عام مر على الحرب فى غزة عام مُر «بضم الميم» وأيما مرارة، مرارة الفقد والوجع والجوع والضياع لم يعد ثمة هناك غزة تحولت إلى أنقاض وأكوام من الذكريات ستبقى تطارد أهلها سنين طويلة قادمة فقد خلفت الحرب حتى الآن ما يحتاج لعقود حتى يعود إلى حاله ما قبل السابع من أكتوبر من العام الماضى وكأن إسرائيل كانت تنتظر هجوم حركة حماس لتنفذ خطتها بمحو غزة من الوجود ولم لا فقد قالها من قبل مناحم بيجن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق «تمنيت لو استيقظت يوما ووجدت غزة وقد ابتلعها البحر» بنيامين نتانياهو وجدها فرصة لينفذ فكرته الخبيثة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها، خطط لتهجير سكان غزة إلى سيناء وسكان الضفة إلى الأردن حتى تختفى القضية الفلسطينية وتطوى صفحتها للأبد لكن أحدا لم يسمح له بذلك وهو الذى يتفاخر كلما سنحت له مناسبة أن يستعرض عضلاته السياسية بأنه رئيس الوزراء الوحيد فى إسرائيل الذى يقف بكل قوة ضد قيام دولة فلسطينية.
نتنياهو كتلة من الشرور تجمعت فى جسد شخص يستحيل به ومعه أى سلام وأصدق دليل على ذلك سعيه لتوسيع نطاق الحرب من غزة إلى جنوب لبنان ولا نستبعد أن يشمل مناطق أخرى من إقليم الشرق الأوسط فى ظل تبنيه نهجا تصعيديا يقوم على أهداف تبدو وهمية ومن الصعب أن تتحقق كما يتخيل ففى غزة قال انه يريد القضاء على حركة حماس نهائيا وفى جنوب لبنان يعلن أنه يهدف إلى القضاء على حزب الله، وهو يعلم جيدا أن ما يهدف إليه مستحيل فحتى لو استطاع التضييق على حماس والنيل من بعض قياداتها أو تطويق حزب الله وقتل عدد كبير من قياداته فمثل هذه الجماعات لدى أعضائها فكرة والفكرة من الصعب جدا أن تموت وسواء حماس أو حزب الله فهما يعتبران المقاومة عقيدة ويضعون صراعهما مع إسرائيل فى إطار أنهما يقاتلان محتلا غاصبا للأرض وهذا الهدف فى حد ذاته عمره طويل حتى لو مات أصحابه ولإن نتنياهو يتذرع بأهداف وهمية لاستمرار عدوانه سواء فى غزة أو جنوب لبنان فقد انكشف للكثيرين أن المسألة ليست ردا على هجوم حماس فى السابع من أكتوبر الماضى أو صواريخ إيران وحزب الله، المسألة تتلخص فى طموح نتنياهو للبقاء فى السلطة والهروب من المسألة بإطالة أمد الحرب والبحث عن زعامة يغازل بها اليمين المتطرف بإطلاق وعوده حول إسرائيل الكبرى والشرق الأوسط الجديد بعد أن يقوم نتنياهو بتغييره ونسى نتنياهو أن هجوم حماس التى ينظر إليها على أنها مجرد جماعة مسلحة قد شل دولته التى يتباهى بتقدمها فى التسليح والتكنولوجيا وقام بتعرية جيشه.
ومن ثم فليس أمام نتياهو سوى التصعيد وفى هذه المواجهة الطويلة، لم تتخل الولايات المتحدة أبدا عن نتنياهو رغم كل ما يقال عن خلافات وتباين للمواقف بين بايدن ونتنياهو فالحقيقة المؤكدة أن نتنياهو يحارب فى غزة ولبنان بأسلحة أمريكية وعلى طول الخط تقول واشنطن ان من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ، وتقدم لها كل ما تحتاجه عسكرياً، وماليا، ودبلوماسياً باستخدام الفيتو فى مجلس الأمن الدولى بما يمنع أى إدانة محتملة لسلوكها.
الآن بعد عام من الدمار فى غزة وأسابيع مشابهة فى جنوب لبنان ورغم كل أرقام الفقد والأسى أستطيع أن أقول ان القضية الفلسطينية تنتصر بعودتها للواجهة، فالكثير من شعوب العالم انتفضت للمشهد الإنسانى فى غزة واعتبرت أن من يفعل ذلك لا توصيف له سوى مجرم حرب حتى فى الداخل الأمريكى نفسه، انطلقت المظاهرات المعارضة لإسرائيل والمؤيدة للفلسطينيين، وشارك فيها شباب أفضل الجامعات الأمريكية، وأصبحت القضية الفلسطينية للمرة الأولى إحدى قضايا الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
كل الحروب تنتهى إن آجلا أم عاجلا وستنتهى حرب غزة.. إن شاء الله نعم الفاتورة كبيرة لكن يكفى شهداء غزة أن العالم قرأ بحبر دمائهم من جديد عن القضية الفلسطينية.