لابد ان نغادر فوراً محطة الفهلوة ونتجه مباشرة ودون مقدمات إلى محطة العمل والإنجاز، لابد وان تتوقف سياسة اللقطة وفلسفة التمثيل والادعاء الكاذب بأننا مثاليون، فما جرى ويجرى بطول البلاد وعرضها من عمل دءوب وجهد خارق لتغيير واقع الناس وتدشين جمهورية جديدة لم يواكبه الجهد الكافى لتغيير السلوك الجمعى للناس تجاه قضايا وأمور كلاسيكية لا تحتمل التأجيل، لقد سادت ثقافة الفهلوة وتجذرت وبات لها منظرون وحواريون ومبررون وصارت هى عنوان العقود الماضية وللأسف وصلت مناهجها الى كل المجالات بدءا من الأسرة وصولا الى العديد من المؤسسات التى لا تحتمل وجود مثل هذه الثقافة بين جنباتها، فالغش الجماعى ومحاولات تسريب الامتحانات والوقوف امام اللجان بمكبرات الصوت لحل الامتحانات وسط فرحة غامرة من الآباء والأمهات والاهالى والقيادات الشعبية والمحلية والعمد والمشايخ والمعلمين أيضا هى قمة ثمار الفهلوة والواسطة والمحسوبية والإهمال والانامالية، من هنا ظهرت لدينا ثقافات متراكمة من الفوضى فالتلميذ الغشاش سينجح وهو لا يستحق النجاح ويكبر ويصير مدينا لفلسفة الغش التى أوصلته الى الجامعة وأدخلته سوق العمل وكوَّنت له عش الزوجية وحقق ما يريد من خلال عبوره الرشيق على جسر الفهلوة فلن يستمع الى مواعظنا وارشاداتنا ومقالاتنا، فجماعية الفهلوةُ جعلت عكسها منبوذا وخارج السرب، فالفهلوة للأسف منتشرة فى كافة مناحى الحياة، حتى اذا حاول احدهم التوبة والعودة الى تعاليم الله يبحث عن واسطة بينه وبين الخالق الأعظم ثم يبحث عن كارت توصية كى يذهب لاداء الحج او العمرة! حالة انفصام مجتمعى بين ما نردده أمام الناس وما نفعله بيننا وبين أنفسنا، ونحن نقرأ كثيرا قوله تعالى: «لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتل عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون».
وإذا تجرأ احدنا وهاجم تلك السلوكيات السلبية، وإذا خرج احدهم ليدعو الناس إلى إتقان العمل وعدم «التزويغ « مثلا ستجد ألسنة طويلة تهاجمك وتتهمك بما لا يليق وبأنك لا تعرف اوجاع الناس، وإذا رفعت لواء الصبر على المكاره وارتفاعات الأسعار والآثار السلبية للازمة الاقتصادية ستجد اللعنات فوق رأسك، فكيف تتجرأ وتطلب من الناس ان يربطوا على بطونهم من أجل المستقبل، بيد ان هؤلاء ينافقون العوام، والعوام هنا فى مأزق من جراء هذه التناقضات، وهنا وأتذكر قوله تعالى: «أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ»، ما هذا العبث الذى أصاب مجتمعنا؟ وما هذا الكم من العطب الذى ضرب مفاصلنا؟ هذه الثقافة الخربة تحتاج احلالها بثقافة جديدة محترمة تليق بحضارتنا وتاريخنا وثوابتنا التى تحولت الى متغيرات، فلتخرج نخبنا وأحزابنا ومؤسساتنا ومفكرونا من قمقم الإنكار الى آفاق المواجهة الثقافية للفهلوة وأخواتها.