تتعدد الاهتمامات المعرفية للروائى والناقد الدكتور محمد سليم شوشة، أستاذ الأدب العربى فى كلية دار العلوم، جامعة الفيوم، بدرجة ملحوظة من جانب من يطالع كتاباته المتنوعة، سواء فى ميدان الإبداع القصصى والروائي، أو أعماله النقدية مثل: «الصورة والعلامة.. أثر التحولات الثقافية فى الرواية العربية المعاصرة» و«فخ الحضارة.. ثورة الذكاء الاصطناعى وتأثيرها على والثقافة واللغة العربية» وغيرها.
حصل د.شوشة على جوائز عدة، منها: جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب، فرع الدراسات الأدبية واللغوية لعام 2023، الجائزة الأولى فى الرواية من المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 2018، مسابقة الإبداع فى مواجهة الإرهاب، عن مخطوط رواية «أشياء الفتى الوسيم» وغيرها من الجوائز.
وجاء كتابه الأخير «فخ الحضارة.. ثورة الذكاء الاصطناعى وتأثيرها على الثقافة واللغة العربية» بمثابة جرس إنذار يدق من خلاله ناقوس الخطر الذى يواجهنا، كعرب، ثقافة ولغة وهوية، وكان هذا الحوار معه لمعرفة وضعنا الراهن حيال ثورة الذكاء الاصطناعي، وواقعنا النقدى والإبداعي، وأهم السلبيات التى يجب علينا تلافيها، للنهوض بالفكر والثقافة واللغة العربية ومواجهة محاولات طمس هويتنا.
< على الرغم من تخصصك فى ميدان الأدب والنقد، ، لكنك فى الفترة الأخيرة اهتممت بتأثير التحول التكنولوجى، خاصة الذكاء الاصطناعي، فى اللغة العربية والفكر العربي، فما سبب هذا الاهتمام؟
<< نشأ اهتمامى بالذكاء الاصطناعى بالصدفة البحتة، حيث تكرر اصطدامى بالذكاء الاصطناعى كثيرًا وأنا أتابع اطلاعى على المنهج الإدراكى فى اللغويات والنقد الأدبى والدراسات الأدبية، ومع كثرة القراءة فى مراجع الإدراكيات فى اللغة الإنجليزية فهمت الصلة بين الذكاء الاصطناعى واللغة ونقطة التحول فى التكنولوجيا إلى معالجة اللغة الطبيعية، أى لغة الإنسان المختلفة عن لغة الأرقام، ولتحاكى التكنولوجيا العقل البشرى وشبكاته العصبية، لتبدأ من هذه النقطة تكنولوجيا جديدة مختلفة تمامًا عن السابق، ومن هنا ازداد بحثى عن الذكاء الاصطناعى وتعامله مع اللغة الطبيعية وازداد اطلاعى على التخصصات البينية الرابطة بين هذه الحقول المعرفية المختلفة لكنها مترابطة بشكل مدهش وقادر على صناعة المفاجآت.
< رصدت فى كتابك «فخ الحضارات» تأثير الذكاء الاصطناعى على الثقافة العربية، ومخاطره الكبيرة، فما هي أهم هذه المخاطر؟
<< نعم، كما قلت كنت مضطرًا لأن أكتب هذا الكتاب حتى أشير لما اكتشفت من احتمالات للخطر على لغات بعينها إذا هى لم تتطور بما يتناسب مع التحولات التكنولوجية الجديدة وتحول الذكاء الاصطناعى إلى معالجة اللغة الطبيعية وتعامله مع النماذج اللغوية الكبرى أو ما يعرف بالـLLMs، فقد كانت هذه الأمور مفاجئة لي، وتجلى بقوة احتمال خروج اللغة العربية من التكنولوجيا – لا قدّر الله – إذا قلت فاعلية الذكاء الاصطناعى فى معالجتها وتسبب ذلك فى هجرها إلى اللغة الإنجليزية أو أى لغة أخرى فى حال التعامل مع الذكاء الاصطناعي، أى أن كثيرين قد يفضلون استخدام لغة أخرى عن اللغة العربية، وهذا الأمر يذكرنا بمشكلة سابقة حدثت للغة العربية أو يمكن أن نقول إنه فخ آخر سبق وسقطت فيه لغتنا بسبب تقصيرنا، وهو فخ الخروج من لغة العلوم الطبيعية؛ الطب والهندسة والصيدلة والعلوم والزراعة وغيرها، وهو ما قلل حجم البيانات فى اللغة العربية وأثر علينا تأثيرًا كبيرًا على مستويات عديدة، منها ما هو نفسى وفكري، حاولت رصدها فى الكتاب أيضًا، وهكذا بدأت فى التفكير فى احتمالات هذا الخطر لخروج اللغة العربية من الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعنى فى المستقبل خروجها من التكنولوجيا كلها، لأن الذكاء الاصطناعى سوف يهيمن على الحياة كلها، وحجم الاستثمارات فيه عالميًا مهول ومعلوم بشكل مؤكد أنه سيهيمن على الحياة وليس فقط على التكنولوجيا.
< العلاقة بين الإبداع والنقد كثيرًا ما تكون غير متوازية، فيأتى الاهتمام بأحدهما على حساب الآخر، فكيف توائم بين كونك روائيًا، وأستاذًا للنقد والأدب فى الوقت نفسه؟
<< نعم، هذا صحيح، وكثيرًا ما كررت فى مناسبات عديدة أن الإبداع العربى أفضل حالاً وأكثر صحية من حال النقد، وربما يمتد هذا للنقد الفنى ونقد السينما، فالنقد متأخر لدينا لعدد من الأسباب ربما يكون أهمها وأخطرها تراجع وضع وحال الفلسفة فى مجتمعاتنا والحقيقة أن هذه قصة طويلة، فالنقد لا يزدهر إلا فى مجتمع تزدهر فيه الفلسفة، وربما ينسحب هذا على علوم اللغة كلها، حتى علوم اللغة الأساسية من النحو والبلاغة ودراسات المعجم والمصطلح وغيرها، كلها ترتكز على علم الفلسفة ومناهجها.
< ما رأيك فى المشهد النقدى فى مصر الآن؟
<< المشهد النقدي بين أكاديميين تهيمن عليهم المدرسية أو الطابع المدرسى المحاصر داخل أسوار الجامعة، ويقولبون النقد ويغلفونه فى كبسولات اختزالية مخلة، ويبعدون النقد عن حيويته ويعزلونه عن الحياة، أو تيار آخر من النقاد الصحفيين الذين يصبحون عكس الفريق الأول، يحاولون أن يربطوا النقد بالواقع الأدبى والتجدد الإبداعي، ولكنهم يتحررون تمامًا من أى انضباط منهجى أو روح منهجية تنظم أفكارهم وتضبط تجاربهم النقدية أو تجعلها ملتزمة بمعايير واضحة، لذلك يمكننا ملاحظة هيمنة الضعف على النقد كمًّا وكيفًا فلا يستطيع متابعة غالبية الأعمال الجيدة، فضلاً عن أن كثيرًا من المتابعات النقدية هى بالأساس ضعيفة ولا ترسخ مصطلحًا جديدًا أو منهجًا أو أسلوبًا نقديًا معينًا، بل تبدو أقرب إلى حالات ارتجالية من النقد الانطباعى الذى لا يعبر عن أكثر من الخبرة القرائية الفردية لشخص يحاول تعميم إحساسه وخبرته على الجميع.
< حصدت مؤخرًا جائزة الدولة التشجيعية فى الآداب، فماذا تمثل هذه الجائزة بالنسبة لك؟
<< لقد كانت حافزًا نفسيًا عظيمًا فى وقت كنت فى أشد الاحتياج إلى هذا الحافز، وسعدت بها كل السعادة، ودعمتنى فى إنجاز ما بعدها من أعمال.
< تعددت أعمالك الروائية، فهل لنا أن نعرف ملامح مشروعك الإبداعي، وهل تم تناوله نقديًا من جانب الدارسين والنقاد؟
– مشروعى الروائى مشروع بالإنسان عمومًا، فعبر السرد القصصى والروائى أحصل على حريتى كاملة فى التعبير بانطلاق وبشكل فنى وجمالي، فإذا ما قارنت من داخلى بين حياة الناقد وحياة الروائي، فأشعر أن حياة الناقد أقرب لرجل يعيش داخل المعامل والمختبرات، يعصر عقله ويجبره على العمل بشكل منهجى ووفق منطق محدد وفى ضوء محددات كثيرة لابد من الاطلاع عليها، أما حياة الكاتب الروائى عندى أو فى تجربتى فتختلف تمامًا، أو تصبح على النقيض من هذه الحالة، حيث يكون فيها التحرر الكامل، ويبدو الأمر شبيهًا بالخروج للتنزه فى الحقول أو الغابات.
< وهل تفضل منهجا بعينه فى تحليل العمل الأدبي؟
<< نعم لدى استقرار منذ سنوات على المنهج الإدراكى لأنه منهج يتسم بالشمول وبالطابع العلمى والانضباط المنهجى وهو الأكثر هيمنة وقوة الآن فى مناهج النقد الأدبى لدى الغرب وبخاصة فى النقد الأمريكي، والحقيقة كذلك أنه منهج يتسم بالتشعب ويفيد من كل المناهج الأخري، فينفتح على الفلسفة وعلم النفس بشكل حتمى وطبيعي، والجميل كذلك فى المنهج الإدراكى أنه لا يهمل اللغة وجذورها أو أصولها ويرتبط كذلك بالأنثروبولوجيا والأركيولوجيا والدراسات الشعبية ويربط بين الأدب والفنون الإبداعية المختلفة أى أنه يعمل فى المنطقة الرابط بين الإبداع بأشكاله المختلفة، وهكذا فإنه يصبح منهجًا قوياً فى مقاربة الشعر والسرد والخطابات والأنواع الأدبية كافة. فالمتميز فى النقد الأدبى الإدراكى سوف يكون قادراً على فهم السرد والشعر وفهم الخطابات الأخرى من الأدب الشعبى كما أنه سيكون قادرا على ربط الأدب بالتكنولوجيا، ولن يكون محصورا فى زاوية بعينها.
< فى رأيك، ما الذى تحتاج إليه الثقافة المصرية الآن للنهوض بالمجتمع وتنويره، وتحصينه ضده الأفكار الظلامية الهدامة؟
<<أهم ما تحتاجه الثقافة المصرية والعربية فى الوقت الحالى تطوير الدراسات اللغوية والأدبية والنقدية، ليس هذا انحيازا لتخصصي، بل هى حقيقة اكتشفتها وتأكدت منها ويزداد يقينى بها مع الأيام، فمسألة فهم اللغة واستيعابها بشكل متقدم، يؤثر على كل شيء فى الحياة.