فى مذكراته التى نشرت بعد وفاته يقول الجنرال «ديفيد آليعازر» رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى إبان حرب أكتوبر «1973».
«وضع ديان الجيش الإسرائيلى وقت الحرب– خطة عسكرية رسمها بنفسه عام 1973 أطلق عليها اسم «الحزام الأسود» وكانت تتضمن الآتي»
1- ضم جنوب لبنان بالكامل إلى دولة إسرائيل.
2 – ضم أجزاء أخرى من سوريا –إضافة إلى الجولان– إلى دولة إسرائيل.
3 – إنشاء خط حصين يشبه خط بارليف فى غور الأردن لحماية المستعمرات الإسرائيلية.
4 – تحويل سيناء إلى مركز تجارب للمفاعلات النووية.
وكان ديان يحلم بأن يحقق حزامه الأسود حول إسرائيل هدفين رئيسيين:
1 – تأمين دولة إسرائيل إلى الأبد.
2 – جعل زمام المبادأة فى القتال فى يد إسرائيل فيما لو أرادت ضم أراض عربية أخري.
ويقول آليعازر» إن ديان كان يحلم بأن يوضع اسمه على هذا الحزام فيسمى «حزام ديان» أسوة بخط بارليف الحصين الذى أطلق عليه اسم رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى الأسبق «حاييم بارليف».
لقد شرح ديان خطته لإنشاء هذا الحزام بتوقيتاتها وأهدافها على مجلس الوزراء المصغر برئاسة «جولدا مائير» يوم الخامس من أكتوبر عام 1973م وكانت الخطة تقضى بتوجيه ضربة قوية للجنوب اللبناني، وفى نفس التوقيت توجه ضربة أخرى للقوات السورية وقبل أن تحاول مصر التدخل يوجه لها ضربة قوية لتدمير صواريخ الدفاع الجوى فى منطقة القناة وكذا ضد المطارات المصرية، وذلك خلال الفترة من 22 إلى 25 أكتوبر 1973 بعد الانتهاء من عيدى الغفران والمظلات وقبل إجراء انتخابات الكنيست فى الثامن والعشرين من أكتوبر.
وقتها وبعد عرض ديان فى ضوء المعلومات على الجبهات الشمالية والجنوبية التى عرض فيها مدير المخابرات «إلياهو زاعيرا» تقديره للموقف وتحسبه من وجود استعدادات للقيام بعمل هجومى ضد إسرائيل.
سألت «جولدا مائير» «ديان» عن رأيه فأجاب بعد تفكير سأجعل ضربتى مبكرة كثيرًا، ستكون صباح الثامن من أكتوبر. ووافقت مائير على تنفيذ الخطة فى ذلك التوقيت.
انتهى كلام «آليعازر».. ولكن هيهات للغطرسة أن تنتهي.. إن نظرة إلى كلام «ديان» تظهر كم الغرور الذى تلبس تلك القيادة بعد نكسة 1967 وذلك النصر الرخيص الذى قدمناه لهم نحن العرب بإهمالنا والتخلى عن أبسط مبادئ اليقظة والإعداد التى أمرنا بها الله سبحانه وتعالى فى قوله ««يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا» (سورة النساء: الآية 71)، وقوله «« وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ» (سورة الأنفال: الآية 60).
كم كان رد المتغطرس «ديان» على «مائير» أشبه بمن يشرح خطته أمامها وكأنه يحرك قطعًا من البيادق والأفيال على رقعة شطرنج..
لم يكن يدرى أن ما بعد أكتوبر 1973 لن يكون كما قبلها.
كان علينا أن نخوض حربًا فى ظروف صعبة ومعقدة تحقق هدفًا لا يمكن التفريط فيه وهو تحرير الأرض وتطهير التراب الوطني، وكان ذلك يقتضى هدم نظرية الأمن الإسرائيلية، التى نسجتها من خيالها وخيلائها لتكون ستارًا لتحقيق أهدافها التوسعية، بل تأكيد ما قاله نبيها المسلح «ديفيد بن جوريون» أول رئيس لوزرائها، أن حدود إسرائيل حيث تقف أقدام جنودها بل وإثبات ما قاله وزير دفاعها «موشيه ديان» قبل الحرب بشهرين، «إن السلام الذى تريده إسرائيل قد تحقق عام 1967، وأن السلام الرسمى مع العرب يضر بالحالة التى تحرص إسرائيل عليها، وهى تثبيت الأمر الواقع الذى فرضته تلك الحرب، وأن حدود إسرائيل تتغير تلقائيًا حسب طبيعة نمو إسرائيل وتوسعها».
وكان علينا أن نخوض حربَا يمتلك فيها العدو التفوق العسكري، فى الوقت الذى تفرض فيه مبادئ الحرب وقوانين القتال شروطًا لا رحمة فيها على المهاجم لكى يحرز النصر، وهى ضرورة التفوق على العدو الذى سوف نهاجمه.
ولم يكن لدينا خيار إهدار التفوق على العدو على الأقل فى المراحل الأولى من الحرب خاصة بعد تماديه فى العمل على اتخاذ كل طرق الردع التى تمنعنا من التفكير فى القيام بأى أعمال هجومية ضده، وركز تمامًا على عامل الردع المتمثل فى «الحرمان من استخدام القوة» من جانبنا وذلك بإنشاء تحصينات تكفى لإشاعة حالة اليأس فى نفوسنا مثل خط بارليف المنيع الذى يعد أقوى الخطوط الدفاعية فى التاريخ وأكثرها منعة وتفوق كل الخطوط التى سبقته مثل قوة التجريدة البريطانية وخط زجفريد الألمانى وخط ماجينو الفرنسي.
وكم كان رأى الخبراء فى التعامل مع هذا الخط محبطًا وميئسًا، كتلك التى قالها خبراء الغرب بأنه يحتاج إلى قنبلة نووية للتغلب عليه، وقال عنه الخبراء الروس أن حجم الخسائر التى ستتكبدها قواتنا فى التغلب عليه وعبور القناة لن تقل عن 50٪ من حجم القوات.
كنا ندرك أن عملية العبور تحتاج تشغيل معديات وأن هذه المعديات سوف تتحول إلى كباري، وهذا العمل يتطلب شق فتحات فى الساتر الترابى لخط بارليف المرتفع على الضفة الشرقية للقناة بأكثر من عشرين مترًا، وكل فتحة كوبرى تتطلب إزاحة 1500 متر مكعب من الرمال يستغرق إزاحتها عدة ساعات، وأننا سوف نسابق الزمن لتجهيز الكبارى التى ستعبر عليها الدبابات والأسلحة الثقيلة، كل ذلك تحت ضغط العدو وإستماتته فى محاولة التصدى للعبور ومنعه بكل الأسلحة والوسائل التى يمتلكها جوًا وبرًا.
ولم يكن يخالجنا شك فى قدرة المخابرات الإسرائيلية وكفاءتها وخاصة بتعاونها مع نظيرتها الأمريكية والغربية للحصول على أدق المعلومات عن مسرح العمليات وخاصة مع دول المواجهة مع إسرائيل، وبمجرد اكتشافها لنية قواتنا فى العبور سوف تبادر بتوجيه ضربة استباقية لإحباط عملية العبور، كما ستبادر بإعلان التعبئة العامة واستدعاء الإحتياطى الذى يحتاج لأكثر من يومين للانضمام للقوات العاملة والتدخل فى عملية القتال على الجبهات المختلفة.
كان ذلك كافيًا لكى يفكر صانعو القرار خارج الصندوق لتقديم أفضل الحلول لتوفير أسباب النصر، خاصة أن القوات المسلحة المصرية والسورية كان عليهما أن يخوضا غمار حرب ليس لهما فيها أى تفوق على العدو لا من حيث الكم ولا من حيث الكيف، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، كان إجمالى الطائرات المقاتلة فى كل من مصر وسورية لا يتعدى الخمسمائة طائرة فى نفس الوقت الذى تمتلك فيه إسرائيل أكثر من ذلك العدد أما من الناحية النوعية فإن الطائرة الإسرائيلية من طراز فانتوم -الطراز السائد- تعادل عدد أربع طائرات ميج- 21 الطراز السائد فى مصر وسوريا- أما أعداد الطيارين فإن الطائرة الإسرائيلية كان يتوفر لها 2: 3 طيار على العكس من مصر وسوريا التى لا تمتلك أكثر من طيار واحد لكل طائرة.
إن التفكير خارج الصندوق من جانب صانعى القرار لا يعنى مخالفة مبادئ الحرب أو البعد عنها وإهمالها كلها أو البعض منها.. فمبادئ الحرب لم تخط بالأقلام داخل المكاتب والقاعات ولكنها خُطت فى الصخر بدماء ملايين الضحايا والشهداء، وهى نتاج خبرات متراكمة عبر العصور، دفعت فيها البشرية أثمانًا لا تقدر بمال، الأمر الذى يفرض التمسك بتلك المبادئ والتشبث بها، فهى ثابتة لا تتغير مهما تغيرت الظروف أو الوسائل والمعدات، وكان العمل على تطبيق أهم وأخطر مبدأ فيها وهو الذى يحقق فرض الإرادة على العدو ويجعل لنا السبق واليد الطولى وإجبار العدو على أن تكون تصرفاته ردود أفعال لأفعالنا وهو المبادأة، لا يتأتى إلا بتحقيق المفاجأة ولما كانت المفاجأة لها أربعة عناصر رئيسية يتم مفاجأة العدو بها وهى الوقت غير المتوقع والمكان غير المتوقع والسلاح غير المتوقع وأخيرًا الأسلوب غير المتوقع، والمطلوب هو مفاجأة العدو بأحدها أو كلها أو بعض منها حتى نحرم العدو من الاستفادة من فترة إنذار تمكنه من تعبئة قواته الاحتياطية وتحرمه من توجيه ضربه استباقية لإحباط هجوم قواتنا، ولتوفير أفضل الظروف لنجاح عملية العبور وكذلك الأمر فى الجولان السورية بأقل خسائر ممكنة، ولم يكن إخفاء عناصر المفاجأة الأربعة أو بعضًا منها بالأمر الهين ولا الميسور، ولكنه أيضًا لم يكن مستحيلًا، وهو ما فكر فيه صانعو القرار حين قرروا إضافة ضلع خامس إلى أضلاع المفاجأة الأربعة وهو إخفاء النية وتضليل العدو وذلك بجعل العدو يرى تلك العناصر الأربعة وفى نفس الوقت يقتنع أنه لا نية لدى قواتنا للهجوم عليه.
فكانت خطة الخداع الإستراتيجى التى وضعتها بمنتهى المهارة والدقة مجموعة محدودة من خيرة ضباط القوات المسلحة وكتبتها بخط اليد مثل خطة العمليات واشتملت على أعمال وإجراءات كثيرة ومتنوعة فى مجالات مختلفة ومحددة لرسم صورة متكاملة -أمام العدو- لقواتنا على كلتا الجبهتين المصرية والسورية يستشف العدو منها ما يشاء من معلومات عدا أن قواتنا لديها النية لمهاجمته وتحرير الأرض.
ودارت عجلة التخطيط وبدأت بتخطيط مشروع تدريبى مشترك لكل أفرع القوات المسلحة والتشكيلات التعبوية (الجيوش والمناطق العسكرية)، وتحت ستر هذا المشروع الذى تديره القيادة العامة للقوات المسلحة تتحول القوات تحت التدريب فى المشروع إلى العمليات الحقيقية طبقًا لخطة العمليات.
وفعلًا صدرت التعليمات التدريبية بتنفيذ المشروع خلال الفترة من واحد إلى سبعة أكتوبر 1973، تماما كتلك التعليمات السابقة فى المشروعات المثيلة، وقد سبق لقواتنا القيام بمثل هذا التدريب فى النصف الأول من عام 1973، واضطرت إسرائيل وقتها إلى إعلان التعبئة الجزئية ووضع قواتها فى حالة استعداد عالية، ما كلفها الملايين من الدولارات. وقد أفادت التقارير فيما بعد أن تحليل المخابرات الإسرائيلية لهذا التدريب كان يؤكد أنه مجرد مناورة عادية لتدريب القوات.
أما عملية تعبئة القوات الاحتياطية واستدعاء الضباط الاحتياط والجنود المسرحين فإنه يعد مشكلة فى حد ذاتها خاصة إذا كانت عملية الاستدعاء سوف تتم لعدد كبير لا يمكن إخفاؤه، وإن هؤلاء المستدعين من كل بيت ومن كل شارع وحارة، سوف تعج بهم وسائل المواصلات المختلفة، وسوف يكونون حديث العالم قبل أن يكونوا حديث مصر كلها، وتصبح معلومة تقدم للعدو على صينية من ذهب دون عناء لذلك، لم تبذل القيادة جهدًا فى إخفائها وتركتها تبدو كمثيلاتها من مرات الاستدعاء السنوية بغرض التدريب أو الاشتراك فى المشروعات والمناورات التدريبية.
وإمعانًا فى الخداع تم تسريح عدة الآلاف من هذه القوات قبل الحرب بأيام قليلة بحجة انتهاء المناورة التى كانوا مستدعين للإشتراك فيها، وامتلأت بهم محطات القطارات والحافلات على مرأى ومسمع من الخارج قبل الداخل، ولكن ما لم يره ولا يسمعه أحد أن العناصر المستدعاة من قوات الاحتياط الذين تحتاج إليهم التشكيلات والوحدات ظلوا فى أماكنهم وتسلموا مهامهم القتالية وبقوا فى أعلى درجات الاستعداد.
كذلك لم يكن من الصعب إخفاء عملية نقل أحد اللواءات من مدينة الإسكندرية للانضمام إلى التجميع القتالى لقوات الجبهة، فتم ذلك بواسطة قطارات السكك الحديد بكل أفراده ومعداته، ولم تنس القيادة أن تحجز لهذا اللواء قطارًا لإعادته إلى الأسكندرية بداية من يوم 7 أكتوبر بعد انتهاء المناورة التى اشترك فيها.
ولم تخالف وزارة الحربية نهجها الذى تحافظ عليه فى تسيير رحلات عمرة إلى الحرمين الشريفين سنويًا بل حرصت على فتح باب العمرة للضباط والصف فى شهر رمضان من هذا العام، وتم نشر هذا الإعلان فى الصحف، وفعلًا تم تلقى الطلبات من الضباط والصف الراغبين فى ذلك، ولم ينتبه أحد أن موعد أول رحلة عمرة سيكون بعد يوم العاشر من رمضان. وتشاء إرادة الله أن تعلى من خطتنا دون عناء أو ترتيب فيطلب وزير دفاع دولة رومانيا زيارة مصر وتحدد لزيارته يوم الثامن من أكتوبر بطريقة طبيعية كما هو متبع فى مثل هذه الحالات، وكان من المناسب إعلان هذه الزيارة فى وسائل الإعلام، وإخطار الجهات التى سوف تشترك فى الزيارة، وتقوم باستقباله ووضع لها البرنامج كاملًا، وكان طبيعيًا أن تقوم رومانيا بإلغائها بعد نشوب الحرب.
عمل آخر كان يستدعى التحرك مبكرًا خارج الحدود المصرية ولا يحتمل التأخير، هو دفع عدد من القطع البحرية إلى منطقة مضيق باب المندب قبل يوم السادس من أكتوبر لكى تتعرض لخطوط مواصلات العدو، ولذلك تم الاتصال مبكرًا بإحدى الدول الأسيوية الصديقة لقبول استقبال هذه القطع البحرية للإصلاح فى ورشتها، وبعد أن تم الموافقة تم الاتصال بكل من السودان واليمن الجنوبية للحصول على موافقتهما على قيام مدمراتنا بزيارة ميناءى بورسودان وعدن زيارة ودية، وتم وضع برنامج الرحلة والزيارات بحيث توجد المدمرات فى مضيق باب المندب صباح يوم السادس من أكتوبر لتنفيذ مهمتها. كل ذلك تم ولم يعلم قائد هذه المدمرات بمهمته إلا عندما فتح مظروف «سرى للغاية»- كان يحمله معه- وفى التوقيت المحدد كان المضيق تحت سيطرة قواتنا، ولم يكن أمام إسرائيل إلا أن تقتنع أن تمسكها بشرم الشيخ لن يوفر الحماية لقطعها البحرية، لا فى خليج العقبة ولا فى مضايق تيران.
أما أخطر وأهم عمليات خداع حدثت فهى تلك التى قامت بها قواتنا الجوية لإجراء الفتح الاستراتيجى وهو ما كان ضروريًا ولازما لإعادة انتشار وتوزيع الطائرات فى أماكن تسمح لها بالطيران من أماكنها قبل تنفيذ الضربة والوصول إلى جميع الأهداف المعادية فى توقيت واحد لا لبس فيه.
وكان اكتشاف العدو لهذه العملية سوف يؤكد له بنسبة لا تقل عن 100٪ أنها سوف تقوم بتوجيه ضربة جوية للعدو خلال ساعات معدودة، ومن ثم ليس أمامه إلا القيام بتوجيه ضربه استباقية لإحباط عملياتنا الهجومية.
وقد نفذت قواتنا الجوية بكل رجالها وأطقمها عملية فتح استراتيجى غاية فى الدقة والسرية ولم يكتشفها العدو لا فى إسرائيل ولا فى الاستطلاع الأمريكى الذى يغطى الكرة الأرضية على مدى الساعة، وكل ما استطيع أن أبوح به عنها أنها كانت أقرب إلى ألاعيب شيحة -البسيطة جدًا، والمعقدة جدًا، والذكية جدًا جدًا.
أما كاتب هذه السطور.. فلا أنسى ولن أنسي، أننى فى أثناء وجودى داخل كابينة الهليكوبتر مى 8 التى تنقلنا إلى خلف خطوط العدو فى عمق سيناء، وكانت الشمس وقتها تخالف سيرنا مسرعة إلى الغروب، ونحن نحلق فوق مياه خليج السويس يوم السادس من أكتوبر، وبينما قائد الطائرة وأنا إلى جواره ندقق معًا النظر فى خط السير مال على أذنى الطيار المساعد، وكان فى نفس رتبتى ملازمًا أول، وسألنى « متى ستنتهى هذه المناورة؟ فلم أستطع أن أرد عليه إلا بابتسامة -ربما تكون هى الإجابة عن قائد الطائرة اللواء طيار صلاح عارف الآن وكان وقتها برتبة النقيب، الذى لم ينس أننى شددت على يده قبل أن أهبط من الهليكوبتر وأنا أقول له ««ترجعوا بألف سلامة».
والحمد لله، عادوا بألف سلامة، وعدت من مهمتى بعد 180يومًا ولم ألقه إلا بعد أكثر من 40 عامًا لنقول لبعضنا بعضًا «حمدا لله على السلامة».