اعتادت قواتنا المسلحة على الاحتفال سنويًّا بإمداد الوطن بدفعات من الضباط الجدد، وجميعًا نشاهد هذه الحفلات ويسرى بداخلنا شعور يمتزج بالفخر والقوة، ثم بالاعتزاز بأن لدينا مثل هؤلاء الرجال وهذا الجيش، ولا يخفى الكثير منا ما يجيش بخلجاته من إحساس بالغيرة من هؤلاء الفرسان، أو التمنى بأن يلتحق بإحدى هذه الكليات ويصبح ضابطًا فى أول وأعظم جيوش العالم، وينال شرف الخدمة بالقوات المسلحة المصرية، بخاصة عندما يستمع فى شجن إلى الخريجين وهم يقسمون يمين الولاء.. أقسم بالله العظيم – أقسم بالله العظيم – أقسم بالله العظيم:
«أقسم بالله العظيم أن أكون جنديًّا وفيًّا لجمهورية مصر العربية.. محافظًا على أمنها وسلامتها.. حاميًا ومدافعًا عنها فى البر والبحر والجو داخل وخارج الجمهورية.. مطيعًا للأوامر العسكرية.. منفذًا لأوامر قادتي.. محافظًا على سلاحى لا أتركه قط حتى أذوق الموت.. والله على ما أقول شهيد».
… إلى أن ينتهى القسم بعقد العزم على الشهادة فى سبيل الله دون أن يتأذى الوطن أو المواطن، فيقسم الفارس..
ومحافظًا على سلاحى لا أتركه قط حتى أذوق الموت، والله على ما أقول شهيد.
.. يا له من قسم لو تعلمون عظيم، يُلهب القلب ويشعل فى النفس جذوة الوطنية، ويضع أمانة الوطن فى أعناق الضباط الجدد يوم تخرجهم، ويأخذون على عاتقهم المسئولية والأمانة عهدًا ووفاءً حتى يلاقوا ربهم.
الآن جاء الدور على كل واحد فينا… لا للموت فى سبيل الله ولا فى سبيل هذا الوطن؛ إنما للإخلاص والتفانى فى العمل، أيًّا كان هذا العمل؛ التدارس (عمل)، مداواة وتطبيب الآخرين (عمل)، وفلاحة الأرض (عمل)، والصناعة والتجارة والبناء (عمل)، بل والدعوة والوعظ (عمل)، والكلمة (عمل) كانت رمضًا بالعدسات أو نظمًا بالشعر أو سردًا بالنص أو شفاهة عبر الأثير أو غناءً وطربًا أو درامة بالمسرح والإذاعة والسينما والتليفزيون، أو حتى كانت كلمة فى الواقع الافتراضي.. كل ذلك كان عنه مسئولاً، وكل عمل واجب علينا اقتضت القيم والمبادئ والأخلاق بل والإيمان أن نحسن هذا العمل ونتقنه، ليس المطلوب منا أن نموت فى سبيل الآخرين كما هؤلاء الفرسان الذى قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبارك: (هم خير أجناد الأرض)، إنما مقتضى الحال فى مصرنا – الآن – المحاطة بتهديدات وجودية من اتجاهاتها الأربعة، مما يدعونا للاقتداء بهولاء الفرسان.. كما قال أحمد رامى ولحَّن رياض السنباطى وأطربت الوجدان وشنفت الآذان حنجرة مصر الخالدة أم كلثوم فى الثلاثين من نهاية هذا الشهر (أكتوبر) لعام 52 رائعتهم الخالدة: .. مصر التى فى خاطرى وفى فمي
أحبها من كل روحى ودمي
يا ليت كل مؤمن بعزها يحبها حبى لها
بنى الحمى والوطن
مَن منكم يحبها مثلى أنا مثلى أنا
نحبها من روحنا
ونفتديها بالعزيز الأكرم..
إذا أصبحنا كما هذه الحال؛ استحقَّ هذا الجيل دعوة السيد المسيح عليه السلام: (مبارك شعب مصر)؛ فإنما كانتا الخيرية والمباركة لهذا الجيش وشعبه من الإخلاص فى العمل، كما العبادة بتمام الأداء، فهذه هى ثقافة أجدادنا وآبائنا، هم بناء الحضارة للإنسانية، وهم أصحاب النصر.. سلمونا مصرنا متحضرة نتباهى بأعمالهم أمام العالم، ونفخر بانتصاراتهم، حتى أورثونا العلم عاليًا والأرض مصانة، فهل سأل كل واحد فينا نفسه: ماذا قدمت للغد؟ وماذا تركت من عمل؟.. وهل سنقسم كما هؤلاء الفرسان؟ أم سنكتفى بالتباهى بهم ونحرم أنفسنا نعمة وفضيلة الخلود؟!
إن من بيننا شبابًا يعلموننا؛ كيف تكون الوطنية وكيف يكون حب مصر.