هناك أحداث تقول إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد الحرب الشاملة فى المنطقة، وحجتهم فى ذلك أن الحرب الشاملة تعنى سقوط وإخفاق الحزب الديمقراطى فى الانتخابات الرئاسية لصالح المرشح الجمهورى دونالد ترامب وهو ما لا تريده إدارة الرئيس جو بايدن، وبالتالى فإنها تسعى إلى عدم خروج الحرب بين حزب الله وإسرائيل على الجبهة اللبنانية عن السيطرة وأن الدبلوماسية تنجح فى التهدئة وإعادة المستوطنين الإسرائيليين إلى مستعمرات الشمال وهو ما قاله بنيامين نتنياهو إن الجيش يريدها حرباً متدرجة حتى لا تصل إلى مستوى الحرب الشاملة لكن فى ذات الوقت فإن خطاب نتنياهو يبدو متناقضاً، فقد أضاف هدفاً رابعاً للعدوان على قطاع غزة وهو عودة المستوطنين الصهاينة إلى مستعمرات الشمال وهو ما يتنافى مع فكرة الحرب بأى شكل من الأشكال خاصة المتدرجة حسب زعمه وأن حزب الله إن لم يفهم رسائل الضربات الموجعة الأخيرة، فسوف تجعله يفهمها إذن الخطاب التصعيدى لفظياً وعملياتياً لدى إسرائيل لا يتسق مع حرب طبقاً لقواعد الاشتباك التى سقطت تماماً فى الأيام الأخيرة، وسط اتهامات لنتنياهو أن يفتح جبهات ويرفع وتيرة التصعيد دون تحديد أهداف واضحة لذلك يقول الإسرائيليون إن الحرب مع حزب الله مرحلة جديدة من استنزاف إسرائيل لن يتمكن نتنياهو من التحكم فيها، فهى تحقق أهدافاً تكتيكية ولا تحقق أهدافاً ونتائج استراتيجية.
نتنياهو لا يعرف ماذا يفعل، وما هى نتائج اللعب بالنار، ورغم الفشل يتقدم إلى الأمام مخلفاً وراءه هزيمة استراتيجية، وخسائر فادحة، وفشلاً ذريعاً فى تحقيق أى أهداف فلم يبارح عدوانه على غزة نقطة الفشل، والاستنزاف ليتجه إلى التصعيد على الجبهة اللبنانية بضربات «بيجر» واللاسلكي، وقتل قادة حزب الله، ثم قصف عنيف لأهداف وفوهات الصواريخ الخاصة بقوات الحزب، كما يعلن جيش الاحتلال.
الخطاب الأمريكى منذ بدء العدوان الإسرائيلى يتسم بالتناقض، ما بين الدعم المطلق والشامل لإسرائيل فى عدوانها عسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً، وفى ذات الوقت تبدو فى ثياب الواعظين، تقول إنها تسعى لوقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية وترفض الهجوم الإسرائيلى على رفح الفلسطينية وتعتبره من الخطوط الحمراء، وعندما تمارس إسرائيل حرب الإبادة وتقتحم رفح الفلسطينية، وتشن حربها على الجنوب اللبناني، تزعم أن تل أبيب لم تخطرها، وأنها ترفض ذلك، وفى ذات الوقت ترسل أقوى ما فى ترسانتها العسكرية من حاملات طائرات روزفلت، ، وصواريخ ونظم دفاع جوى لحماية إسرائيل التى تعلن دائماً أنها ملتزمة بذلك، وما هو نفسه ما جرى عقب ضربات جيش الاحتلال أرسلت حاملة الطائرات «ترومان» إلى المتوسط لحماية إسرائيل.
ربما يكون الطرف الذى يقول إن أمريكا لا تريد حرباً شاملة فى المنطقة، وتسعى لإيقاف العدوان الإسرائيلى والتصعيد المستمر لإعادة الاستقرار إلى المنطقة على صواب لكننى لا أميل إلى هذا الفريق، لأسباب كثيرة أنه من عام على بدء العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة أى قبل زخم الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم تفلح واشنطن فى إنهاء العدوان الإسرائيلى والتصعيد، وغضت الطرف عن حرب الإبادة والمذابح والمجازر، وقتل آلاف الأطفال والنساء، وهذا الوضع الكارثي، إذن واشنطن فى ظل الإدارة الحالية ليست جادة فى إجباره نتنياهو على وقف العدوان، والتصعيد، وفتح جبهات جديدة، وتوسيع نطاق الصراع الذى بات ينذر بحرب إقليمية شاملة أعتقد أن أمريكا تريدها.
أيضاً نتنياهو يمارس العبث، يفتح جبهات جديدة، ويشن عدوان جديد، بشكل عبثى دون تحقيق أهداف، حيث أعلن مع العدوان على غزة أنه سوف يقضى على حماس وقدراتها العسكرية، والسيطرة على غزة وإعادة المحتجزين والأسرى لدى المقاومة الفلسطينية، ثم شن هجمات على لبنان «حزب الله» يهدف على حسب قوله لإعادة المستوطنين إلى مستعمرات الشمال، بالحرب والقضاء على قدرات حزب الله أو إقامة منطقة عازلة، وكل ذلك لم يتحقق بل تزداد مشكلته تأزماً فالحل العسكرى والعدوان والإجرام، لن يحل المشكلة أو يحقق الأهداف، بل يزيدها تعقيداً، وفى الساعات الأخيرة تستشعر تراجعاً فى خطاب نتنياهو الذى يُلوح الآن بحلول أمنية ودبلوماسية أو أنها حرب متدرجة حتى لا تصل إلى حرب شاملة.
والسؤال لماذا يفتح نتنياهو جبهات جديدة ويتجاوز الخطوط الحمراء وقواعد الاشتباك ويصر على التصعيد، وهل يجرؤ نتنياهو على العربدة إلا بضوء أخضر أمريكى وما هى أهداف ذلك، هل فقط تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير سكان غزة والضفة وتوطينهم فى دول الجوار أو الأهداف المعلنة وهى القضاء على قدرات المقاومة واستعادة الرهائن والأسرى الإسرائيليين الذين لا يعيرهم نتنياهو أى اهتمام أو اعتبار، ولم يصعد على الجبهة اللبنانية فى ظنى أن هناك مخطط كبير، أو سيناريو، للمنطقة، يقودها إلى حرب إقليمية شاملة بتخطيط وإرادة أمريكية مع سبق الإصرار والترصد، وما إسرائيل وهذا النتنياهو إلا وكيل لهذا المخطط، فما يثير التساؤلات أن كل شيء يسقط فى إسرائيل الأوهام والأكاذيب والأساطير والخزعبلات والفشل يحلق ويخيم، فقد سقطت أكذوبة القبة الحديدية، وصواريخ حيتس 3 ومقلاع داود، والدبابة الميركافا والمدرعة النمر، والديمقراطية المزعومة والنموذج المثالى للحرية، وحقوق الإنسان فى المنطقة بات نموذجاً يثير اشمئزاز العالم، ويرتبط بالهمجية والبربرية والإجرام، وحرب الإبادة، وقتل الأطفال والنساء والصحفيين والأطباء وتتوالى جرائم الحرب الإسرائيلية، فى صمت بخجل من المجتمع الدولي، فللعام الثانى على التوالي، يحرم الأطفال والتلاميذ والطلاب فى قطاع غزة من التعليم فى ظل المذابح والمجازر، وتدمير المدارس والبنية التحتية التعليمية مدارس أو جامعات فهناك 650 ألف تلميذ باتوا مهددين بالأمية حيث تتوقع منظمات دولية أنه من المتوقع أن نسبة الأمية قد تصل إلى 58٪ بين الأطفال الفلسطينيين فى قطاع غزة.
سياسة تناول وتوزيع الأدوار بين واشنطن وتل أبيب باتت واضحة ولا تنطلى على أحد، وتشير آراء بعض الخبراء أن أمريكا لا تضع الانتخابات الرئاسية فى اعتبارها، وربما يستغلها نتنياهو وأن واشنطن هى من تلعب وتحارب خلف الستار، وأنها لو أرادت منع الفوضى والحرب الشاملة فى المنطقة لفعلت، ولم تسمح بتوسيع رقعة الصراع، لينتقل من منطقة إلى أخري، ودفع المنطقة إلى منزلق خطير، ثم إشعال البحر الأحمر، ومع بدء العدوان فى لبنان، تتصاعد نذر الفوضى فى المتوسط، وهو ما يفسر النوايا الأمريكية بإرسال حاملة الطائرات «ترومان» إلى شرق المتوسط.
المنطقة، تواجه مصيراً غامضاً، لكن من الواضح أن هناك مخططاً أو مشروعاً شيطانياً تسعى واشنطن وإسرائيل بفرضه بالعضلات والقوة المتدرجة.
تحيا مصر