لعل من بين أكثر أسرار حرب أكتوبر 1973 أن سلاح المهندسين كان هو السلاح الوحيد الذى تتلقى غرفة عملياته صورة بالكربون من بلاغات الجيوش الميدانية إلى غرفة العمليات الرئيسية فى المركز رقم «10» فى نفس اللحظة لأن المهام الحقيقية لسلاح المهندسين كانت مرتبطة بسير العمليات ولا تحتمل التأخير ولو لدقيقة واحدة عن موعدها.
إذا كان القتال بدأ فى الساعة الثانية وخمس دقائق من بعد الظهر بالضربة الجوية الأولى التى أعقبها مباشرة قصف مدفعى على امتداد الجبهة لكى تبدأ الموجات الأولى لخمس فرق مشاة وقوات قطاع بورسعيد فى اقتحام القناة بدءاً من الساعة الثانية وعشرين دقيقة فإن صيحات الله أكبر التى كانت تدوِّى على الجبهة دوَّت بنفس الحماس فى غرفة عمليات سلاح المهندسين عندما وصلتهم أول إشارة بارتفاع العلم المصرى وسقوط أول حصون خط بارليف فى منطقة القنطرة فى تمام الساعة الثالثة من بعد الظهر وبدء الكتائب البرمائية فى العبور من منطقة البحيرات المرة، وكان ذلك إيذاناً باقتراب ساعة الصفر للمهمة الكبرى لسلاح المهندسين.
عندما كانت عقارب الساعة تشير إلى الرابعة وخمس وأربعين دقيقة عصر يوم 6 أكتوبر كانت تشكيلات 75 فصيلة من المهندسين العسكريين قد عبرت القناة تحت غطاء نيران المدفعية المصرية لتبدأ على الفور ضخ المياه لفتح 75 ممراً على طول الساير الرملى الممتد على الشاطئ الشرقى للقناة ولم تكن قد مضت سوى 25 دقيقة فقط حتى جاءت البشرى الأولى بأن المهندسين العسكريين قد نجحوا فى تمام الساعة الخامسة وعشر دقائق فى فتح وتمهيد أول ممر وبعد ذلك جاءت البشرى الثانية فى نطاق 16 مشاة جنوب الإسماعيلية بإعلان نجاح مهمة فتح الممر رقم 2 فى تمام الساعة الخامسة و35 دقيقة.
طبقاً للسيناريو المعد سلفاً فى خطة العمليات فإنه بعد أن أكمل سلاح المهندسين فتح الممرات تباعاً بدأت إرسال وحدات الكبارى تتقدم من الخطوط الخلفية للجبهة على الطرق المخفاه المحددة لها، وراحت مئات من العربات المحملة بمهمات الكبارى واللنشات تتحرك على عشرات الطرق فى مجموعات وبفواصل زمنية محسوبة بدقة، وبعد ذلك بدأت مهمة اسقاط البراطيم ونزول اللنشات فى مياه القناة من أجل تجميع المعديات والكبارى ولم تفلح كل محاولات العدو لتعطيل عمل المهندسين العسكريين المصريين رغم القصف المستمر بحجم من النيران عن طريق المدفعية والطيران وتحققت المعجزة الأولى فى الساعة الثامنة والنصف مساء يوم 6 أكتوبر باكتمال إنشاء أول كوبرى للعبور فى قطاع الفرقة الثانية مشاة بمنطقة الإسماعيلية ليتوالى بعد ذلك نصب الكبارى تباعاً وهو ما مكن القوات العسكرية، وخصوصاً فى القطاع الجيش الثانى من إنجاز عبور مايزيد على 240دبابة وجميع الأسلحة المضادة للدبابات وجزء كبير من وحدات المدفعية والدفاع الجوى عند رأسى كوبرى الفرقة الثانية مشاة قبل أن ينبلج نور فجر السابع من أكتوبر ثم تعزز ذلك بعبور مماثل للمدرعات والمدفعية والدفاع الجوى للفرقة 16 منشأة فى الساعات الأولى من صباح 7 أكتوبر.. لقد كانت ملحمة عظيمة للمهندسين المصريين الذين حققوا المعجزة فى زمن قياسى رغم أن معظم الكبارى أصيبت وأعيد إصلاحها عدة مرات وكان استشهاد العميد أركان حرب أحمد حمدى قائد ألوية الكبارى فى قطاع الجيش الثالث وهو يشارك أفراد أحد الكبارى فى إصلاحه هو العنوان الأبرز للروح الجديد للعسكرية المصرية فى حرب التحرير.