فى الوقت الذى كنت أشارك فى إحدى الندوات لنقابة المهندسين عن العلم والتكنولوجيا وأثرها فى تطور المجتمعات كانت إسرائيل تستهدف عناصر وقيادات من حزب الله اللبنانى باستخدام التكنولوجيا والهجمات السيبرانية من خلال تفجير أجهزة «البيجر» التى تستخدمها عناصر الحزب بدلاً من أجهزة اللاسلكى أو الهواتف المحمولة …والتى راح ضحيتها العديد من كوادر الحزب مما يؤكد أننا دخلنا مرحلة جديدة أو عصراً جديداً من عصور الحروب التى تعتمد على التقنيات والتكنولوجيا الحديثة خاصة وإنها تحقق أهدافها بدقة كبيرة.
لم تكن مذبحة «البيجر» هى المرة الأولى التى تستخدم فيها إسرائيل سلاح التكنولوجيا فى القيام بعمليات نوعية ضد حزب الله فقد سبق لها استخدام هذا السلاح فى عمليات الاغتيال التى فقد فيها الحزب نحو 400 من كوادره خلال الأشهر الماضية على رأسهم القيادى فؤاد شكر مما جعل الأمين العام للحزب حسن نصرالله يطلب من أعضاء الحزب وعائلاتهم التخلص من أجهزة الموبايل ونزع كاميرات المراقبة من شوارع الضاحية الجنوبية والتعامل بحذر مع شبكة الإنترنت بعد استخدام إسرائيل هذه الوسائل التكنولوجية فى اختراق قواعد الحزب واستهداف كوادره إلا أن ما حدث مؤخراً شكل نقلة نوعية جديدة سببت أضراراً أضخم وارتباكاً واسعاً داخل صفوف الحزب بل وبين جميع أبناء الشعب اللبنانى حيث أصيب العديد من الأبرياء المتواجدين فى الضاحية الجنوبية اللبنانية كما تعرضت المنشآت والمنازل لخسائر كبيرة دون مراعاة لأى اعتبارات إنسانية عند قيام إسرائيل بتلك التفجيرات وعاش الشعب اللبنانى ساعات طويلة من الرعب والهلع خوفاً على حياتهم وبلادهم.
لن نتحدث هنا أكثر من ذلك عن العدوان الإسرائيلى على لبنان من حيث أهدافه ودوافعه وكيفية تفجير أجهزة «البيجر» فقد تناولت ذلك بالشرح والاستفاضة جميع وسائل الإعلام فى حينه ولكننا نريد أن نتناول ذلك الاستخدام الخطير للتكنولوجيا الحديثة والتى بدلاً من أن تستخدم لنهوض البلاد ونموها هاهى تستخدم لدمار البلاد وقتل الأبرياء وترويع البشر حيث يمكن تدمير مناطق كاملة باستخدام التكنولوجيا القاتلة التى تقود صراعات و تنفذ مواجهات مسلحة دون المغامرة بجندى واحد وهو ما يجعلنا أمام تحدٍ كبير فى ظل استخدام هذا الشكل الجديد من أدوات المعارك.
وتتخذ الحرب الإلكترونية أشكالاً عديدة وتطورات سريعة فلم تقتصر على الطرود الخبيثة مثلاً بل توسعت قدراتها الى أبعد من ذلك بكثير بحيث أصبحت جزءاً من إستراتيجية الأمن القومى فى العديد من الدول خاصة مع تأجج الصراعات الدولية وصعود قوى جديدة تسعى لفرض كلمتها على العالم دون الانغماس فى مستنقع الحرب المباشرة والقائمة على إرسال جنود فى مناطق الصراع فى ظل ما تحظى به أدوات الحرب السيبرانية من قدرات خارقة يمكن من خلالها تدمير مدن كاملة بما فيها ومن عليها.
لقد فرض الواقع الجديد لاستخدام التكنولوجيا لشن الحروب السيبرانية استحداث مصطلحات حربية جديدة تضاف الى المصطلحات التقليدية حيث أصبح هناك ما يسمى بسباق التسلح الإلكترونى وساحات الحرب الإلكترونية .
المسئولية السياسية عن تلك الهجمات تعتبر محدودة الى حدٍ ما نظراً لصعوبة امكانية تحديد هوية من قام بالهجوم…. كما أن القانون الدولى لم يضع نصوصاً قاطعة لمواجهة العمليات السيبرانية العابرة للحدود حتى الآن وهنا نجد أن الحروب السيبرانية تجمع بين القدرة التخريبية العالية والانتشار السريع بتكلفة اقتصادية وسياسية محدودة .
لقد بات جلياً أن اعتماد العالم أجمع على الإنترنت والتكنولوجيا من الممكن أن تقود إلى حروب مدمرة باستخدام جيوش حديثة منظومتها القتالية سيبرانية لتصبح ميداناً جديداً من ميادين الحروب ومن هنا فقد بدأ العالم فى الانتباه الى تلك الخطورة المتصاعدة وبدأت قضايا الأمن السيبرانى تأخذ أهمية كبيرة فى المجتمع الدولى وايضاً المجتمع العلمى الذى يدرس كيفية اتخاذ تدابير الحماية التكنولوجية والسياسية وتكريس سبل التعاون الدولى ضماناً للأمن السيبرانى العالمى على اعتبار أنه رافد جديد يهدد الأمن القومى لدول العالم المختلفة.
لقد أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسى خطورة استخدام الحرب السيبرانية كسلاح قد يستخدم ضد الأمن القومى المصرى فى أى وقت من الأوقات خاصة على ضوء تلك الصراعات التى تشهدها المنطقة المحيطة بنا من كل تجاه …فكانت توجيهاته بضرورة العمل على حماية الأجهزة الإلكترونية والكمبيوتر وتطبيقات البرامج والأنظمة المهمة والبيانات من التهديدات الرقمية المحتملة وهو ما جعل مصر تأتى فى الفئة الأولى بالمؤشر العالمى للأمن السيبرانى وهو المؤشر المعنى لقياس مدى التزام الدول بمعايير الأمن السيبرانى وجاءت مصر ضمن 12 دولة فقط نجحت فى تحقيق 100 نقطة من مجموع نقاط المؤشر…وفى هذا الإطار شاهدنا الرئيس عبد الفتاح السيسى يفتتح مركز الحوسبة السحابية منذ أشهر قليلة وهو مركز على طراز فريد ومتقدم ويعد واحداً من أكبر مراكز البيانات فى أفريقيا والشرق الأوسط …كما أطلقت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مبادرة «مجتمع رقمى آمن» لتعليم أساسيات الأمن السيبرانى وتأهيل وتطوير المهارات الرقمية لعدد كبير من الشباب من مختلف المراحل العمرية.
ويبقى أخيراً العمل على رفع الوعى المجتمعى المعلوماتى وتعزيز الثقافة الرقمية من خلال التعلم والتأهيل بهدف دعم وتنمية استخدام خدمات شبكة الإنترنت بأمان والتعرف على المجالات الحديثة وكيفية حماية البيانات الشخصية والخصوصية وهو دور أتمنى من وسائل الإعلام المختلفة القيام به من خلال الخبراء المتخصصين فى هذا المجال حماية لنا ولوطننا الغالى العزيز.