بعد انتصار مصر على العدوان الثلاثي.. تغيرت اسس وقواعد النظام الدولى وظهر على الملأ القوى الكبرى الجديدة التى ستملأ فراغ زوال وذبول القوى التقليدية القديمة وكان الانتصار الكبير الذى حققته مصر فى حرب السويس اعلاناً صريحاً بسقوط النظام الدولى القائم على الامبراطوريات الأوروبية الاستعمارية والاعلان عن قيام نظام ثنائى القطبية كانت اهم ملامحه الحرب الباردة يقيدها التوازن النووى وانقسم العالم بين حلفاء للقوة الامريكية وحلفاء للقوة السوفيتية وافضت لحظات الجنون النووى إلى قيام قوة او كتلة وازنة بينهما هى كتلة عدم الانحياز وسارت مرحلة الحرب الباردة وفق احداث ساخنة عالمية واقليمية لم تخرج فيها عن قواعد تفاهمت عليها القوتان العظميان وبينما كانت المنطقة العربية تعيش حالة اللا حرب واللا سلم مع الكيان الصهيونى بعد مؤامرة عدوان 67 على مصر وسورية واحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وبعد ان تعافت مصر تماما من تداعيات المؤامرة وازالت الكثير من اثار العدوان وبدت لكل الاطراف انها مستعدة لتحرير ارضها المحتلة فى سيناء وكانت كل الخطط جاهزة فجأة اندلعت احداث ايلول الاسود ولمعالجة الوضع الطارئ والسيطرة عليه جمع جمال عبدالناصر القادة العرب فى مؤتمر قمة طارئ بالقاهرة نجح خلاله فى اجراء المصالحة وعقد اتفاق اعاد الامور الساخنة الى وضعها الطبيعى استعدادا لخوض معركة التحرير الشاملة بدون عقبات.
و فجأة وبعد ان ودع جمال عبدالناصر الشيخ صباح السالم امير الكويت ودع ناصر العالم بعد نحو الساعة وكان رحيل جمال عبدالناصر خبرا صاعقا وصادما ومدويا ليس فى مصر ولا الوطن العربى ولكن فى العالم اجمع كان حدثا حزينا الرحيل المفاجئ لقائد الامة العربية وقائد حركة التحرر العالمية وجاءت ردود الفعل الشعبية الحزينة من مختلف العواصم وتوالت المواقف معبرة عن حزنها وتضامنها مع مصر فى فقيدها العظيم ماعدا الكيان الصهيونى الذى عبر قادة عصابته الحاكمة وقتها عن ابتهاجهم وفرحتهم بوفاة ألد اعدائهم.
و رغم ان جمال عبدالناصر كان يعتبر العدو الاول لامريكا ليس فى المنطقة ولكن العالم وكانوا يعتبرونه القوى العظمى الثالثة فى العالم ورغم ذلك كانت تجرى مناورات بين امريكا وحلفائها شرق المتوسط الغرض منها ان يسمع جمال عبدالناصر دوى المدافع والصواريخ الهادرة وعندما سمع الرئيس الامريكى ريتشارد نيكسون وهو على سطح احدى البوارج نبأ رحيل جمال عبدالناصر اوقف المناورات وعاد لبلاده وقال من كنا نريد ان يسمع دوى المدافع ومن كنا نريد ايصال الرسالة له لم يعد موجودا.
وكما كانت حرب السويس نقطة فارقة فى تاريخ العالم كانت وفاة جمال عبدالناصر حدثا فاصلا فى مسار النظام الدولى والاحداث بالمنطقة تغيرت الخريطة السياسية وتطورت الامور واصبح هناك شعار اللاحرب واللاسلم على المستوى الإقليمى والوفاق الدولى بدلا من الحرب الباردة على المستوى العالمى انتهى كل ذلك بترتيبات كما ارادت امريكا التى كانت على وشك الانفراد بالنظام الدولى مع انشغال الإتحاد السوفيتى بصراعاته وازماته الداخلية التى سرعان ما ادت إلى تفككه وحصول جمهورياته على الانفصال والاستقلال ليتم الاعلان عن انتهاء الحرب الباردة ومرحلة الوفاق وبداية مرحلة النظام العالمى ذات القطب الواحد التى عشنا ونعيش اسوأ تداعياتها منذ زوال الاتحاد السوفيتى فى يناير 1991 وانفراد امريكا بكل امور العالم تفعل به وفيه كل ما تريد تستخدم مجلس الامن لصالحها وقتما تريد وتفرغه من اى وظيفة وتجعله بلا قيمة وقتما تريد قراراته قابلة للتنفيذ طالما يحقق مصالحها وقراراته غير قابلة للتنفيذ ولا تصدر اصلا اذا كانت فى غير صالحها وفى غير صالح ربيبتها اسرائيل وتستخدم حلف الناتو لصالحها حتى لو لم يكن لدى بعض اعضائه الرغبة وتنشر قواتها على الارض واساطيلها فى البحر كما تشاء وتهدد وتتوعد وتتآمر وتضغط على دول عديدة لحماية ما تسميه مصالحها ونفوذها.
شهر سبتمبر بالنسبة لنا بدايته كانت مفرحة باستعادة الفلاحين اصحاب الارض الحقيقيين حقوقهم التاريخية فى ارضهم بصدور قرارات الاصلاح الزراعى يوم 9 سبتمبر 1952 غير انه فى يوم 28 سبتمبر 1970 رحل جمال عبدالناصر ليجعل من نهاية سبتمبر نهاية حزينة للابد وتغيرت امور كثيرة لازلنا نعانى تداعياتها ونلملم خسائرها.