سنوات طويلة قضتها الحكومة فى المفاضلة بين الدعم النقدى والعينى حتى حانت اللحظة الفارقة لوضع حد لآلية مساندة محدودى الدخل لضمان وصول الدعم لمستحقيه.
حاولت الحكومة قبل الطرح الأخير فى تحويل الدعم العينى إلى نقدى من خلال برنامج الدعم النقدى المشروط الذى اطلقته
فى 2015 واعتبره الخبراء جزءا من نظام اصلاح شامل يهدف لتحسين الحماية الاجتماعية
ووصول الدعم للفئات المستحقة والأسر الأولى بالرعاية.
تعالت الأصوات المطالبة بوضع شروط لتلقى الدعم النقدى لضمان إلزامهم بانفاقه على أسرهم وربط الحصول عليه بالتزامات تعليمية وصحية وغذائية واحكام الرقابة بشكل دقيق عليهم.
لكن هناك أصواتًا أخرى طالبت الحكومة بوضع آلية جديدة لتوفير السلع بأسعار مناسبة والحفاظ على القدرة الشرائية للاحتياجات المعيشية وتأمين قدرة المواطن البسيط على الحصول عليها بما يسهم فى تقليل نسب الفقر.
مجلس أمناء الحوار الوطنى بدأ أمس مناقشة، الترتيبات الخاصة بجلسات قضية الدعم العينى والنقدي، على نطاق واسع يضمن مشاركة جميع المعنيين من خبراء ومتخصصين ومؤسسات تنفيذية ومجتمعية، وتلبية احتياجات المواطن الأساسية فى ظل التغيرات الاقتصادية الحالية.
مناقشات الحوار الوطنى سترسم للحكومة الطريق الأفضل للدعم، لكن الواضح أن هناك شبه إجماع بين خبراء ورجال الاقتصاد المتخصصون على أن الدعم النقدى هو الأفضل، أولاً لحماية المستحقين، وثانياً لوقف الفساد الذى كان يظهر فى الدعم العيني، لكنهم فى الوقت نفسه مطالبون بوضع ضوابط تضمن نجاح التجربة.
خطوة ضرورية.. وزراء سابقون يؤكدون أهمية « النقدى»
عبد الخالق: مساندة الفقراء ضرورة اقتصادية وإستراتيجية
كتب – محمد غريب :
وزراء التموين السابقون يرون أن تحول الحكومة من الدعم العينى إلى النقدى خطوة ضرورية كان يجب أن تتحقق منذ سنوات لضمان وصول المساعدات لمستحقيها وتخفيف العبء عن كاهل المواطنين. هذا التحول، حسب رأيهم، ليس مجرد تغيير شكلي، بل يحمل فى طياته الكثير من الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية.
أشار الوزراء إلى أن الدعم ليس ظاهرة خاصة بمصر بل هو ممارسة شائعة فى العديد من الدول لأن وجود الفقر يجعل الدعم ضرورة ملحة. كما أبدوا تأييدهم لاستمرار الدولة فى توفير المساعدات للشرائح الأكثر احتياجاً.
الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التضامن الاجتماعى الأسبق دعا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات إضافية لمواجهة ارتفاع الأسعار وكبح التضخم.
وأوضح أن هذه الإجراءات تمثل ضرورة لتخفيف الأعباء عن المواطنين وتحسين قدرتهم الشرائية.
أشار«عبد الخالق» إلى أن الدعم العينى كان يحمل الدولة عبئاً كبيراً، بينما يعتمد الدعم النقدى على تقديم مبالغ مباشرة للفئات الاجتماعية المحتاجة وفى هذا السياق، يجب على الحكومة أولاً عمل حصر دقيق بالمستحقين وكذلك البحث عن موارد بديلة لتمويل هذا الدعم، مثل فرض الضرائب.
أكد «عبد الخالق» أن دعم الفقراء لا يتسبب فى عجز الموازنة، لأن إجمالى دعم السلع التموينية يمثل أقل من 3.5 ٪ من إجمالى المصروفات. كما أشار إلى أن التحول إلى نظام الدعم النقدى بدأ بالفعل منذ عام 2014.
وشدد وزير التضامن الأسبق، على ضرورة مراجعة سياسات الدعم الحالية لضمان وصول المساعدات لمستحقيها، وليس لغير المستحقين مع التأكيد على أهمية اتخاذ خطوات عملية لمكافحة الغلاء وضبط الأسعار لأن هذا جزء من دعم محدودى الدخل.
الدكتور محمد أبو شادى وزير التموين الأسبق يرى ان الدعم النقدى مطبق نسبياً مع البطاقة التموينية الحالية، والتى تعد إحدى الأدوات المهمة التى تتيح للمواطنين الوصول إلى السلع بأسعار مدعومة.
مشيرا إلى ان الدعم النقدى وسيلة مهمة وناجحة فى الدعم المباشر للمستحقين.
وأوضح، أن توسيع نطاق هذا النظام وتحسين فعاليته يعد أمراً ضرورياً لضمان توفير احتياجات المواطنين بشكل أفضل ويبرز هنا دور الشركة القابضة للصناعات الغذائية، التى تنتج العديد من السلع الأساسية.
ونوه «أبو شادي»، الى تحكم الشركة القابضة فى عدة قطاعات حيوية، مثل صناعة السكر والزيوت والأرز، مطالبا بضرورة العمل لتعزيز انتاج الشركة من السلع الاساسية لتوفير احتياجات المواطنين وفى حالة عدم قدرتها بالوفاء بكافة المتطلبات تقوم بالتعاقد المباشر مع العديد من المنتجين.
واكد وزير التموين الأسبق على إمكانية توفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة من خلال استغلال الطاقات الإنتاجية المتاحة، حيث أظهرت التجارب السابقة إمكانية تحقيق تقدم ملموس فى هذا المجال.
لتحقيق استقرار السوق، يرى «أبو شادي» ضرورة إعادة النظر فى كيفية عمل الشركات الحكومية وتفعيل دورها فى التعاقد مع الفلاحين. مع التركيز على زيادة الإنتاج، مما سيساعد فى خفض الأسعار وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين.
وقال، أن الشركات الحكومية تركت المجال للقطاع الخاص، الذى تمكن من السيطرة على الأسعار والمعروض من المنتجات والسلع فى الاسواق، وعلى الرغم من أن الشركة القابضة تسيطر على 90 ٪ من إنتاج السكر، إلا أن القطاع الخاص هو الذى يتحكم فى الأسعار، مما يؤثر سلباً على المستهلكين، مؤكداً أهمية وجود تنسيق بين الحكومة والقطاع الخاص لضمان استدامة الإنتاج وتوفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة.
المواطنون : يمنحنا حرية الاختيار
كتبت – صفاء محمود :
قامت «الجمهورية» بعمل استفتاء ورصد لآراء المواطنين فى شكل الدعم الافضل لهم هل يتناسب معهم الدعم النقدى الذى يمنحهم حرية الاختيار أم الدعم العينى الذى يوفر سلع محدودة والسبب لاختيار اى منهما.
جمالات مدبولي– عاملة من الجمالية ترى تحويل السلع الى نقدى يجيب أن يراعى فيه أن يواكب ارتفاع الاسعار المستمر للسلع لإن التجار يقومون باستغلال ذلك ويرفعون قيمة السلعة الضعف فعندما نذهب للحصول على التموين السلع لا يكفى الـ50 والـ100 جنيه للفرد شراء ما يحتاجه مراقبة التجار لخفض اسعار السلع ضرورية داخل مكاتب التموين
حمدى علي– موظف يقول انا لا أملك بطاقة تموينية واضطر لشراء رغيف العيش يوميا بجنيه من الأفران المدعمة وأطالب بالنظر الى المواطنين الذين لا يتمتعون بالدعم فأطالب ان كان الدعم سيتحول إلى نقدى على الاقل توفير وجبة كاملة به ليستطيع المواطن شراء كل متطلبات الوجبة
أما منى علي– ربة منزل فترى ان الدمج بين الدعم العينى والدعم النقدى هو الخيار الافضل لأننا نستطيع خلاله شراء وتلبية احتياجتنا الاساسية.
الحاج خالد محمد علي– 57 سنة من ديروط بمحافظة أسيوط يقول أنا أرزقى اعمل اليوم بيومه فأنا من العمالة غير المنتظمة وافضل الدعم النقدى لأكمل عليه واشترى متطلبات أسرتى فالدعم النقدى الافضل الان لشراء ما يحتاجة بيتى من المستلزمات لكن العينى سيكون سلعة اجبارية ويمكن توزيعها أو تبديلها مع اخرين لاخذ البديل وأطالب ان الدعم النقدى يزيد بما يواكب ارتفاع الاسعار الان لسد احتياجتنا.
حمدى أحمد 60 سنة– مدرس بالتربية والتعليم يرى ان الدعم النقدى أفضل ولكن قبل تطبيقه يجب ان يدرس جيدا حتى تحدد الحكومة من هم مستحقوه عن طريق المرتبات ومستلزماته حتى يأخذ فى الحسبان استهلاكه بالكهرباء واستخدامه اى نوع من البنزين والمنطقة السكنية ورفهيتها حتى يتم اعطاء الدعم لمن يستحق ولكن بمبلغ يساعده على شراء احتياجاته.
سناء عثمان – ربة منزل ان هناك بعضا من المواطنين يقومون ببيع بطاقات التموين وخاصة نقاط العيش لصاحب المخبز فنجد عنده العديد والكثير من البطاقات يقوم بشراء العيش من خلالها واعطائهم نقودا فهم يرون أن أصحاب البطاقات لا يحتاجون لكل هذا الخبز وان احتياجهم للنقود أفضل لشراء ما يحتاجونه من أساسيات أخرى فأرى ان الدعم النقدى أفضل.
حسان الخضري– محام يفضل الدعم العينى لأن السلع تكون تكملة وجبة فى اليوم اى تساعدنا على الأقل خمسة أيام فى الشهر ولكن أتمنى ان تزيد الحصة التموينية لتساعدنا فى اكمال أيام اضافية بالشهر خاصة ان هذة السلع خارج مكاتب التموين تكون بالسعر الحر.
فتحى علي– بائع من محافظة أسيوط لايفضل الدعم العينى ويقول نحن فى امس الحاجة اليها لأنها «نوايا تسند الزير» على حد قوله فالبيع والشراء ليس بحالته بسبب الازمات الاقتصادية المتكررة.
.. والاقتصاديون
مصلحة المواطن والعدالة الاجتماعية هى الأساس
خبراء الاقتصاد، يتجهون إلى الدعم النقدى ولكنهم يجمعون أيضا على أهمية مراعاة الحكومة مع تطبيق الدعم النقدي، تحقيق التوازن فى آليات الصرف ووضع مبالغ تتناسب مع الأوضاع الحالية، والتأكد من كفاية الدعم لمواجهة التحديات الاقتصادية للمساهمة فى دعم محدودى الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية.
وطالبوا بضرورة تحديث قاعدة البيانات الحالية لتحديد قائمة المستفيدين من الفئات المستحقة، مع ضرورة تطبيق آليات رقابية صارمة لمنع التلاعب من قبل التجار، إضافة الى ضمان استخدامه للغرض المخصص له وعدم استخدامه لأغراض أخري.
الدكتور خالد الشافعى رئيس مركز العاصمة للدراسات الخبير الاقتصادي، يقول ان تطبيق مبدأ العدالة فيما يتعلق بالدعم النقدى يتطلب من الحكومة، التحقق من قيمة السلع الأساسية والاستراتيجية التى تنفقها الاسرة المصرية خاصة الاسر محدودة الدخل.
واكد «الشافعي» أهمية أن يكافئ الدعم الذى سيمنح للمواطنين قيمة هذه السلع شهرياً ويحقق العدالة والمنطقية للفئات المستحقة مع خروج الفئات غير المستحقة من منظومة الدعم.
ولفت «الشافعي»، الى ضرورة الحفاظ على القوة الشرائية للاحتياجات المعيشية الأساسية للمواطن والعمل على تأمين قدراته فى الحصول عليها بما يساهم فى تقليل نسب الفقر.
مضيفا أن الحكومة إذا استطاعت تحقيق هذه المعادلة فسيكتب للمنظومة الجديدة النجاح فى الوصول الى أهدافها وتحقيق تغيير جوهرى.
الخبير الاقتصادى د.سيد خضر، يصف اتجاه مصر إلى إعادة هيكلة نظام الدعم العينى واستبداله بالدعم النقدي، بأنه يهدف الى تحسين مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية، فى ظل تزايد التحديات الاقتصادية والاجتماعية فى العالم، والتى زادت من الأعباء الإضافية على المواطنين.
ويرى «خضر» أن الدعم النقدي، سيعمل على تحسين دخول الأسر الفقيرة لتمكينها من تلبية احتياجاتها الأساسية، وتعزيز الاستقرار الاجتماعى من خلال تقليل التفاوتات الاجتماعية وزيادة الشعور بالعدالة، بالإضافة الى تمكين الأفراد ومنحهم الفرصة للمشاركة فى الأنشطة الاقتصادية، بجانب تحفيز الاقتصاد زيادة الطلب الكلى من خلال الإنفاق على السلع والخدمات.
وفى المقابل لفت «خضر» الى التحديات التى تواجه تطبيق النظام الجديد ومن أبرزها تحديد الفئات المستحقة والذى يتطلب وجود نظام فعال لجمع البيانات، بجانب الفساد الإدارى والذى يتطلب تطبيق آليات رقابية صارمة، إضافة الى التأكد من كفاية الدعم لمواجهة التحديات الاقتصادية , والتخوفات من استخدامه فى أغراض غير مخصصة.
فيما يرى الدكتور وليد مدبولى خبير التخطيط وادارة المشروعات، أن الدعم النقدى سيكون مفيدا للدولة، نظراً لتمتعه بكفاءة ومرونة فى وصوله للفئات المستهدفة، والحد من الازمات التى تواجههم.
كما أن هذه المنظومة تصب فى مصلحة المواطن خاصة وأنها ستتدارك كافة المشاكل السابقة من خلال ضمان قيمة محددة تلبى احتياجات المواطن الشهرية من السلع الأساسية أو الخدمات مع الغاء الحلقات الوسيطة.
وتوقع «مدبولي» لجوء الدولة إلى قاعدة البيانات الحالية فى تحديد قائمة المستفيدين.
..والخــــبراء
مواكبة معدلات التضخم..المعيار الأفضل
كتبت – منى الشيخ :
ياسر عمر وكيل لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، يرى ان أكثر من 30 ٪ من فاتورة الدعم الحالية تُهدر وتذهب لغير المستحقين،
وكثبر من المواطنين يتركون البطاقات التموينية لصاحب المخبز طوال الشهر، والذى يستطيع أن يستحوذ على الدعم الموجه لتلك البطاقات فى حالة عدم صرف الخبز لصاحب البطاقة.
وأشار إلى أن الحكومة ومجلس النواب يعملان على التحول إلى الدعم النقدى بدلا من العينى منذ عام 2016، وذلك من خلال فرز المستفيدين من الدعم واستبعاد غير المستحقين.
والدولة تمتلك حاليا قاعدة بيانات كبيرة تم بناؤها على مدى 8 سنوات وتحتوى على الفئات الأكثر احتياجا لتوجيه الدعم النقدى لهم.
والقيمة الممنوحة للمواطن لن تكون ثابتة ولكنها ستتفاوت بين مواطن وآخر، وسيتم تحديد شرائح اجتماعية وفقا لمعايير محددة ويحصل كل مواطن على مبلغ معين بناء على تلك المعايير.
تقول الدكتورة سمر عادل خبير اقتصادى وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسى والإحصاء انه لابد من التأنى فى قرار تحويل الدعم من عينى الى نقدى وترجع السبب إلى أسباب تتعلق بما يحدث خارجيا وداخليا.
فالاقتصاد العالمى يمر بتحولات وهناك صراع على الهيمنة على الاقتصاد العالمى فأمريكا والصين من جانب ثم الولايات المتحدة الامريكية وروسيا من جانب.
أضافت أن الافضل الان هو الدعم العينى لان النقدى مهما كان حجمه لن يواكب معدلات التضخم بالتالى سيكون له مردود سلبى على الفقراء، مشيرة إلى ان الاستمرار على الدعم العينى يناسب الفترة الحالية لحين اتضاح الرؤية الحالية الوضع الحالى الاقليمى والدولى الذى سيؤثر على الأوضاع الاقتصادية بكل تأكيد.. هل سيتأثر المواطن بتحويل الدعم من عينى إلى نقدي.
محمد أنيس، الخبير الاقتصادى يؤكد أهمية التحول إلى الدعم النقدي، لأنه سيرفع المبلغ الممنوح للمستحقين، ويحافظ عليه من الهدر أو السرقة.
لكن أنيس يشدد على أن هناك عدة شروط يجب تنفيذها لضمان التطبيق السليم لمنظومة الدعم النقدي،مشيرا إلى أن الدعم يجب أن يوجه من خلال بطاقات ذكية للمستحقين، مع ضرورة عدم السماح بسحبها نقديا، وتوجه فقط لشراء بعض السلع والخدمات الأساسية، لضمان حُسن استخدام الدعم حتى نضمن وصول الدعم للمستحقين فقط.
واشترط أنيس أيضا، ربط الدعم النقدى الموجه للمستحقين بطريقة غير مباشرة بمعدلات التضحم، يضمن الحفاظ على نصيب الفرد من الدعم سنويا.
يقول د.عبدالله شلبى استاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان ان المواطن فى حيرة من كيفية تدبير أموره ولا يعلم كم تهدر حقوق له بسبب الدعم العينى الذى يصل لغير مستحقيه ولكنه متخوف أيضا من ارتفاع الاسعار وميزة الدعم النقدى انه سيصل الى مستحقيه وهذا سيمكن المواطن من الحصول على السلع التى يحتاجها وليس سلعا معينة تفرض عليه فى التموين.
كما ان الدعم العينى ترتفع فيه نسبة الفساد اكثر من النقدى لذا يجب تحويله إلى نقدى من أجل تحسين كفاءة منظومة الدعم مما يضمن تحقيق فائدة أكبر للمواطنين ويضمن وصوله لفئات أكثر احتياجا.