ترشيح الدكتور محمد معيط وزير المالية السابق لمنصب المدير التنفيذى عن المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي، من الأخبار التى أسعدتنى كثيرًا على المستوى الشخصي.
فهذا الرجل بخلاف تمتعه بخبرات عملية وعلمية كبيرة تؤهله بجدارة للحصول على هذا المنصب الرفيع، فهو يتمتع أيضًا بصفات شخصية أكسبته حب واحترام وتقدير كل من عمل بالقرب منه أو تعامل معه، وقد لمست ذلك بحكم عملى كمندوب لـ «الجمهورية» لدى وزارة المالية منذ أن كان الدكتور معيط مساعداً للوزير فى عهد الدكتور يوسف بطرس غالي، ثم نائباً للوزير لشئون الخزانة العامة فى عهد الوزير عمرو الجارحي، حتى ترأس الوزارة فى عام 2018.
أكثر الصفات الشخصية التى تميز الدكتور معيط هى الاجتهاد والإخلاص الشديد فى العمل، والبساطة وأدب التعامل واحترامه للآخرين. لم يتغير يوماً أو تتبدل شخصيته بتغير المنصب. يعتز بأنه واحد من الشعب المصري، ويفتخر بأنه نشأ فى أسرة بسيطة فى ريف مصر واجتهد حتى أصبح وزيراً للمالية ببركة دعاء الوالدين.
سألته يوماً بعد أن أصبح وزيراً: ما الفارق الذى لمسته فى حياتك الشخصية قبل وبعد أن أصبحت وزيراً؟ قال: عظم المسئولية.. أن تكون مسئولاً عن تدبير التمويل اللازم لاحتياجات أكثر من 100 مليون مصري، وأنى أصبحت لا أنام سوى 4 ساعات يومياً!!
بالطبع لم يكن ترشيح مصر للدكتور معيط لمثل هذا المنصب الرفيع كمدير تنفيذى بصندوق النقد الدولي، وفقا لصفاته أو سماته الشخصية، أو فقط نتيجة لبركة ودعاء الوالدين له، بل كان لهذا الكم من المؤهلات العلمية والخبرات العملية التى يحملها، فالسيرة الذاتية للدكتور معيط تحمل العديد من الشهادات العلمية لعل أبرزها الماجستير ثم الدكتوراه فى العلوم الإكتوارية من جامعة سيتى بالعاصمة البريطانية لندن، وهو أيضا يفتخر دوماً بأنه خريج كلية التجارة جامعة القاهرة. أما عن مؤهلاته العملية فحدث ولا حرج عن عمله كأستاذًا فى العديد من الجامعات المحلية والدولية، أو فى وزارة الصحة وهيئة الرقابة المالية وهيئة التأمين الاجتماعى قبل أن يعود لوزارة المالية.
وعلى مدار السنوات الست التى ترأس فيها الدكتور معيط وزارة المالية، شهد العالم ومنطقة الشرق الأوسط أحداثاً جساماً شكلت تحديات ضخمة لصانعى القرار الاقتصادى فى أى دولة، كان أبرزها جائحة كورونا وما تبعها من اغلاقات لمعظم الاقتصاديات العالمية والحد من النشاط التجارى والاستثمارى الدولي، مما زاد العبء عن الموازنات العامة لجميع دول العالم بما فيها دول كبرى مثل أمريكا والصين واليابان ودول أوروبا، ثم جاءت الحرب الروسية– الأوكرانية، والاضطرابات التى حدثت فى عمليات الشحن وتوقف سلاسل الإمداد والتوريد، ثم جاء العدوان الإسرائيلى على غزة واستمراره منذ السابع من أكتوبر الماضي، وأثر ذلك على أسعار النفط وحجم السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لهذه المنطقة الساخنة بالأحداث، ناهيك عن استقبال مصر لملايين اللاجئين من الاحداث الجارية فى الدول الشقيقة المجاورة فى السودان وليبيا.
رغم كل هذه الأحداث والتحديات، استطاع الدكتور معيط، كوزير للمالية، أن يحقق العديد من الإنجازات فى مجال السياسة المالية، وفى تحقيق فوائض مالية فى الموازنة العامة ساعدت الدولة فى تنفيذ مجموعة من الحزم الاجتماعية لحماية محدودى الدخل من الآثار السلبية للأحداث العالمية ومن التبعات المترتبة عن تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، وعمل نقلة نوعية رائعة فى منظومتى الضرائب والجمارك.
فى 26 أكتوبر الحالى سيتم الإعلان رسمياً عن تولى الدكتور معيط هذا المنصب الرفيع، لينضم بذلك إلى سلسلة القامات الاقتصادية المصرية التى شغلته، ومنهم الدكتور حازم الببلاوي، والدكتور عبدالشكور شعلان، وكان آخر حلقاتها الدكتور محمود محيى الدين الذى انتهت فترة توليه للمنصب لفترتين متتاليتين منذ عام 2020.