ونحن نحتفل اليوم بمرور 51 عاما على انتصار السادس من أكتوبر 1973 اندهش من أن إسرائيل وقاداتها حتى اللحظة لم يستوعبوا الدرس لم يتنازلوا عن لغة الغطرسة والتعالى حتى الآن يروق لهم العيش فى حالة فقدان اختيارى للذاكرة حتى أنهم لا يتذكرون مثلا من انتصر فى هذه الحرب ومن عبر قناة السويس و من دمر خط بارليف الحصين ومن كسر أنف الجيش الذى كان يصف نفسه بأنه لا يقهر!! ولا يتذكرون حتى مشهد الأسرى الإسرائيليين وهم عائدون يرتدون بيجامات كستور المحلة من العجب أن يتناسى الإسرائيليون من لقنهم درس الحياة والممات.
فى السياق نفسه وبعد عام من الجرائم التى ترتكبها إسرائيل فى غزة والضفة وأخيرا جنوب لبنان طل علينا مؤخرا بنيامين نتنياهو وبعض وزرائه من اليمين المتطرف بعدد من التصريحات العنترية من عينة «الشرق الأوسط كله علم الآن ما هو ذراع إسرائيل الفولاذية الطولي» و»سنغير الشرق الأوسط كله» و»لا يستطيع أحدالوقوف فى وجه إسرائيل».
فى مثل هذه الأيام من كل عام يطل علينا أفيخاى أدرعى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى بتدوينة عبر موقع «إكس» ومن فرط تبجحه يهنئ إسرائيل بانتصارها فى حرب يوم الغفران كما يطلقون على حرب السادس من أكتوبر!! وبمراجعة تدوينات أدرعى طوال الخمس سنوات الماضية ستجدها تقريبا متشابهة سأعرض نصا إحداها قال فيها إن إسرائيل حينها «بوغتت فى أقدس أيامها، يوم الغفران»، وفق تعبيره، قائلاً إنها بدأت «بمفاجأة كبيرة، وانتهت بنصر عسكرى إسرائيلي» ولا أحد يعرف فى العالم عن أى نصر يتحدث أدرعى وهل كان يقصد حربا أخرى غير السادس من أكتوبر؟!.. وقد تجد بعض المحللين والكتاب الصهاينة فى الغرب يتبنون رواية أدرعى المكذوبة متناسين أن المنطق يقول إن المنتصر يفرض إرادته على المهزوم ومصر فى هذه الحرب بسطت يدها كل البسط و فرضت إرادتها واستردت الأرض وعبرتالقناة.
بالنسبة للمصريين والعرب لم يكن حرب السادس من أكتوبر 1973 مجرد معركة عسكرية خاضتها مصر وحققت فيها أعظم انتصاراتها، بل كانت اختبارا حقيقيا لقدرة الشعب المصرى على تحويل الحلم إلى حقيقة.
من يفتش وراء غطرسة العدو الصهيونى سيكتشف أنها مرض متأصل فى الشخصية الإسرائيلية وسأثبت هنا بدليل من داخل إسرائى لكتاب بعنوان «الغطرسة»، صدر فى يوليو 2021، مكون من 652 صفحة للمؤرخ العسكرى الإسرائيلى البروفيسور يوآف جيلبر القائد السابق للواء المظليين الإسرائيلى والمستشار الأكاديمى بكلية القيادة والأركان الإسرائيلية وأستاذ التاريخ العسكرى فى جامعة حيفا الكتاب هو الجزء الثالث والأخير من سلسلة دراسات، أدرجها جيلبر تتناول الجيش الإسرائيلى فى السنوات ما بين نهاية حرب يونيه 1967 واندلاع حرب أكتوبر 1973 الجزء الأول هو «الاستنزاف الحرب المنسية» صدر عام 2017 ويتحدث عن الخسائر التى تكبدها الجيش الإسرائيل ، فى حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية وتداعياتها ، والجزء الثانى هو «الزمن الفلسطيني» صدر عام 2018، يتحدث الكتاب عن غطرسة القوة التى نشأت بعد حرب 1967 بين القيادات الإسرائيلية، وأدت إلى هزيمتهم النكراء فى حرب أكتوبر، أى أن المؤلف و هو عسكرى شارك فى الحرب يعترف بما وصفه هزيمة إسرائيل النكراء ناقش الكتاب جوانب من أسباب هزيمة إسرائيل فى حرب السادس من أكتوبر ، نافيًا اقتصارها على فشل الاستخبارات الإسرائيلية، وأوضح جيلبر أن المصريين حطَّموا نظرية إسرائيل الأمنية قائلا نصا: «حرب يوم الغفران أثبتت فشلاً ذريعًا بسبب الافتقار الإسرائيلى إلى فهم التغييرات التى مرت بها الخصوم إلى جانب ظروف الساحة الجديدة لقد كانت حربًا حقيقية، على كل الفجيعة والحزن والمعاناة والتساقط التى شهدتها».
سيظل انتصار السادس من أكتوبر ملحمة يذكرها التاريخ العسكرى فى العالم و تتوارث الأجيال من الشعب العربى بفخر ذكرها ولو تناسى نتنياهو أو وزرائه أو أدرعى لا مانع من تذكيرهم بفيديو لأسراهم بالكستور.