وفى سلسلة مقالاتنا واحاديثنا عن الانتصارات فى حرب الكرامة لتحرير الارض.. حرب اكتوبر التى أعادت إلينا احاديث الزهو والفخار فإننا نعيد قراءة التاريخ لنستلهم منه العظات والعبر.. نعيد استرجاع ذاكرة الايام التى كان فيها العالم يتابع ويراقب ويعجز عن اللحاق بالخطوات الواثقة المفاجئة سريعة الاندفاع لابن مصر وبطل العبور وقائدها فى اصعب المراحل محمد انور السادات الذى وقف يطمئننا ويزف إلينا الانتصار فى كلمته امام مجلس الشعب يوم الثلاثاء 16 اكتوبر من عام 1973 ليقول إن هذا الوطن يستطيع أن يطمئن ويأمن بعد خوف وأنه قد اصبح له درع وسيف.
وفى الخطاب نفسه كان السادات العظيم يوجه تحذيرا لاسرائيل عليهم ان يتذكروا ما قلته يوما ومازلت اقول: العين بالعين والسن بالسن والعنف بالعنف.
وادركنا اننا قد انتصرنا..واننا قد عبرنا وان جيش مصر العظيم اصبحت له الكلمة.. وأن القرار قرارنا.. والأرض أرضنا وسيناء عادت إلينا.
>>>
ولأن أنور السادات ولأنه العقل الذى كان مستوعبا لمجريات التاريخ.. ولأنه كان مدركا ان الحرب ليست على ارض اسرائيل وحدها، بل هى حرب مع امريكا.. وحرب مع الدول الاوروبية التى تساند اسرائيل فى مواجهة العرب الذين يتربصون بها.. وحرب ستظل عائقا أمام التنمية وتمثل استنزافا لكل الموارد.. وحرب ستظل معها قناة السويس مغلقة ومدن القناة مدمرة وسكانها خارج محافظاتهم وقراهم، فإن السادات الذى فاجأ العالم بقرار العبور والحرب اعاد مفاجأة العالم واصابه بالشلل والذهول عندما وقف مرة اخرى بعد سنوات من حرب اكتوبر وفى التاسع من نوفمبر عام 1977 ليقول »ستندهش إسرائيل حينما تسمعنى اقول الآن اننى مستعد إلى أن أذهب إلى بيتهم إلى الكنيست ذاته..«!!
>>>
ولــم يكــن ما قــاله السادات حلما من الاحلام.. فالرئيس الشجاع ذو الملامح الفرعونية التى تحكى وتعكس العظمة والمجد.. الرئيس الذى كانت خطواته تسابق الزمن.. الرئيس الذى اذاق اسرائيل مرارة الهزيمة.. الرئيس الاسطورى فى 19 نوفمبر 1977 كان يهبط بطائرته فى مطار بن جوريون فى اسرائيل يقود هجوما جديدا للسلام.. السلام من منطلق القوة..سلام الاقوياء.. سلام الشجعان.. رئيسنا.. رئيس مصر كان يسير على ارض مطار بن جوريون واثق الخطى يمشى ملكا.. كان بابتسامته الساحرة وخطواته العسكرية يستولى على قلوب العالم ويجبر الجميع على احترامه والثقة به، كان يعيد تذكير اسرائيل بقوة وعظمة مصر فى شخص رئيسها وابنها الذى جاء يعلن الانتصار امام الكنيست الهيئة التشريعية لإسرائيل.
ونعيد التذكير بفقرات من اهم واعظم خطاب القاه الرئيس السادات.. خطاب السلام امام الاسرائيليين الذين كانوا فى حالة حرب لم تنته مع مصر.. وقف السادات ليقول قد جئت إليكم اليوم على قدمين ثابتتين لكى نبنى حياة جديدة لكى نقيم السلام وكلنا على هذه الارض، ارض الله كلنا مسلمون ومسيحيون ويهود، نعبد الله ولا نشرك به أحدا، وتعاليم الله ووصاياه هى حب وصدق وطهارة وسلام.
وواصل السادات حديثه الذى كان درسا بليغا بكل العبارات التى حملت ايضا تهديدا مبطنا بامكانية العودة للقتال إذا ما فشل السلام بكل صراحة وبالروح التى حدت بى على القدوم اليكم اليوم، فإننى اقول لكم ان عليكم التخلى نهائيا عن احلام الغزو وان تتخلوا ايضا عن الاعتقاد بأن القوة هى خير وسيلة للتعامل مع العرب.. ان عليكم ان تستوعبوا جيدا دروس المواجهة بيننا وبينكم فإن ارضنا لا تقبل المساومة وليست عرضة للجدل.
وسادات مصر الذى كان واقعيا فى ادراكه لحقائق الموقف وجه ايضا رسالة طمأنينة لإسرائيل قائلاً تريدون أن تعيشوا معنا فى هذا الجزء من العالم.. بكل اخلاص اقول لكم اهلا بكم بيننا بأمن وأمان كاملين.
كان السادات يدرك أن السلام ليس هدفا تريده إسرائيل وتبحث عنه.. كان السادات مدركا ان اكبر خطر على اسرائيل هو السلام لأنه سوف يفجر صراعات الداخل وسيهدم اساسيات قيام اسرائيل التى تستفيد وتنمو على العداء مع العرب وعلى اقناع وخداع العالم بأنها محاطة بالأعداء من كل جانب.. كان السادات المدرك للخطاب الدعائى الإسرائيلى راغبا فى ان يكون السلام هو المدخل لوضع حد لآلة الحرب والغرور الاسرائيلي.. كان السادات يقرأ ما الذى تفعله اسرائيل اليوم عندما استطاعت شراء الصمت العالمى على مذابحها وجرائمها فى غزة بزعم انها تحارب منظمات ارهابية فى غزة وفى جنوب لبنان!!
>>>
ونجح السادات فى معركة السلام.. نجح فى استعادة الارض المصرية وفى اعادة افتتاح قناة السويس للملاحة الدولية.. وفى اعادة تعمير مدن القناة وعودة سكانها إليها.. نجح فى التوصل إلى معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل فى مارس من عام 1979.
ولانه اصبح يمثل خطرا على امريكا.. ولان كلمته اصبحت مسموعة فى العالم ولانه بدأ يعيد ترتيب اوراق المنطقة بدور جديد لمصر وشراكة استراتيجية متكافئة مع الشريك الامريكي.. ولأنه اصبح يطالب بحقه فى هذه الشراكة ولانه يمثل وجودا عقلانيا مخيفا فى متغيرات الفكر العربى فإنهم وجدوا ان عليهم ان يضعوا النهاية التى تعرقل الانطلاق والخروج عن المسار.. اخترقوا الجماعات المتطرفه.. ودفعوها إلى اطلاق الرصاص على الرجل الذى جلس مزهوا فى العرض العسكرى فى السادس من اكتوبر 1981 ليغتالوا السادات الذى حارب فانتصر ثم سعى للسلام فقتل.
وحين نعيد اليوم ذاكرة التاريخ إلى الاذهان فإننا نكتب للحق والانصاف وفقا لرؤية شخصية تنبع من حب وانتماء عميق لهذا الوطن وللذين اخلصوا من اجله والذين قدموا ارواحهم فداء له.. اكتب تحية إلى الشهيد محمد انور السادات الذى لو استمعوا إليه ولو استجابوا لدعوته بأن يذهبوا معه للتفاوض من اجل السلام الشامل.. ومن اجل الدولة الفلسطينية المستقلة لما كان هذا هو حالنا الآن!! سادات مصر.. عاش من اجل السلام ومات من اجل المبادئ.
>>>
وأخيرا:
لا تنطفييء فلنا فى الخيال حياة..
ولنا مع الحياة بقايا أمل
>>>
وفى القلب كما فى الارض يزهر ما نعتنى به
>>>
ومن المريح ان ترى نفسك شخصا بسيطا لا تحتاج ان تبهر الاخرين
>>>
وعندما أكون متأكدا اننى لم أخطأ فى حقك لا يهمنى إذا لم تتحدث للأبد