لسنوات عديدة، كنت أدعو إلى استجابة دولية منسقة لمواجهة صعود الذكاء الاصطناعي. يستلزم التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعى جهدًا جماعيًا لتنظيمه واستغلال إمكاناته لصالح البشرية جمعاء، حيث إن غياب إطار حوكمة موحد يترك الذكاء الاصطناعى فى وضع غير مستقر، مما يترتب عليه تداعيات كبيرة على مستقبلنا.
على الصعيد العالمي، تم إنشاء العديد من أطر حوكمة الذكاء الاصطناعي، مثل مبادئ منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فيما يخص الذكاء الاصطناعي، والمبادئ التوجيهية الأخلاقية الخاصة بالاتحاد الأوروبى حول الذكاء الاصطناعى الجدير بالثقة، والعديد من الأطر الأخري. ومع ذلك، اعتمدت بعض الدول فقط هذه الأطر، مما ترك الغالبية دون حوكمة شاملة للذكاء الاصطناعي. إن هذا النهج المجزأ يمثل خطرًا كبيرًا مع استمرار تقدم تقنيات الذكاء الاصطناعى واندماجها فى حياتنا اليومية.
تقرير الأمم المتحدة النهائى الأخير حول حوكمة الذكاء الاصطناعى «حوكمة الذكاء الاصطناعى من أجل الإنسانية»، الذى نُشر فى سبتمبر 2024، يبرز الطبيعة الحرجة للذكاء الاصطناعي، معادلاً أهميته بتلك الخاصة بتغير المناخ. يتضمن التقرير سبع توصيات رئيسية لمعالجة المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعى وفجوات الحوكمة:
إنشاء لجنة علمية دولية للذكاء الاصطناعي: ستقدم هذه اللجنة معرفة علمية موثوقة وغير متحيزة حول الذكاء الاصطناعي، مما يساعد الدول الأعضاء على تطوير فهم مشترك ومعالجة عدم التماثل فى المعلومات.
إنشاء سياسة حوار جديد حول حوكمة الذكاء الاصطناعي: سيشمل هذا الحوار اجتماعات بين الحكومات المتعددة وأصحاب المصلحة المتنوعين لتعزيز أرضية مشتركة والتوافق التنظيمى المتجذر فى حقوق الإنسان.
تطوير منصة لتبادل معايير الذكاء الاصطناعي: ستضمن هذه المبادرة التوافق الفنى لأنظمة الذكاء الاصطناعى عبر الحدود، بمشاركة ممثلين عن منظمات المعايير، والشركات التكنولوجية، والمجتمع المدني.
تشكيل شبكة عالمية لتطوير قدرات الذكاء الاصطناعي: ستعزز هذه الشبكة قدرات حوكمة الذكاء الاصطناعى من خلال تقديم التدريب، وموارد الحوسبة، ومجموعات بيانات الذكاء الاصطناعى للباحثين ورجال الأعمال الاجتماعيين.
إنشاء صندوق عالمى للذكاء الاصطناعي: سيدعم هذا الصندوق مشاريع الذكاء الاصطناعى فى المناطق النامية، خاصة فى الجنوب العالمي، لاستغلال فوائد الذكاء الاصطناعى والمشاركة فى حوكمته.
إنشاء إطار عمل عالمى لبيانات الذكاء الاصطناعي: سيضمن هذا الإطار الشفافية والمساءلة فى أنظمة الذكاء الاصطناعي.
إنشاء مكتب للذكاء الاصطناعي: سيدعم هذا المكتب ويقوم بتنسيق تنفيذ هذه المقترحات.
يسرنى أيضًا أن دعواتى لإنشاء لجنة مستقلة للذكاء الاصطناعى قد حظيت بدعم الأمم المتحدة. فهذا أمر ضرورى للحفاظ على الشفافية والمساءلة فى المجتمع العالمى للذكاء الاصطناعي، والحاجة إلى لجنة مستقلة من الخبراء الدوليين لمراقبة هذا العمل الهام.
يدعو التقرير الأممى إلى تجديد الحوار بين الدول الأعضاء البالغ عددها 193 دولة لمعالجة مخاطر الذكاء الاصطناعى وتنسيق الإجراءات. ويؤكد على ضرورة تمكين الأمم المتحدة للدول النامية، خاصة فى الجنوب العالمي، لاستغلال فوائد الذكاء الاصطناعى والمشاركة فى حوكمته، مع توصيات تتماشى مع «الميثاق الرقمى العالمي» الذى يهدف إلى معالجة الفجوات فى الوصول الرقمى بين الدول.
إن خبرتى الواسعة مع الأمم المتحدة ومساهماتى العديدة فى مجال الذكاء الاصطناعى والتكنولوجيا تضفى وزنًا كبيرًا على هذه الدعوات للعمل. وبصفتى رئيس التحالف العالمى للأمم المتحدة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية وعضوًا سابقًا فى مجلس الميثاق العالمى للأمم المتحدة، كنت فى طليعة الجهود الرامية إلى دمج التكنولوجيا فى إستراتيجيات التنمية العالمية. توفر كتبى ومقالاتى عن الذكاء الاصطناعى رؤى قيمة حول الفرص والتحديات التى تطرحها هذه التكنولوجيا التحويلية.
تلعب الأمم المتحدة دورًا حاسمًا فى تنظيم الذكاء الاصطناعي. لقد أكدت باستمرار على أهمية الأمم المتحدة فى تعزيز التعاون الدولى وضمان أن الذكاء الاصطناعى يعود بالنفع على البشرية جمعاء. ومع ذلك، هناك مخاوف بشأن مدى فعالية الأمم المتحدة فى تنفيذ وانفاذ اللوائح المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، لا سيما فى ظل غياب جدول زمنى محدد لإنشاء هياكل الحوكمة هذه.
لتحقيق تقدم حوكمة الذكاء الاصطناعي، من الضرورى بذل جهد عالمى موحد. أنا ملتزم بتوفير جميع الموارد المتاحة من خلال TAG.Global لدعم هذه القضية، حيث من الضرورى تطوير نهج منسق للاستفادة الكاملة من إمكانيات الذكاء الاصطناعى على مستوى العالم.