لقد أصاب الرئيس السيسى كبد الحقيقة حين أعاد التأكيد على أن الإعلام والدراما يمكن أن يبعثا برسائل إيجابية للمجتمع بشكل أكثر فاعلية من الحوارات المغلقة، والسؤال: أى دراما وأى إعلام يمكنه التأثير فى عقول الناس ووجدانهم.. والسؤال بصيغة أكثر تحديدًا: هل يمكن للإعلام والدراما بصورتهما الحالية فى مصر أن ينقلا للجمهور رسائل الرئيس كما ينبغي..؟! .. وإذا توفر التأثير فكم قناة وكم مذيعاً وكم عملاً دراميًا يلتف حوله الناس، ويصدقونه ولا يضطرون لإدارة الريموت عنه؛ بحثًا عن مصادر أخرى تشبع رغباتهم فى المعرفة وكم برنامجًا أو مسلسلاً يمتلك صناعه الرؤية والقدرة على صياغة العقل والوجدان برسائل وطنية تنويرية تجيب عما يجول بخاطر الناس فى اللحظات الحرجة.. وبأى رؤية يعمل إعلامنا.
أهم ما نحتاجه اليوم تعزيز تماسك جبهتنا الداخلية فى إقليم شديد الاضطراب جيو سياسيًا بدرجة غير مسبوقة؛ فحدودنا الإستراتيجية لا تكاد تسلم من ذلك التوتر والصراع والحروب التى تأثرنا بها ولا نزال؛ اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا؛ الأمر الذى يستلزم الوعى الشعبى بخطورة التحديات، وخطورة الاستسلام لحرب الشائعات التى تسعى لتوهين الروح المعنوية ليس لشعبنا وحده بل لشعوب الأمة بأسرها فى منعطف بالغ الخطورة للصراع العربى الإسرائيلي..!!
الإعلام مصدر للأخبار، ووسيلة للترفيه والمتعة والتسلية يسعى لتخفيف حدة الضغوط لكنه يحمل فى طياته رسائل إقناع؛ ولا يقنع إلا المقنع، وهو حلقة وصل تربط الأفراد بعضهم ببعض داخل المجتمع وتربط الأفراد بالدولة أيضاً كما يقدم المعرفة والعلوم والثقافة لصناعة نهضة وحراك مجتمعى يقود إلى النشاط والتفاعل الإيجابى والصحوة.
هذا الإعلام هو رأس الحربة فى كل معركة، فإذا نجح فى تمهيد الأرض للمعركة تحقق النصر، وهو نصر لا يتحقق إلا برؤية صائبة متكاملة يصنعها ذوو حس سياسى وعمق تاريخى وقدرة على قراءة المستقبل والتفاعل مع معطيات الحاضر ومتغيراته، رؤية تعصمه من الوقوع فى شراك أصحاب المال والأجندات وهنا نتفق مع ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى ذات يوم فى افتتاح أحد المشروعات المهمة فى حضور الإعلاميين والصحفيين حيث قال بوضوح: «مستعد أوفر الرؤية الواضحة لأى حد، ولو فيه مشكلات نشوف الموجود مع المشكلة والمختص ونتحرك فيها» ثم وجّه حديثه للإعلاميين «مش مطلوب إن حد يتكلم بشكل إيجابى علشان يدعم حد، عاوزك تشوف الحقيقة وتقولها للناس. فإن بناء فهم حقيقى لقدراتنا وتحدياتنا سيجعل المواطن الموجود فى الشارع مستعد يتحمل، وتتكون حصانة ومناعة لدى الناس من الحراك ده.. نحن كمسئولين نتكلم بالصدق.. والإعلاميون يتكلمون بالفهم».
الإعلام – كما تعلمنا فى كلية الإعلام – رقيب وهو عين الشعب على الحكومة والبرلمان وهو أحد أدوات الشفافية فى الدول المدنية الحديثة، يتعقب الفساد والمفسدين.. يتناول قضايا الناس والأمة وأحوال المواطن وهمومه وطموحاته بأمانة وحياد؛ بهدف التنبيه لمواطن القصور وسوء الأداء وبناء وعى حضارى بحركة الحياة والتاريخ وأولويات الأمة فى خضم الصراعات والحروب وتنازع المصالح.. يشبع حاجة الجمهور للمعرفة الجادة الرصينة عبر تقديم ما يحتاجه وينفعه ليكتمل به رشده وتهتدى به بصيرته.
والسؤال: متى يكون الإعلام والدراما قوياً ومؤثراً؟.. والجواب: إذا شعر المواطن أنه يعمل لصالحه، ويتبنى أولوياته مجتمعه وقضاياه الحقيقية فى التنمية وسباق التقدم.. ويغوص فى همومه ويستشعر آلامه ويشاركه أحلامه وتطلعاته، ويخفف عنه متاعبه، ويضع مطالبه وطموحاته فى بؤرة الضوء وبين يدى أصحاب القرار.. بلا تهويل ولا تهوين ولا استسلام لغواية مواقع التنابذ أو الاشتباك الاجتماعى كفيسبوك وتويتر وغيرهما من منصات ومواقع إلكترونية.
الإعلام يؤثر على طريقة تفكير الإنسان وينمى شعوره الوطنى ويسهم بدور مشهود فى ترسيخ الثقة بمؤسسات الدولة لدى مواطنيها بشرط أن يؤدى رسالته باحترافية ورؤية موضوعية تحترم عقل الجمهور وتشاركه أولوياته ويمكنه بدرجة ما أن يتبنى سياسات الحكومة – أى حكومة – شريطة أن ينتهج أسلوباً عقلانياً وعلمياً يضع بين يديه حقائق وبراهين لا يأتيها التشكيك من بين يديها ولا من خلفها.
الإعلام يمكنه خلق حالة حوار مجتمعى عالمى بتغطية الأحداث التى تقع هنا أو هناك فى مختلف بلدان العالم، وقد يخلق نفوراً وغصة فى الحلق كما فعل بنا الإعلام الغربى حين ينشر افتراءات وأكاذيب إسرائيل فى حربها على غزة ولبنان..!!
ولست أرى أن من وظيفة الإعلام والدراما تحقيق الربح والمكاسب المادية؛ ومن ثم فإن دعمهما ماديًا ومعنويًا من أهم واجبات الدولة؛ إذ لا يصح ترك تشكيل الرأى العام ووعى الأجيال وانتماءاتها وقناعاته لمعادلة الربح والخسارة؛ فالصحافة عموماً والصحف القومية خصوصًا، وهى من أهم أدوات تشكيل العقل والوجدان؛ تحتاج أكثر من أى وقت مضي، إلى دعم غير محدود للتطوير ومواكبة العصر واستثمار الأصول وتنميتها؛ بشرًا وحجرًا، للعودة لسابق مجدها فى الحفاظ على الوعى وصون الرأى العام وهو ما تبذل الهيئة الوطنية للصحافة جهداً كبيراً فى سبيل تطبيقه دعما لرسالة الصحافة ودورها.
ونفس الأمر ينطبق على ماسبيرو وقنواته التليفزيونية وكوادره فى حاجة لدعم مماثل لدفعه على طريق التطوير والتأثير، اتساقًا مع تراثه وأرشيفه الثرى والمتنوع والرائد الذى ترك بصمة لا تنسى فى أجيال كثيرة فى الوطن العربى كله وقد حدث هذا مع القناة الأولى لكن يستحق يتكرر مع باقى القنوات.
وإذا كنا فى منطقة تشتعل بنار الحروب التى لا نعرف متى تضع أوزارها ولا ندرى نتائجها وتداعياتها النهائية على الشعوب والدول وموازين القوى الجديدة.. وهو ما يجعل حاجتنا لتطوير الإعلام والدراما أهم أولويات الوقت للدولة؛
وهو ما حدث بالفعل فى تجربة الشركة المتحدة وحقق نتائج مهمة.. وقدم رسالة مؤثرة مثلما حدث مع القاهرة الاخبارية والدراما التى تبنى الوعي.. فلا صوت يعلو على تحصين الجبهة الداخلية فى وجه العواصف وحروب الشائعات التى لا يكف أعداؤنا عن إشعالها وافتعالها فى كل حين، وهو ما يتطلب إعادة تقييم من بعض القنوات الخاصة لما يقدم على الشاشات من برامج ومسلسلات، وتخير الوجوه الإعلامية التى يمكنها توصيل رسائل الدولة بصورة صحيحة تحقق الوعى وتحظى بالثقة والتقدير، وليتنا وأن نستلهم دروس التاريخ وعبره؛ وخصوصًا تجارب النجاح والنصر التى تهل نسائمها فى هذه الأيام التى تذكرنا بأمجاد أكتوبر وانتصارات وتضحياتها التى أراها مادة إعلامية ودرامية خصبة وقوية ومشوقة وجذابة ومؤثرة تصلح للبناء عليها وإنتاج أعمال درامية ووثائقية جديدة تتبنى روح أكتوبر وتستنهض الهمم لدى أجيال جديدة لم تعش لحظات النصر وحلاوته وعظمة التضحيات ومرارتها.. هذه نقطة بداية تستلزم البحث فى أرشيف ماسبيرو لإعادة تقديم أعمال درامية ووثائقية وحوارية مع أبطال النصر لم تسبق إذاعتها أو أذيعت لكنها لم تحظ بمشاهدة كافية تجعلها تلتصق بذاكرة الأجيال الحاضرة وقناة الوثائقية قادرة بامكاناتها ان تفعل ذلك، فهى تنقذه باحترافية ويمكن ان تضاعف من هذا الحوار..!
إن كل لحظة فى حرب أكتوبر تصلح قصة إنسانية لأعمال درامية شديدة التأثير فى الوجدان الشعبي، ويمكنها أن تصنع وعيًا حقيقيًا بتاريخ الأمة فى لحظة فارقة تستلزم استلهام روح النصر فى حرب كانت معجزة بكل مقاييس البشر.. وليتنا نستعيد معها جملة قوية قالها الرئيس السيسى ذات يوم فى ذكرى العبور العظيم: «الجيش المصرى اللى هزم إسرائيل مرة قادر يعملها كل مرة».. صدقونى نحن أشد ما نكون لابتعاث تلك الروح.. ولهذا مقال آخر.