والذى نفسى بيده ما وجدت كلمة أعظم تأثيرا فى النفس والقلب والروح مثل كلمة «الشرف» التى يُقسم به وعليه كقسم عظيم، فعندما يقسم الرجل الشريف بشرفه ترفع الأقلام وتجف الصحف ولا حديث بعد ذلك، ربما ارتكبت السينما خطيئة كبيرة دون ان تدرى وهى السخرية من هذه المفردة العظيمة التى تفعل فى النفس الأفاعيل، حيث تم وضعها فى سياقات كوميدية لا تليق بعظمتها ودلالتها، على سبيل المثال جاءت عبارة «أحلى من الشرف مفيش» على لسان الفنان الكبير توفيق الدقن لتنسف المعنى الحقيقى للكلمة.
وللكلمة دلالات وانطباعات بحسب استخدامها، فهناك من يستخدمها فى سياقات محدودة مثل ما تقول «شرف الفتاة» والذى ينصب على معان ٍ ضيفة فى مجتمعاتنا العربية، وهناك من يستخدم الكلمة بدلالاتها الكاملة فتخرج معبرة عن صدق وطهارة ونبل وأصل ومروءة وكل المعانى الجميلة المرتبطة بتلك الكلمة العظيمة، ويُحكى ان عمر بن عبدالعزيز
جلس مع الحسن البصري.
وسأله بمن أستعين على الحكم يا بصريّ؟ فقال البصري: يا أمير المؤمنين، أما أهل الدنيا فلا حاجة لك بهم.. وأما أهل الدين فلا حاجة لهم بك، فقال عمر بن عبدالعزيز مندهشا، فبمن أستعين إذا يا إمام؟ قال البصري: عليك بأهل الشرف.. فإن شرفهم يمنعهم عن الخيانة، وفى هذا السياق يقول عنترة بن شداد.
لا تَسقِنى ماءَ الحَياةِ بِذِلَّةٍ
بَل فَاِسقِنى بِالعِزِّ كَأسَ الحَنظَلِ
ماءُ الحَياةِ بِذِلَّةٍ كَجَهَنَّمٍ
وَجَهَنَّمٌ بِالعِزِّ أَطيَبُ مَنزِلِ
ويقول معروف الرصافي
هى الأخلاق تنبت كالنبات
إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُرَبّي
على ساق الفضيلة مثمرات
وتسمو للمكارم باتِّساق
كما اتّسقت أنابيب القناة
وتُنعش من صميم المجد روحاً
بأزهار لها ُمتَضوِّعات
أما أمير الشعراء فيقول أحمد شوقي:
حِكايَةُ الكَلبِ مَعَ الحَمامَه تَشهَدُ لِلجِنسَينِ بِالكَرامَه
يُقالُ كانَ الكَلبُ ذاتَ يَومِ بَينَ الرِياضِ غارِقاً فى النَومِ فَجاءَ مِن وَرائِهِ الثُعبانُ مُنتَفِخاً كَأَنَّهُ الشَيطانُ وَهَمَّ أَن يَغدِرَ بِالأَمينِ فَرَقَّتِ الوَرقاءُ لِلمِسكينِ وَنَزَلَت توّاً تُغيثُ الكَلبا وَنَقَرَتهُ نَقرَةً فَهَبّا فَحَمَدَ اللَهَ عَلى السَلامَه وَحَفِظَ الجَميلَ لِلحَمامَه إِذ مَرَّ ما مَرَّ مِنَ الزَمانِ ثُمَّ أَتى المالِكُ لِلبُستانِ فَسَبَقَ الكَلبُ لِتِلكَ الشَجَرَه لِيُنذِرَ الطَيرَ كَما قَد أَنذَرَه وَاِتَّخَذَ النَبحَ لَهُ عَلامَه فَفَهِمَت حَديثَهُ الحَمامَه وَأَقلَعَت فى الحالِ لِلخَلاصِ فَسَلِمَت مِن طائِرِ الرَصاصِ
ويقول المتنبي
إذا غامَرْتَ فى شَرَفٍ مَرُومِ
فَلا تَقنَعْ بما دونَ النّجومِ
فطَعْمُ المَوْتِ فى أمْرٍ حَقِيرٍ
كطَعْمِ المَوْتِ فى أمْرٍ عَظيمِ
أما إيليا أبو ماضى فيقول: ذهبتُ مُسائلاً عن خَير شيء لأعرفَ كُنهَ أخلاقِ البريَّةْ فقالتْ لى الكنيسة: خيرُ شيءٍ هو الزُّهدُ الَّذى يمحو الخَطيَّةْ وقالت لى الشَّريعة: خيرُ شيءٍ شُمولُ العَدلِ أبناءَ الرَّعيَّةْ وقال الجنديُّ: الشُّهرة خير وإن كانَتْ تقود إلى المنيَّةْ وقال أخو الحصافةِ: خيرُ شيءٍ هو الحقُّ المبين بلا مَريَّةْ وقالَ أخو الجَهالةِ: خيرُ شيءٍ سُرورُ النَّفسِ فى الدُّنيا الدَّنيَّةْ وقال لى الفَتي: وَصلُ الصَّبايا وقالت لى «الهوي» البنتُ الصَّبيَّةْ ولمَّا أن خلوتُ سألتُ نَفسى لأعرِفَ رأيها فى ذِى القضيَّةْ فقالت: لا أرى خيراً أبقَى مِن الإحسانِ للنَّفسِ الشَّقيَّةْ
و هناك العديد من القصائد والمقالات التى تتحدث عن النبل والشرف، وأستحضر هنا العديد من المناسبات التى حاول فيها الرئيس السيسى ان يعيد للكلمة مفهومها ودلالاتها ووضعها فى سياق صحيح، فقال مقولته الشهيرة «إننا نتعامل بشرف فى وقت عز فيه الشرف» ربما لم يفهم البعض المعنى المقصود فى البداية لكن مسارات الأحداث والصراعات والابتزازات والفرص والتحديات شرحت المعنى والمغزى دون عناء، فقياداتنا شريفة ونبيلة وحكيمة وصادقة وهذا الشرف والنبل هما الجسر الذى عبرنا عليه من حالة إلى حالة أوصلتنا إلى منصات التتويج فى بطولات الشرف والعزة والكرامة ،