لم تأت دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى للعمل على بناء الانسان وتنمية وعى الشعب المصرى واستحداث اختصاص جديد لوزارة الصحة وهو «التنمية البشرية» من فراغ… فهذا الانسان المصرى هو الذى تحمل هزيمة 1967 وتداعياتها ورفض نتائجها أو الاستسلام للأمر الواقع وصمم على استرداد الأرض المحتلة بالقوة ووقف خلف قواته المسلحة وهو الأمر الذى أدى الى رفع الروح المعنوية للجيش المصرى وصاحب ذلك عمليات اعادة تدريب أفراده وتوزيعهم على خط الجبهة والقيام بالعديد من العمليات العسكرية التى أكدت للعدو أن الشعب والجيش المصرى لم يستسلما للهزيمة على الرغم من تحمل هذا الشعب الأصيل الكثير من المشاق كان من بينها تهجير سكان مدن القناة الى أماكن ومحافظات أخرى ونقص الخدمات والمواد التموينية والغارات اليومية للعدو كما شاركوا فى الدعم المالى لجيشهم من خلال التبرع للمجهود الحربى وشراء سندات الجهاد التى أصدرها البنك المركزى فى مارس 1972 واستمر جهاد الشعب مع الجيش الى أن تحقق النصر فى أكتوبر 1973 وتحقق العبور العظيم على طول الجبهة حيث كانت ملحمة قتالية تدور على كافة المحاور…. أما فى الداخل فقد تراجعت معدلات الحوادث والجرائم بشكل كبير وخلت سجلات الشرطة من الجرائم الجنائية وكأن الشعب المصرى جميعه قد انصهر فى بوتقة واحدة كان الهدف منها تحقيق النصر مهما كانت التضحيات حتى أن هناك الآلاف منهم تطوعوا للانضمام للقوات المسلحة معلنين استعدادهم للتضحية بأرواحهم للدفاع عن بلادهم.
من هنا جاء استحضار روح انتصار أكتوبر 1973 فى احتفالية خريجى الكليات العسكرية هذا العام والتى أضاءت سماء العرض العسكرى غير المسبوق بصورة قائد الحرب والسلام الزعيم أنور السادات لتعطى رسالة للعالم أن ما حققه الأجداد من رجال القوات المسلحة والشعب المصرى من الممكن أن يحققه الأحفاد اذا احتكم الأمر مهما كانت التحديات التى تواجه الوطن وفى ظل ضغوط غير مسبوقة تتعرض لها البلاد خارجياً وداخلياً الا أن القيادة السياسية لديها الوعى والدراية الكافية لما يحاك حولنا ومحاولات اقحامنا فى أى جبهة من الجبهات التى تحيط بنا شرقاً وغرباً وجنوباً ومن المؤكد أن الشعب المصرى أصبح يعى جيداً ما يدور حولنا وما يحاول البعض توريطنا فيه وهنا كان من اللازم أن يهتم الرئيس عبد الفتاح السيسى بالعمل على توسيع أفق أبناء الشعب وأن نتعلم من دروس الهزيمة والنصر وألا ننجرف وراء الدعوات التى تحاول أن تخلق نوعاً من الضغط الشعبى للتورط فى أى معركة من المعارك التى تدور حولنا ومن المؤكد انها دعوات مشبوهة الغرض منها احراج القيادة السياسية.
من الطبيعى أن الأجيال الجديدة لا تعرف شيئاً عن نصر أكتوبر أو روح أكتوبر سوى انه يوم نحتفل به كل عام مع كلمة من رئيس الجمهورية وزيارة للنصب التذكارى للجندى المجهول وأجازة من العمل والدراسة وهنا يأتى دور الاعلام الذى يجب فى توضيح مفهوم تلاحم الشعب مع قواته المسلحة وتوضيح قيمة هذا الانصهار فى تحقيق الانتصار وأن يكون فى موضعه اللائق بين غيره من الايام المجيدة فى تاريخ وطنهم وانه لولا تمرد الشعب على الهزيمة وتوحدهم فى مواجهة عدو مدعوم من بعض الدول العظمى فى العالم لما كان لمصر تلك المكانة التى أصبحت عليها حالياً على الرغم من الصعوبات الاقتصادية والأزمات الاقليمية من احترام وتقدير جميع دول العالم بل حتى من أعدائها واصبحت قبلة لزعماء العالم يلجأون اليها لمعرفة وجهة نظرها فى الأزمات والحروب الدائرة فى المنطقة ويحترمون رؤيتها ويعملون على تنفيذها سواء من خلال المبادرات المختلفة أو القرارات والمواقف التى تتبناها فى المحافل الدولية.
يجب أن يعلم الشعب أن مصر اصبح لديها مخزون من الخبرات الدولية لا نظير له لدى أى دولة أخرى نتيجة للحروب التى خاضتها وايضاً نتيجة تواجدها فى منطقة شاء القدر ألا تخلو من النزاعات والحروب والاعتداءات والانقسامات وجميعها تدور جغرافياً وتاريخياً حول موقع مصر من الوطن العربى ومع ذلك فهى دائماً ما تسعى الى نهج التسويات على اذكاء الصراعات ولم تتهور أبداً ولم تنساق خلف مغامرات غير محسوبة خارج الحدود ولم تسقط فى أفخاخ نصبت لها ولم تذهب للتعدى على سيادة أى دولة.
يجب أن يعرف الشعب أن مصر تمتلك حالياً قدرات عسكرية ولوجيستية تمكنها من التحرك بسهولة وفاعلية خارج الحدود بما يمكنها من الوصول الى ابعد نقطة تمس الأمن القومى والمصالح المصرية اذا تطلب الأمر ذلك ولكن صانع القرار الذى يملك كافة المعلومات والخطط والتخطيط الذى يحاك لنا لديه رؤية خاصة تختلف عن رؤيتنا جميعاً ولديه ترتيبات لكل ما يطرأ من احتمالات وهو يمارس ثباتاً انفعالياً لافتاً بل ويحافظ على علاقات مصر الدبلوماسية حتى مع العدو ومع الصديق ويحتفظ بحقه فى الرد على أى تعد على أمننا القومى بقوة قد تغير من شكل خريطة المنطقة بأكملها شريطة أن يكون مدعوماً بشعبه المصرى وبثقته وثباته عند الضرورة مثلما كان آباؤنا وأجدادنا يمثلون تلك القوة وهذا الدعم لقيادته وقواته المسلحة الى أن تم تحقيق الانتصار فى أكتوبر 1973. وللحديث بقية.