من أعماق الصعيد، حيث تتلاقى خضرة النيل مع صفاء السماء، نشأ الشيخ محمد عمران. في تلك البيئة الصالحة، التي تزخر بالتدين والأصالة، ترعرع صوت الشيخ وتشرب حب القرآن الكريم، فكان للصعيد الفضل في صقل موهبته وتقديمها للعالم أجمع.
وفي صعيد مصر وتحديدًا بمركز طهطا شمال محافظة سوهاج ولد الشيخ عمران في العاشر من أكتوبر سنة 1944، فقد بصره وعمره عام واحد، وأتم حفظ القرآن الكريم في العاشرة من عمره.
وكان يأتى إلى داره شيخه الشيخ عبد الرحيم المصرى، ويقول له: أتريد أن تهرب لتلعب وأنت الذى سأدخل بك الجنة، وأتقن القرآن على يد الشيخ محمود جنوط، فى مدينة طما، وقد تأثر بالشيخ سيد النقشبندي؛ وعلى الرغم من أن الشيخ النقشبندي مواليد الغربية، فإنه كان مستقرا بطهطا فى سوهاج.
انتقل الشيخ عمران إلى القاهرة بنصيحة من الشيخ النقشبندي بعد أن أتم حفظ القران الكريم، والتحق بمعهد المكفوفين للموسيقى، وتلقى دروس الإنشاد والموشحات الدينية على يد الشيخ سيد موسى، ومن هنا بدأت رحلة عطائه في دولة التلاوة.
وعمل الشيخ عمران فى شركة حلوان للمسبوكات، فجعلته قارئًا للقرآن الكريم بمسجدها الكائن بموقع الشركة بحلوان، وذاع صيته وانتشرت شهرته بين العمال، فتقدم بعد ذلك لاختبار الإذاعة المصرية فى بداية السبعينيات، وتم اعتماده مبتهلًا بعد نجاحه المتفوق والمتميز فى امتحان الأداء.
وحين طُلب من الشيخ عمران الاختبار كقارئ؛ لاعتماده، كان يرفض؛ لأنه يرى أن الإذاعة والتليفزيون وقتها كانت تُقدر الفنانين أكثر من القراء حاملى كتاب الله، رغم أن مصر بلد التلاوة والإنشاد، وحقق الشيخ عمران شهرة كبيرة خارج مصر.
وكان الشيخ عمران قوي الشخصية بطبيعته الصعيدية الصارمة يرفض التعديل على أحكامِه من المُستمعين (السميِّعة)، متمكنًا من أدائه وتلاواته، يعيش مع آيات القرآن وكأنما يتلو الآيات مُفسرة.
وبرغم ما حباه الله من صوت عريض يتّسع لكل تعبير، إضافة إلى معرفته الواسعة بالمقامات والنغمات، لم يأخذ حقه فى الشهرة أثناء حياته، لكن بعد وفاته حصل على حقه؛ وكان يرفض السفر، رغم أن جميع المسافرين من المشايخ يتقاضون مبالغ كبيرة نظير السفر.
كان -رحمه الله- متعلقا بمصر حتى بمنطقة معيشته بمصر القديمة، وكان يقول إنه لا يخرج من مصر إلا لأداء الحج والعمرة، وقد قام بتسجيل عدد من الابتهالات والأناشيد الدينية لكثير من الدول العربية.
وفي السادس من اكتوبر 1994 توفي الشيخ عمران بعد معاناة مع مرض الكبد قبل عامين من الوفاة في الخمسين من عُمره، بعد رحلة عطاء مع كتاب الله، وحضر عزاءه وقرأ فيه كبار قراء مصر وفي مقدمتهم الشيخ الطبلاوي، والشيخ نعينع، وتم دفنه بالمدافن الموجودة بجوار مسجد عمرو بن العاص.