فى كل عام نحتفل فيه بذكرى نصر أكتوبر المجيد نتذكر بكل عرفان وإجلال كل من ساهم فى صنع النصر المبين الذى حول مجرى التاريخ فى الوطن العربى ومنطقة الشرق الأوسط بل والعالم بأسره.. نقدر كل من فكر وخطط وقرر ونفذ وعبر وحطم وحرر وحول سيناء الحبيبة إلى كتلة لهب حارقة حولت حياة العدو إلى جحيم.. ونقدر أيضاً كل يد شريفة طاهرة امتدت بالخير والدعم والمساندة لمصر وسوريا فى حربهما المشروعة لتحرير الارض واستعادة الحقوق.. نقدر ونعتز بالمواقف العربية الشجاعة بقيادة السعودية والإمارات وليبيا والجزائر وكل الأشقاء العرب الذين قدموا أروع وأعظم ملحمة فى التضامن العربى الحقيقى الصادق القوى والمؤثر.. ومازلنا نتذكر بكل الحب والعرفان المواقف النبيلة الشجاعة لكل الشعوب والأمم الحرة التى ساندت الحق المصرى فى استعادة أرضه وحقوقه وكرامته.. تحية حب وإجلال لكل الشهداء الأبرار الذين فاضت أرواحهم فى سبيل الله وتحرير الوطن.. وتحية خاصة لقائد معركة العبور وصاحب قرار الحرب الرئيس الشهيد أنور السادات واحد من ابر وأخلص وأطهر ابناء مصر فى تاريخها المديد.. تسلم السادات المسئولية الثقيلة خلفاً للراحل جمال عبدالناصر وكان عليه ان يخوض حروباً عديدة فى الداخل والخارج.. وعلى كافة الأصعدة سياسيا واقتصادياً وعسكرياً.. ورغم انه اختيار خالص للرئيس عبدالناصر عندما قرر تعيينه نائباً فى حياته.. إلا أن رفاق الأمس تحولوا إلى اعداء اليوم وخططوا للانقلاب عليه وعزله.. لكن السادات عبر المحنة بذكائه وحنكته ونجح فى تطهير البلاد من هؤلاء المتآمرين.. ثم انتقل إلى المعركة الأصعب.. اعادة بناء الجيش المصرى وبث روح الاصرار والتحدى من جديد فى نفوس الجنود والضباط.. ونجح السادات ايضاً فى هذه المهمة عندما اعاد شحن بطاريات الأمل والنصر والقدرة على تحرير الارض داخل المدنيين والعسكريين على حد سواء. حاول السادات أن يكسب مزيداً من الوقت حتى يبنى الجيش من جديد فمد يده بالسلام وخاطب الامريكان للقيام بدور الوسط النزيه بينه وبين اسرائيل لكن امريكا نيكسون ــ كيسنجر ادارت له ظهرها وبعثت الادارة الامريكية برسالة حاسمة للسادات بأنه لا سلام مع الضعفاء.. فاتجه إلى السوفييت طالباً الدعم السياسى والعسكرى باعتبار مصر حليفا استراتيجيا للاتحاد السوفيتى فى المنطقة لكن السوفيتيين تعاملوا معه بجفاء ولم يقدموا له السلاح الذى يريده فقرر السادات طرد الخبراء السوفيتى فى خطوة جبارة اثارت انتباه العالم ودقت أجراس الخطر فى البيت الأبيض وتل أبيب معاً وانتبها لخطورة ودهاء شخصية السادات وقد كانوا ينظرون إليه من قبل بنظرة مختلفة.. اقترب السادات من جنوده وضباطه اكثر واكثر وزار الجبهة مرات ومرات لشحن معنويات الجيش.. ثم مد جسور التواصل والتضامن مع الأشقاء العرب والذين قدموا كل شيء لمصر فى معركتها المقدسة ضد الاحتلال الصهيوني.. وقاد الملك فيصل والشيخ زايد والرئيس بومدين الجبهة العربية لدعم مصر وسوريا واستخدموا سلاح النفط فى الضغط على أمريكا وأوربا وقرروا منع تزويدهم بالوقود حتى يتلخوا عن انحيازهم السافر لإسرائيل.. وانضم للعرب شاه إيران وقدم لمصر كل أشكال الدعم والمساندة سياسيا واقتصادياً.. وباتت الاجواء مهيأة للعبور.. فاتخذ السادات اصعب قرار يمكن ان يتخذه قائد أو زعيم فى ظروف غاية فى الصعوبة والتعقيد.. اتخذ قرار العبور.. وانطلقت الطائرات العسكرية المصرية تدك معاقل العدو فى سيناء الحبيبة واظهر سلاح الطيران شجاعة فائقة وكفاءة احترافية غير مسبوقة ونجح فى ساعات قليلة فى اصابة الجيش الإسرائيلى بالشلل التام.. واستشهد الرائد طيار عاطف السادات شقيق الرئيس السادات بعدما اظهر من بطولات وتضحيات فائقة.. والحقيقة أن الضربة الجوية الساحقة كانت مفتاح النصر الحقيقى فتحية لسلاح الطيران بقيادة الراحل المقاتل حسنى مبارك.. واصبح الطريق مفتوحاً أمام أبطال مصر لعبور قناة السويس وتدفقوا بالآلاف نحو البر الشرقى وحطموا اسطورة خط بارليف الحصين.. ثم انطلقوا فى صحراء سيناء فاتحين منتصرين محررين للأرض والعرض بعد ان لقنوا العدو درساً قاسياً لن ينساه أبداً.
نجح السادات فى معركة العبور وأذهل المصريون العالم كله عندما انتصروا على الجيش الذى لا يقهر.. واضطر السادات للقبول بوقف اطلاق النار حفاظاً على جنوده خاصة بعد دخول امريكا الحرب بدباباتها ومدرعاتها.. تغيرت المعادلة العسكرية فى المنطقة.. واصبح السادات هو الطرف الاقوى واسرائيل الاضعف.. ولذلك تغيرت بوصلة امريكا فى المنطقة وراح كيسنجر ــ الذى كان بالأمس يسخر من السادات ويراهن على ان المصريين لن يقدروا على الحرب راح يضغط على السادات لوقف الحرب وبدء مسيرة السلام.. وافق السادات على السلام لأننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب.. وما دخلنا الحرب إلا من اجل تحرير الأرض واستعادة الحقوق.. فإذا كان السلام سيقودنا إلى استعادة باقى الاراضى المصرية والفلسطينية والسورية واللبنانية المحتلة فأهلا به وسهلاً.. مد السادات يده بالسلام.. وذهب إلى اليهود فى عقر دارهم.. خطب فى الكنيست وصرخ فى وجوه صقور إسرائيل بأنهم غزاة ومحتلين.. وأن سياسة القوة والبطش والبلطجة لن تحقق لهم الامان فى المنطقة.. وانه ليس امامهم سوى الانسحاب من كافة الاراضى العربية التى احتلتها فى يونيو 1967.. واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة شجاعة السادات فى معركة السلام لا تقل أبداً عن شجاعته فى معركة الحرب.. وكان يتمنى لو ان القادة العرب استمعوا لدعوته وانضموا إلى مبادرة السلام لتحررت كل الارض العربية المحتلة.. لكن العرب للأسف الشديد أذهلتهم صدمة المبادرة ولم يستوعبوا أهدافها ودلالاتها ونتائجها ولم تكن لديهم الشجاعة السياسية التى تحلى بها الرئيس الراحل انور السادات.. نقترب من نصف قرن على مبادرة السلام ومازال العرب يبحثون عن أرضهم الضائعة.. وحقوقهم المسلوبة!!