى القرن العشرين.. وقد كان من المقترح فى البداية اجراء نقلهما كاملين.. ولكن اتضحت صعوبة هذه الفكرة.. فاختيرت فكرة الفنان المصرى الراحل أحمد عثمان بتقطيع المعبدين الى قطع صغيرة نسبيا يسهل رفعها برافعات عملاقة ثم اعادة تشييدها فوق الربوة المرتفعة على ضفة البحيرة..
أهمية المعبدين.. رمسيس ونفرتارى ترجع الى نحتهما قطعة واحدة داخل الجبل المكون من الحجر الرملي.. وأهمية معبد رمسيس ترجع الى ما به من نقوش.. أهمها نقوش معركة قادش بين رمسيس الثانى والحيثيين.. ويسجل رمسيس انتصاره فى هذه المعركة بينما يجادل الحيثيون فى هذا الانتصار.. وقد كنت فى زيارة الى تركيا وأحد متاحفها.. وكان المرشد التركى يشرح لنا شيئا عن اثار رمسيس الثاني.. متطرقا الى معركة قادش.. وذكر ان رمسيس هزم فى هذه المعركة.. فكان اعتراضي.. كيف يكون قد هزم وقد وقع الطرفان أول معاهدة سلام فى التاريخ.. وتزوج رمسيس الثانى من بنت ملك الحيثيين.. وهل يزوج الحيثيون ملكا هزموه..
والى جانب لوحات المعبد التى تمثل المعارك التى خاضها رمسيس الثانى فى ليبيا وفى سوريا ومنها معركة قادش.. فهناك لوحة شهيرة تجذب انظار السياح وهى تروى قصة زواج رمسيس الثانى من ابنة ملك الحيثيين..
بالمناسبة فان الحيثيين هم سكان بلاد الاناضول فى العصور القديمة.. ويعتقد انهم وفدوا اليها من وسط اسيا فى عصور تاريخية قديمة أيضا.. وقد زالت دولتهم تماما فى القرن الثانى عشر قبل الميلاد تحت تأثير هجمات شعوب البحر وظهور قوة الاغريق فى بلاد البلقان بعد ذلك..
وكان من المخطط فى عام 2022 الاحتفال بمرور مائتى سنة على اكتشاف معبدى ابوسمبل.. وكانت الرمال تغمرهما ولا يظهر منهما الا القمة.. ولكن الاحتفال لم يتم.. وكان يمكن ان يكون فرصة طيبة للترويج للسياحة بشكل عام وللسياحة فى أسوان وأبو سمبل بشكل خاص.. ومازالت الفرصة قائمة لمثل هذا الاحتفال.