أن يظهر هذا الفيلم بعد 50 عامًا من انتصار أكتوبر المجيد.. لابد أن نسأل أنفسنا.. ليه؟.. وأن يتم اختيار ممثلة حاصلة على الأوسكار نقول ليه.. وأن تتوفر للفيلم ميزانية ضخمة وأن يخرجه «جاى نايتف» الحاصل على الأوسكار.. لابد أن نسأل وقبلها نناقش الفيلم ونقرأ رسالته التى يريد توصيلها للعالم.
القصة تدور حول أول امرأة ترأس الوزارة فى إسرائيل وكانت تتمنى لو أنها استيقظت ذات صباح ولم تجد فلسطينيًا واحدًا على ظهر الأرض ومع ذلك قالت فى تصريح صحفى مصور إنها فلسطينية وتحمل جواز سفر فلسطينى فى فترة ما قبل إعلان دولة الاحتلال عام 1948.. مع أنها من مواليد كييف فى أوكرانيا ولا يدهشك إذا ما خرج الرئيس البهلوان الحالى لأوكرانيا يعلن الولاء والدعم لإسرائيل والصهاينة على خطى الأمريكان.
فيلم «جولدا» ظهر 2023 وعرضته إحدى المنصات الشهيرة.. فى 25 أغسطس من نفس العام وجرى إشراكه فى مهرجان برلين ضمن برنامج العروض الخاصة وتباينت الأقوال والآراء بشأنه من حيث مستواه الفنى ورسالته حول تلك المرأة التى قالوا فى حقها إنها «أرجل» رؤساء الوزارات فى تاريخ الكيان الصهيونى وقد اعترفت فى مذكراتها التى صدرت بعنوان «قصة حياتى» والتى اعتمد سيناريو الفيلم عليها.. اعترفت بأنها عاشت أسود أيام حياتها أثناء حرب أكتوبر وأشارت إليها أصابع الاتهام من داخل تل أبيب بأن اعتمادها على تقارير استخباراتية فاشلة، كان سببًا رئيسيًا فى الهزيمة التى لحقت بالصهاينة فى أكتوبر، وكيف بلعت أجهزة المخابرات الطعم من المخابرات المصرية.. وقصة الجاسوسة «هبة سليم» التى جسدتها «مديحة كامل» فى فيلم «الصعود إلى الهاوية» للمخرج كمال الشيخ تكشف هذا عندما جرى تجنيدها هى وأحد المهندسين الذين يعملون فى حوائط الصواريخ، وكيف كانت الطائرات المعادية تدمر بعض هذه الحوائط قبل أن يجف الأسمنت.. وتحركت المخابرات المصرية بجهد خارق وجبار لكى تضع يدها على المهندس الخائن وحبيبته التى استثمرت غرامه بها.. وسلمت نفسها له.. كما سلم هو المعلومات الخطيرة إلى العدو حتى تم اكتشافه وإعدامه.. وحاولت جولدا مائير التوسط لدى الرئيس السادات لكى يخفف الحكم بالموت إلى السجن المؤبد عن هبة أو عبلة كما جاء فى الفيلم لكنه أصدر أوامره بإعدامها فى نفس اليوم الذى فتح وزير الخارجية اليهودى كيسنجر الموضوع أمام السادات.. وكتبت جولدا إنها حزنت كثيرًا على الخائنة «هبة».
من أوكرانيا إلى أمريكا
درست جولدا فى كلية التربية.. بعدها انتقلت مع أسرتها إلى أمريكا بعد أن ضاقت عليهم سبل الحياة فى أوكرانيا.. ثم رحلت إلى فلسطين وانضمت إلى منظمة العمل الصهيونى حتى أصبحت رئيسة للوزراء من عام 1969 حتى عام 1974 وبعد أن قالوا إنها «أم إسرائيل» اعترفوا بأنها سبب هزيمتها رغم قسوتها وخشونتها وقد حاول الفيلم تجميلها إنسانيًا كما جاء فى سيناريو «نيكولاس مارتن» معتمدًا على خبرة ممثلة من نوعية «هيلين ميرين» سبق لها أن أدت دور الملكة اليزابيث ونالت عنه جائزة الأوسكار.. ومع ذلك لا يقدم تفاصيل السيرة الذاتية لجولدا.. لكنه يركز على فترة الحرب حتى إطلاق النار.. قالت صحيفة «الجارديان» إن الفيلم سطحى وممل، وهناك من أعطاه تقدير جيد جداً.. وقالت بعض المواقع الأوروبية إن التعاطف مع إسرائيل لم يعد كما كان سابقًا.
ومع ذلك رأينا أمريكا ومعظم القطيع الأوروبى يعطى حق الصهاينة فى مسح أهل فلسطين ومنازلهم من فوق الأرض.. بعد عملية «طوفان الأقصى».. وبعد سلسلة الهجمات الوحشية على كل فلسطينى، إلى جانب اقتحام المسجد الأقصى الشريف وتدنيسه ومحاولات هدمه لصالح هيكل داود المزعوم.. إلى جانب ما جرى فى لبنان.
ولو كانت جولدا حاضرة ماذا كانت ستقول عن عملية الطوفان هذه التى وضعت أنف الغرور الصهيونى فى التراب.. بأسلحة بدائية الصنع.. ذخيرتها الإرادة والعقيدة الراسخة بأن الأوطان غير قابلة للبيع مهما جرى.. من المؤكد سوف تستعيد ذكرياتها المؤلمة أثناء حرب أكتوبر 1973 وقد ذكرت كل هذا فى قصة حياتها.. وأشارت إليها أحداث الفيلم بشكل عابر.
وأشارت قصة جولدا إلى منح أمريكا للصهاينة فى حرب أكتوبر الإشارة إلى إمكانية استخدام السلاح النووى.. بعد صدمة العبور العظيم يوم 6 أكتوبر.. لكنها عوضت ذلك بترسانة أسلحة أمدت بها الدولة العبرية بعد أن استغاثت «جولدا».
انقذوا إسرائيل قبل هلاكها!!
وفى مشهد عند شاطئ العقبة نرى المرأة التى قيل عنها إنها الرجل الوحيد فى الحكومة العبرية قبل حرب أكتوبر طبعًا.. عند العقبة وقفت تتطلع إلى البحر بكل ثقة.
ولم يطل بها الوقت لكى تشتم رائحة الحرائق التى اشتعلت فى جنودها بعد العبور التاريخى الذى أسقط أسطورة الجيش الذى لا يهزم وقطع ذراعهم الطولى وهاهم يرتعدون خوفًآ ورعبًا أمام أسلحة بدائية فلسطينية، وهم من يملك أكبر ترسانات السلاح الجوى والبحرى والبرى، لكن قلم «الطوفان» كان مؤلمًا أيضاً وكاشفًا لهذه العنطزة الفارغة.. ولذلك أصابهم جنون التخريب الوحشى ضد كل شىء.
فيلم «جولدا» حاول أن يرسم صورة مختلفة.. لكنها رغم الألوان والإضافات خرجت باهتة ومزيفة ومهزوزة!! ومهما بلغ الجبروت الصهيونى.. فإن للظالم «جولة».. ودولة الظلم ساعة.. ودولة الحق إلى قيام الساعة!