الانتصار العظيم فى حرب أكتوبر غيًّر كل شئ فى مصر.. وكان من أهم ما تأثر مباشرة بالانتصار صناعة السياحةالمصرية.. التى فتح أمامها النصر آفاقا جديدة لم تكن متاحة لها من قبل من أهمها السياحة الشاطئية فى البحر الاحمر وسيناء.. وهذه السياحة الآن أصبحت تشكل الجانب الرئيسى من السياحة الوافدة إلى مصر.. ولا نبالغ إذا قلنا إن نصر أكتوبر كان بداية لعصر جديد للسياحة المصرية.. ذلك أن السياحة قبل ذلك كانت تكاد تكون مقتصرة على سياحة القاهرة والإسكندرية ووادى النيل ومدنه وقليل من غرب الإسكندرية.. وقليل من البحر الاحمر.. أما سيناء فلم تكن بها أى حركة سياحية على الاطلاق.. وبعد انتصار أكتوبر فتحت آفاق السياحة.. وعلى وجه الخصوص فى البحر الاحمر وسيناء..
كانت هناك بلاشك سياحة فى البحر الاحمر على مستويات محدودة.. كلها تقريبا سياحة داخلية.. ثم بدأت فى الستينيات من القرن الماضى موجة جديدة نحو تنشيط وتشجيع السياحة.. وفتح مناطق سياحية جديدة.. وأنشئ فندق شيراتون الغردقة.. وفندق سيدى عبدالرحمن فى الساحل الشمالى الغربي.. وحدث توسع فى إنشاء الفنادق فى القاهرة والاقصر وأسوان.. وكان ذلك فى اطار خطة وضعها الدكتور عبدالقادر حاتم لإعداد مناطق سياحية جديدة والتوسع فى إنشاءالفنادق.. وكان قد سبق هذا فى الخمسينيات إنشاء فندق النيل هيلتون كأول فندق لسلسلة هيلتون العالمية فى الشرق الاوسط.. ولكن غاية ما قدمه هذا لمصر نحو مليون سائح.. وبدخل سياحى يقدر بأكثر قليلا من ثلاثمائة مليون دولار..
بعد نصر أكتوبر تغير الموقف.. وانتعشت الحركة فى الغردقة وأنشئت قرية مجاويش.. ولكن التغيير الحقيقى فى الغردقة كان فى أوائل الثمانينيات من القرن الماضى عندما دخل القطاع الخاص إلى مجال الفنادق.. وقد كان القطاع العام رائدا بلا شك فى إنشاء شيراتون الغردقة ومجاويش.. ولكن القطاع الخاص تسلم الراية وكانت البداية للراحل الكبير المحمدى حويدق الذى أنشأ قرية الجفتون.. ثم كان هو أول من جلب السياح إلى الغردقة من ألمانيا فى رحلات عارضة «شارتر» .. وقد قاسى الرجل كثيرا من تعنت سلطات الطيران المدنى فى ذلك الوقت.. ووجيه شندى وزير السياحة والطيران المدنى فى ذلك الوقت.. وكان المحمدى قد حصل على ترخيص برحلة واحدة عارضة للغردقة.. ولكن الدعاية التى قام بها لقريته.. أدت إلى حركة حجز فاقت توقعاته.. فإذا بكمية الحاجزين تكفى ست طائرات مع أول ترويج للقرية.. فماذا يفعل؟ .. توجه إلى الطيران المدنى طالبا الترخيص بالرحلات الإضافية.. فكانت المفاجأة هى الرفض.. وكانت الفكرة السائدة فى ذلك الوقت أن الطيران العارض يؤثر على مصر للطيران.. ولكن المحمدى لم يستسلم وأحضر الطائرات على مسئوليته.. واضطرت سلطات الطيران المدنى للموافقة مع فرض غرامة فلكية عليه.. واضطر لقبولها لأن الرحلات كانت قد بدأت.. وبدأ يجهز مجموعة من الاستغاثات لنشرها فى الصحف.. ولكن حدث تعديل وزارى خرج فيه الوزير وجاء وزير جديد كان هو فى حد ذاته نقطة تحول فى تاريخ السياحة المصرية.. هو الراحل الكبير فؤاد سلطان.. الذى ألغى الغرامات على المحمدى حويدق.. وسمح بالطيران العارض فى كل المقاصد السياحية عدا القاهرة.. وأعلن أن توسيع حجم الكعكة يزيد من نصيب الجميع منها.. وهذا ما حدث بالفعل..
وهكذا بدأ تاريخ جديد من الحركة السياحية إلى البحر الاحمر.. الذى سبق قليلا سيناء التى كانت التالية من التحرر من الاحتلال الإسرائيلي.. وفى شمال سيناء بدأ إنشاء فندق فى العريش.. كما بدأ القطاع الخاص أيضا فى إنشاء قرية سياحية تصلح للسياحة الداخلية بشكل خاص.. أما فى جنوب سيناء فكان الوضع مختلفا لانها كانت آخر ما تحرر من الاحتلال.. وكان الوجه السياحى لهذه المناطق رائعة الجمال قد بدأ يتضح..
وكما كان القطاع العام سباقا فى البحر الاحمر والغردقة على وجه التحديد.. كان هو الرائد فى جنوب سيناء.. وقد ورث بعض المنشآت السياحية من الاحتلال الإسرائيلى فى كل من شرم الشيخ ودهب ونويبع.. ثم طابا فيما بعد.. معظمها كانت منشآت مؤقته من الخشب والفيبر جلاس باستثنأ تقليلة.. وكلها دفعت ثمنها مصر فى مفاوضات سبقت خروج المحتل الإسرائيلي.. وكنت أحد شهودها.. حتى فندق طابا وكان يحمل اسم سونستا وقت خروج الاحتلال من طابا فى مارس 9891.. دفعت مصر الثمن المبالغ فيه الذى أصر عليه مالك الفندق.. وقد كان يهوديا مصريا رويت قصته فى مقالات سابقة..
بدأ القطاع العام السياحى فى إقامة الفنادق والقرى السياحية فى جنوب سيناء بداية من شرم الشيخ ودهب ونويبع.. ثم تبعه القطاع الخاص الذى أصبح هو صاحب كل المنشآت الفندقية فى جنوب سيناء.. بما فى ذلك التى أنشأها القطاع العام.. وقد بيعت لمستثمر مصري..
وقامت هيئة التنمية السياحية التى أنشأها الراحل العظيم فؤاد سلطان بوضع مخططات التنمية السياحية فى جنوب سيناء.. وعلى امتداد خليج العقبة على وجه الخصوص.. وكذلك فى خليج السويس.. وعلى امتداد البحر الاحمر امتدادا لمرسى علم جنوبا.. ليتم فى اطار هذه الهيئة إنشاء كلما نراه الآن من عشرات الألوف من الغرف الفندقية التى استوعبت الحركة السياحيةالوافدة والمتنامية إلى شرم الشيخ والغردقة ومرسى علم..
ولكن مع أحداث يناير توقف الاستثمارالسياحى فى غالبيته العظمي.. ثم تفاقم هذا التوقف بعد ان تغيرت السياسة التى وضعها الراحل العظيم فؤاد سلطان وأدت إلى كل التنمية السياحية القائمة الآن..
أكتوبر والسياحة.. تاريخ طويل مليء بالتفاصيل يستحق أن نعود إليه مرة أخري.