احتفلنا الشهر الماضى بتخرج حفيدى الأكبر.. حمزة.. من كلية للطب الرياضي.. والتى اختارته ليقوم بإلقاء كلمة التخرج نيابة عن الطلبة.. بدأ حمزة الكلمة بقوله إنه مصرى وابن مصري.. ثم ارتجل بقية حديثه ولمدة خمس دقائق كاملة.. انبهر كل الحضور بما قاله.. فصفقوا طويلاً وتعالت صيحات الاستحسان منهم.. انتابتنى سعادة غامرة وأنا أشاهد تسجيلا للحفل.. ودمعت عيناي.. الأحفاد بالنسبة للأجداد هم سعادة وإشراق الدنيا بأكملها.. ومرت بخاطرى لحظات السرور التى عشتها وأنا أرى حفيدى الغالى ينمو ويكبر ويتألق.. تذكرت يوم أن كان فى سن الخامسة.. وسافرت إليهم بعد رحلة إلى إحدى البلدان التى لها طابع خاص.. وأحضرت له هدية عبارة عن رمزا مألوف لتلك البلد.. فرح بها كثيراً.. ووجدته يضعها فى شنطة مدرسته.. وقال.. هذه تصلح تماماً ليوم الجمعة القادم.. سألت ابنتى وماذا يحدث يوم الجمعة القادم.. قالت.. إن الدور عليه فى المدرسة لأن «يحضر معه.. ويتحدث».. كل طالب عليه أن يحضر أى شيء معه إلى المدرسة فى اليوم المخصص له.. ويقوم بالحديث عن هذا الشيء وكل ما يتعلق به لباقى الطلبة.. وهم يناقشونه ويسألونه.. وطلبت منها أن تستأذن المدرسة أن أحضر يوم الجمعة أثناء عرض حمزة للهدية.. وجدته يتكلم عن البلد.. وعن الهدية.. وعني.. والطلبة الصغار يسألوه.. ويجاوب ويحاور.. أطفال عمرهم 5 سنوات.. وكأنى ذهبت إلى كوكب آخر.. وللعلم فكل من كان يعمل فى هذه المدرسة كانوا من المصريين بدأ من المديرة وحتى عاملة البوفيه التى أحضرت لى فنجانا من قهوتنا الجميلة.. مديرة المدرسة قالت لى إن ما شاهدته هو جزء من برنامج متصل ومتواصل لاكساب الطلبة المهارات الحياتية.. كيف يتعامل مع متطلبات الحياة وكيف يواجه المشاكل والأزمات.. كيف يتخذ القرار السليم.. والذى يتناسب مع قيمه وتراثه.. كيف يتعامل مع الآخرين ويعبر عن نفسه ويتفاوض.. اكتساب الصورة الذاتية الإيجابية هى أيضاً من أهم ما يعود على الصغار عند اكتساب المهارات الحياتية والتى تمثل بلا شك العامل الأساسى للثقة بالنفس والانخراط فى العمل الجماعى والمجتمعى والتمتع بعلاقات سليمة مع الآخرين ومع الجنس الآخر.
حمزة استكمل تعليمه فى المنزل.. لم يذهب إلى أى مدرسة بعد المدرسة المصرية.. كما فعل أخوه طالب كلية طب الأسنان واخته طالبة فى كلية الفنون التراثية.. مثل 3,7 مليون طالب وطالبة آخرين فى الولايات المتحدة الأمريكية.. لم يذهبوا إلى المدارس ولكن والديهم حرصوا على إلحاقهم بالأنشطة التربوية والاجتماعية والرياضية والترفيهية التى تنظمها رابطة «المتعلمين من المنازل».
لقد أصبح من السهل الآن الحصول على المعلومة والتعلم والمعرفة من مصادر كثيرة متاحة للجميع فى كل مكان وفى كل وقت.. وقد ثبت أيضاً أن التعلم عن طريق البحث عن المعلومة هو أكثر وأطول أثراً عن التلقين أو المحاضرة أو الحفظ. لذلك نجد أن المؤسسات التعليمية المتقدمة تحرص على تطبيق أسلوب التعلم النشط أو بالمشاركة فى مدارسها.. أما إذا تحدثنا عن الشق الآخر.. والأهم.. من وظيفة المدرسة وهو التربية وبناء الإنسان عن طريق اكتساب المهارات الحياتية والتثقيف الصحى وتحفيز ممارسة النشاط البدنى واتباع أسلوب حياة صحى وتشجيع العمل الجماعى والمشاركة المجتمعية.
نحن بدأنا مبادرة «بداية».. ندعو لها بالتوفيق إن شاء الله.. فنحن فى احتياج ماس وضرورى من أجل الارتقاء بالمستوى الحضاري.