فى إطار الحديث عن المزيد من القوانين والتشريعات التى تتواكب مع الجمهورية الجديدة، نتحدث اليوم عن قضية بالغة الأهمية، وهى تحصيل الضريبة. فى الحقيقة أنه رغم الجهود الواسعة التى تقوم بها وزارة المالية، وتحديداً مصلحة الضرائب فى تحصيل الضرائب المختلفة، إلا أن هناك أمراً آخر بالغ الأهمية لابد من التنويه إليه والإدلاء بالرأى فيه. وقد يفيد فى زيادة حصيلة الضرائب وعدم إهدارها كما هو معتاد الآن. تحصيل الضريبة يقتضى بالضرورة أن تكون كاملة وغير منقوصة ولا فساد ولا مراوغة فى تسديدها من العملاء. والحقيقة أنه رغم الجهد الشاق الذى تبذله مصلحة الضرائب فى هذا الشأن إلا أن عدد الذين لا يقومون بتسديد الضرائب كثيرون، رغم كل الإجراءات التى تقوم بها الدولة فى هذا الشأن. ولذلك أقترح رأيا يتمثل فى ضرورة تحصيل الضريبة من المنبع وتحصيلها بهذا الشكل يعنى عدم التلاعب فيها. وبالتالى تأخذ الدولة حقها كاملا، وتقضى تماما على الكثير من التلاعب الذى يتم فى عملية تسديد الضرائب. إضافة إلى توفير الجهد والوقت لدى مصلحة الضرائب.
إن تحصيل الضريبة من المنبع يتمثل فى أمر بسيط جداً وسهل وهو ضرورة تسديدها من الأصل ولنضرب أمثلة فى ذلك. أولا سيتم ساعتها توحيد الضرائب كلها فى ضريبة واحدة بدلا من الضرائب المتنوعة مثل القيمة المضافة والدخل وخلافه. كل ذلك سيكون فى ضريبة واحدة من المنبع. بمعنى مثلا المحامون الذين يسددون ضرائبهم لماذا لا تقوم مصلحة الضرائب بتحصيلها منذ تسجيل القضية الفلانية داخل المحكمة وبالتالى سيتم توفير الكثير من الجهد والوقت وضمان التحصيل الكامل للضريبة. ويتم تقسيم المحامين إلى شرائح معينة للمحامى المبتدئ والمحامى الحاصل على أكبر عدد من القضايا. إضافة الى درجات المحامين فى الاستئناف والنقض وخلافه. وبالتالى فإن التقسيم إلى شرائح يوفر الكثير فى ظل تحصيل الضريبة من المنبع مباشرة. هناك أيضا ضرائب المهن المختلفة. لماذا لا يتم تحصيلها من المنبع لأنها توفر الكثير من الجهد وتمنع الكثير من الطعون والنزاعات وخلافه. وبالتالى كل من لديه دخل ويستحق عليه دفع الضريبة تقوم الدولة بتحصيلها مباشرة من المنبع دون الدخول فى مشاكل ونزاعات وخلافه، مما قد يعرقل الأمور. إضافة إلى أن ذلك يقلل من حصيلة الضرائب.
ولنضرب مثلاً آخر بضريبة التصرفات العقارية. والمعروف أن هذه الضريبة لا تستطيع الدولة تحصيلها بالشكل المراد تنفيذه لوجود عمليات سمسرة بعيداً عن القانون. وهناك الكثير من العقارات التى يتم بيعها وشرائها بعيداً تماماً عن أعين الدولة وبعيداً تماما عن مصلحة الضرائب. فمثلا لو قامت المصلحة الضرائب. بإصدار وإجبار المشترين والبائعين للعقارات المختلفة على تسديد الضريبة من المنبع، لإختلفت الصورة. بمعنى لو أن المشترى علم تماما أن عقاره لن يتم الاعتراف بنقل الملكية له دون سداد الضريبة سيتم ضبط المنظومة. وسيضطر إلى إجبار البائع على تسديد الضريبة بشكل واضح. وهنا يتم تحصيل الضريبة من المنبع. وهذا الأمر بالغ الأهمية وبالغ الخطورة ويقضى تماما على كل المبيعات التى تتم بعيدا عن أعين الدولة. كلنا يعلم أن هناك مبالغ ضخمة جدا يتم تداولها من خلال بيع وشراء العقارات بعيداً تماماً عن مصلحة الضرائب. هذا الأمر لو تم تحديده ستختلف الصورة وستزيد حصيلة الضرائب بشكل كبير.
خلاصة الأمر لابد أن نكون أمام نظام ضريبى جديد يعتمد فى الأساس على عملية تحصيل الضريبة من المنبع لمنع أى قصور فى تحصيل الضرائب والحد من النزاعات والخلافات التى تنشأ بين الممولين ومصلحة الضرائب.كما أن هذا سيخفف العبء الثقيل على مصلحة الضرائب التى تواجه العناء الشديد فى عملية تحصيل الضرائب. كل هذا الأمر يستوجب بالضرورة إصدار تشريعات جديدة فى قانون الضرائب وهو أمر بالغ الأهمية أولا بضمن حق الدولة كاملا دون نقصان. وثانياً يضمن حقوق المواطنين بشكل واضح خاصة الذين يضطرون إلى الطعن على الضرائب بسبب المغالاة فى التقدير. كل هذه الأمور سيتم القضاء عليها لو تم تحصيل الضرائب من المنبع. إضافة إلى أمر آخر بالغ الأهمية وهو يقضى تماما على كل عمليات السمسرة التى تتم بعيدا عن رقابة الدولة لأن هؤلاء فى عمليات بيعهم وشرائهم يعملون فى الخفاء ولا يدرى بهم أحد. وبالتالى يكسبون أموالا طائلة ولا يتم تحصيل الضرائب عليها. وفى ظل الجمهورية الجديده لابد من أن يكون هناك تغيير كامل وشامل فى كل القوانين والتشريعات القديمة المعمول بها واستبدالها بأخرى تتوافق مع العصر الحالى الذى نعيش فيه. هذا الامر ليس صعب التنفيذ وليس عسيرا وإنما يقتضى تقديم مشروعات قوانين من أجل أن يتم تحصيل الضريبة من المنبع، لمنع أى تراخ فى عمليات التسديد أو لتخفيف العبء عن مصلحة الضرائب التى تواجه الكثير من المشاكل بسبب الطعون وخلافه. الدولة القانونية تعتمد فى المقام الأول على تنفيذ القانون وتنفيذه يقتضى من الجميع الإحتكام إلى القانون فى كل شيء.