سيظل لجيل اكتوبر من العسكريين والمدنيين دين فى اعناق الشعب لم يسدده طوال 51 عاماً ولن يستطيع تسديده لسنوات طويلة قادمة.
رغم مرور اكثر من نصف قرن على حرب اكتوبر الا انها لم تبح بأسرارها حتى اليوم.. ومازلنا لم نعطها حقها.. ولم نقم بتعريف اجيالنا المتعاقبة بتضحيات ابطالنا من الجنود والضباط الذين حققوا انتصاراً وعبروا القناة وحطموا خط بارليف وكسروا غرور العدو.. ورفعوا مع العلم هامات العرب والمصريين إلى عنان السماء.
يوم السادس من اكتوبر «سكت كل الكلام.. والبندقية اتكلمت» لان ما أخذ بالقوة لا يسترد بغيرها.. فلا يوجد محتل عبر التاريخ ترك ما اغتصبه الا بالحرب والقتال والتضحية.. وقد كان رجال القوات المسلحة من خلفهم الجبهة الداخلية ومن امامهم القيادة الحكيمة على وعى بهذه الحقيقة.. فأدى كل منهم ما عليه وقام بواجبه وضحى بحياته وكل ما يملك لتحرير الوطن.. وآن الأوان لتعرف الاجيال هؤلاء الابطال وادوارهم والاحتفال بهم ورواية قصص بطولاتهم وتضحياتهم وتكريم الاحياء منهم وعدم نسيان من اصيبوا ومن رحلوا.. اما الذين سقطوا شهداء فى المعركة فهم احياء عند ربهم ولهم كل التحية ولابد من تعويض اسرهم واولادهم.. فهؤلاء جميعا هم اصحاب اول نصر عربى فى العصر الحديث.
فور سماع المواطنين بيانات القوات المسلحة التى اعلنت عن بدء العمليات وعبور الجنود واقتحام النقاط الحصينة فى خط بارليف.. تسابقوا على المشاركة فى الحرب كتعبير عن تماسك الجبهة الداخلية وانها خلف جيشها الذى كان لكل اسرة احد ابنائها من جنوده وضباطه.. وبدأ الرجال والسيدات والشباب فى التطوع فى قوات الجيش الشعبى والدفاع المدنى والهلال الاحمر.. وكان لكل فرد دوره فى المعركة.. وظلت كل عائلة تفخر بأبطالها ممن شاركوا فى الحرب وزادت مكانتهم وعظم احترامهم بعد عودتهم.. وأتذكر ان «عمى صلاح» كان فى غرفة العمليات التى تدير المعارك مع الرئيس السادات وكبار القادة وكان فى الدفاع الجوى وجاء إلى والدى قبل بدء الحرب بعد 5 ايام بوصية بأولاده لانه ذاهب إلى مكان سرى ولن يتمكن من الاتصال بهم ولا بنا.. وبالطبع لم يقل ان هناك حرباً وانما ذاهب إلى مناورات ولم نعرف انه كان فى غرفة العمليات الا عندما تم بث صورة من غرفة العمليات ويظهر فيها خلف الرئيس السادات والمشير احمد اسماعيل وباقى القادة.. وشارك ابناء عمومتى فى العبور وكان الاستاذ نبوى «وهو مدرس مجند» من اوائل من عبروا ثم من الذين حاصروا الاسرائيليين فى الثغرة.. وتطوع الشباب ليذهبوا إلى القتال فى السويس.. وسيدات وبنات العائلة تطوعن فى الهلال الاحمر للمساعدة فى تمريض المصابين.. ولم يكن ذلك قاصراً على عائلتنا ولكن هكذا كان حال كل الاسر المصرية التى شاركت فى الحرب لاستعادة الارض والكرامة.
حكايات وروايات عديدة عن السادس من اكتوبر «الحرب والانتصار» تحتاج إلى تعريف الاجيال بها.. لاننا فى هذه الايام احوج ما نكون لروح اكتوبر.. ولرد جزء من جميل ابطال هذه المعركة وشهدائها.. وكتبت اكثر من مرة اننا لو كنا ايام الفراعنة لنقشنا بطولات اكتوبر على جدران المعابد وكتبناها على اوراق البردي.. وسطرنا اسماء وسيرة كل بطل من الذين شاركوا فى تحقيق الانتصار من العسكريين والمدنيين.. وكنا زينا الجدران بصور القادة الذين فكروا واعدوا وخططوا ونفذوا وعلى رأسهم صاحب القرار الرئيس انور السادات والمشير احمد اسماعيل والفريق سعد الدين الشاذلى والمشير عبدالغنى الجمسى وكل قادة الافرع والجيوش.. وكما قال الرئيس السادات «ان شعبنا سيظل مديناً لهؤلاء الابطال الذين صمدوا وضحوا فى سبيل عزة الوطن وكرامته».. فتحية لقادة اكتوبر ولخير اجناد الارض!!
كلما عاد اكتوبر.. عادت معه ذكريات شهر الانتصارات.. واستعدنا روحه التى تجلت فى قدرة المصريين على قهر المستحيل وتحقيق المعجزات وتلاحم الشعب مع الجيش.. كل ذلك ما احوجنا اليه لاعطاء الامل فى المستقبل والقدرة على التغلب على كل الازمات والصعاب التى تواجهنا!!
>> السلام لا يكون.. إلا مع من جنحوا له!!
>> أعاد الرئيس عبدالفتاح السيسى التأكيد على أننا قاتلنا فى حرب أكتوبر قبل 51 عاماً من أجل السلام الذى يعد خياراً استراتيجيا للدولة المصرية.
قال الرئيس خلال اصطفاف الفرقة السادسة المدرعة بالجيش الثانى أول أمس.. إن الحرب هى الاستثناء وان السلام للبناء والتنمية هو الخيار الاستراتيجي
وكان الرئيس السادات فى خطاب النصر يوم 16 اكتوبر 1973 اعلن الخيار الاستراتيجى للدولة حينما قال: «إننا حاربنا من اجل السلام الوحيد الذى يستحق وصف السلام وهو السلام القائم على العدل.. ان عدونا يتحدث احياناً عن السلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل.. لسنا مغامرى حرب وانما نحن طلاب سلام.. والسلام لا يُفرض.. لان ذلك يعنى التهديد بشن الحرب أو شنها فعلاً.. وسلام الامر الواقع لايقوم ولا يدوم!!
ولان بن جوريون هو صاحب نظرية فرض السلام على العرب.. فإن تلميذه النجيب بنيامين نتنياهو يؤمن بهذه النظرية ويطبقها فى عزة والضفة والقدس وجنوب لبنان وبيروت.. فهو يشن الحروب ويقتل ويشرد المدنيين ويغتالهم ثم يدعى انه يسعى لتحقيق السلام!!
واصبح السلام خياراً استراتيجيا عربياً منذ عام 2002 عندما تبنت القمة العربية فى بيروت المبادرة التى اطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل السعودية «التى كان وقتها ولياً للعهد» والتى تقضى بانسحاب اسرائيل الكامل من الاراضى المحتلة بما فى ذلك الجولان وحتى خط 4 يونيو 1967 مع التوصل لحل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين واقامة الدولة الفلسطينية، وذلك مقابل اتفاق سلام مع اسرائيل يحقق الامن لجميع دول المنطقة ويتم انشاء علاقات طبيعية مع اسرائيل فى اطار السلام الشامل العادل.
مد العرب اياديهم بالسلام وجعلوه خيارهم الاستراتيجى وبدأوا من جانبهم السير فى طريقه وقامت عدة دول بتطبيع العلاقات «دون ان تقدم اسرائيل تنازلاً واحداً خاصة بعد أن عاد نتنياهو لرئاسة حكومة يمنية متطرفة لا تقبل الا بإبادة العرب والقضاء على الفلسطينيين.. فإذا كان العرب تقوم مبادرتهم على اساس ان الارض مقابل السلام.. فالسلام عند نتنياهو وعصابته العنصرية هو «اخذ كل شيء الارض والتطبيع والسلام مقابل ترك العرب احياء وان يعيش الفلسطينيون كمواطنين درجة ثانية فى دولة سياستها الفصل العنصري».. هذا هو السلام الذى يعرفونه ولا يؤمنون سوى بالعدوان والسيطرة وانهاء اى مقاومة للاحتلال!!
على العرب ان يعلموا انه لا سلام طالما ظل نتنياهو وعصابته اليمنية المتطرفة.. وان يؤمنوا ان السلام العادل لابد له من قوة تحققه وتحميه وهو ما فعلته مصر فى حرب اكتوبر حينما حاربت وانتصرت واجبرت العدو على قبول السلام.. فاسرائيل لن تتنازل عن شبر من الارض ولن تقبل بالدولة الفلسطينية الا اذا شعرت باتحاد العرب وقوتهم واستمرت مقاومة الشعب الفلسطينى وحولت حياة المحتل الاسرائيلى إلى جحيم.. كما ان العالم لا يحترم الا من يأخذ حقه بيديه لان ما اخذ بالقوة لا يسترد بغيرها.. وطالما تحقق اسرائيل مصالح الغرب فى المنطقة وتقوم بدورها فى ضمان سيطرة امريكا مع حلفائها على الشرق الاوسط فلن نسمع من الدول الغربية سوى كلام يؤيد خيار السلام وحل الدولتين.. وبينما افعالهم جميعا فى صالح العدوان الاسرائيلى وتبرير اعتدائها على غزة وقتل الفلسطينيين وترحيلهم وتشريدهم وضرب جنوب لبنان وبيروت وتصفية قادة حماس وحزب الله بالاغتيال وعدم وصف كل ذلك بانه جرائم حرب وانما اسرائيل لها حق الدفاع عن نفسها!!