إنسان المستقبل كما يتخيله العلماء يبدو غريبا وربما مخيفا فى ملامحه ومواصفاته البدنية، فهو بدين قصير الأطراف ضعيف العضلات ذو كرش بارز ورأس كبير، يفتقر إلى الرشاقة والأناقة والجمال والفحولة والأنوثة، وهى صورة تجعلنا نشعر ببعض القلق على الأجيال التى سترث الحياة على الأرض بعد مئات قليلة من السنين، ولكنها بالتأكيد لا تجعلنا نشعر بالدهشة ولا تدفعنا الى اتهام العلماء بالمبالغة أو الجنوح للخيال لأن مقدمات كل ذلك موجودة فعلا. فإنسان العصر فى الغالب الأعم بدين جدا، والكرش لم يعد مظهرا غير مألوف، وهو بالفعل ضعيف جدا بدنيا، بالطبع نحن لا نتحدث هنا عن الرياضيين الذين تمثل لهم قوة أبدانهم سلعتهم الرئيسية وتجارتهم الوحيدة ولا عن عارضات الأزياء اللاتى يصبن نساءنا بالإحباط والاكتئاب، وإنما نتحدث عن الطابع العام، عن الشائع وليس الاستثناء.
مثلا… قبل سنوات قليلة كان تعبير «فركة كعب» يقصد به مسافة لا تقل عن عدة كيلومترات يقطعها الأجداد كما لو كانوا يعبرون شارع من شوارعنا الحديثة، كانوا يذهبون فى رحلات صيد صعبة شاقة لا تخلوا من معارك ضارية مع الأمواج العاتية والعواصف القاسية، كانوا يمارسون الزراعة بأدوات بدائية تستنزف من الجهد أكثر مما توفر وتدخر، أذكر أن الكثيرين من أصحاب الأراضى الزراعية فى قريتنا المصرية الصغيرة التى لا مكان لها على الخريطة والتى تحمل اسم «تلبنت ابشيس» وهو بالمناسبة أسم مازلت اجهل معناه ومغزاه، كانوا يستخدمون فى رى الأرض آلة يدوية تعرف باسم «الطنبور»، كانت عبارة عن اسطوانة عملاقة ثقيلة جدا تحتوى على تجاويف حلزونية توضع بشكل مائل فى مجرى الماء ويديرها الفلاح بيديه لتدفع تيارا ضعيفا واهنا من الماء الى أرضه، وهى تماثل فى طريقة عملها الساقية ولكن مع فارق أساسى وهو أن الذى يديرها هو الانسان وليس البقرة، كان رى مساحة صغيرة من الأرض يتطلب جهدا خارقا وعملا يستمر من أذان الفجر حتى غروب الشمس. كان الانسان يستخدم فى حياته قدراته العضلية والحركية، لذلك كان قويا مفتول العضلات بدون هرمونات ولا تمارين مبرمجة على الكمبيوتر. لم يكن يهزمه المرض إلا إذا غزا جسمه ميكروب أو فيروس. وفيما عدا ذلك لم يكن يعرف الكثير مما نعرفه من أمراض نلصقها بالعصر. كان إذا عدى يعدو كالحصان، وإذا رفع يرفع كالونش، وإذا أكل يأكل كالسبع، وإذا وضع جسمه على فراشه غير الوثير ينام كالطفل. كان ذلك قبل سنوات وليس قرون حتى أن الذاكرة لا تزال تحتفظ بالكثير من التفاصيل.
الآن اختلفت الصورة، الإنسان المعاصر يعيش أكثر ويمرض أكثر وأكثر، يعيش طويلا ولكن عليلا من منا لم تضعه الظروف أمام اختبار عارض أو طاريء لقدراته البدنية فيضطر للعدو مسافة قصيرة للحاق بموعد هام، أو إلى السير لمسافة طويلة بسبب عطل فى سيارته، أو لحمل طفله الصغير الذى لا يتجاوز وزنه عدة كيلوجراما، لأنه تعب وبكى ونام فى طريق العودة إلى البيت؟. كلنا يمر بمثل هذه المواقف العارضة، والكثيرون منا ـأن لم نكن كلناـ يفشلون فيها. قليل من العدو يقطع الأنفاس، قليل من المشى يؤلم الساقين والقدمين، قليل من الحمل يقصم الظهر ويهلك المفاصل ويسبب الدسك. الانسان اليوم غير إنسان ما قبل أربعين أو خمسين عاما، فما بالنا بإنسان المستقبل بعد بضع مئات من السنين؟