أخطر ما يحدث حاليا فى الشرق الأوسط هو جرأة الحكومة الإسرائيلية على كل شيء : على الفلسطينيين فى الأرض المحتلة واللبنانيين فى جنوب لبنان، وعلى القانون الدولى والعهود والمواثيق واتفاقيات السلام، وعلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان، وعلى محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.. لم تبال إسرائيل بكل ذلك ولم تعر المظاهرات المنتشرة فى معظم القارات والرافضة لسلوكها الإجرامى أى اهتمام.. وبلا مبالغة فليس هناك دولة فى العالم مثل إسرائيل والتى حولها الدعم الأمريكى والغربى إلى كيان إرهابى يهدد السلم والأمن فى الشرق الأوسط وفى كل مكان بالإقليم.
كارثة العالم الآن هى الفشل التام أمام إرهاب إسرائيل والعجز اللامتناهى أمام دموية نتنياهو رئيس الوزراء وعصابته الفاشية، غير أن الثابت منذ تسلسل الأحداث ومنذ نشوب العدوان الإسرائيلى على غزة فى أكتوبر الماضي، أن إسرائيل هى الخاسر الأكبر، وأن إصرارها على عدم وقف الحرب وتوسيع نطاقها، لن يكون فى صالحها على الإطلاق، حتى لو حصلت تل أبيب على المزيد من الدعم السياسى والعسكري، وحتى لو امتلكت أحدث الأسلحة أو استحدثت أساليب جديدة خارج قواعد الاشتباك مثلما حدث الأسبوع الماضى بالجنوب اللبنانى ، وما نجم عن ذلك من سقوط مئات الضحايا فى خطوة تزيد من احتمالات اشتعال حرب شاملة فى المنطقة.
المفارقة هنا أنه بقدر جرأة حكومة تل أبيب على شن الحروب والتغول على القانون الدولى وحقوق الإنسان» فى ظل الحماية الأمريكية، بقدر الجبن والخوف والرعب الذى تتسم به الشخصية اليهودية وسكان إسرائيل بوجه عام والذى يصل لدرجة الهلع عند أى هجوم على مناطقهم رغم وجود جيش الإحتلال ، وهو ما رصدته وكالات الأنباء ووسائل الاعلام العالمية الأسبوع الماضي، عقب الهجوم السيبرانى الذى نفذته تل أبيب ضد عناصر حزب الله ، فقد رد الحزب اللبنانى بوابل من الصواريخ على الشمال الإسرائيلى ، فيما هرع مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الملاجيء مع توقيف الدراسة بالمدارس ونقل المستسفيات لاماكن آمنة، فى صور رعب إسرائيلية متكررة ومتتالية ونذكرها جميعا على المدى القريب خلال هجمات المقاومة الفلسطينية فى غزة والضفة ، وعلى المدى البعيد فى صور الأسرى الإسرائيليين بسيناء فى حرب أكتوبر 1973، وما أصاب الكيان الصهيونى وقتها من هلع تتحدث عنه الكتب العبرية حتى الآن.
وحقيقة فإن ما يقوم به جيش الاحتلال حاليا من عربدة «ممنهجة» فى المنطقة، الغرض منها ترهيب العرب وضرب أذرع المقاومة أيا ما كان اسمها ومكانها وتنفيذ مخطط تهجير الفلسطينيين ثم تصفية القضية الفلسطينية كلية، لقد أصبحت المخططات مكشوفة للجميع وانه فى ظل هذه الحالة من الهمجية الإسرائيلية ، فإن الشعوب العربية باتت مطالبة بتبنى منهج آخر فى التفكير يواجه ضرب إسرائيل للسلام ويمنع توسيع دائرة الحرب وذلك من خلال الاستعداد بكافة الوسائل لمواجهة البربرية الصهيونية فى المنطقة وإجبار المجتمع الدولى على التصدى لها، وابلاغ سكان إسرائيل رسائل محددة فحواها أن الحرب الشاملة لن تكون فى مصلحتهم ، وإنه من السهل الوصول إلى أبعد نقطة فى إسرائيل وأبعد مستوطنة بالأراضى المحتلة، وأن حكومة نتنياهو تقود بلادهم إلى الضياع والدمار.
أيضا فإن ما يزعج المحلليين السياسيين الإسرائيليين أنفسهم ، هو إدراكهم أن تجاوز إسرائيل للخطوط الحمراء فى التعامل مع الفلسطينيين سواء بشن حرب إبادة فى غزة أو تدمير القطاع وتجويع السكان وقتلهم بالمعدات العسكرية الثقيلة والأمراض، هو أبشع جريمة ضد الإنسانية شهدتها المنطقة والعالم فى العقود الأخيرة ، وأن جريمة حرب الإبادة هذه قد تؤجل الاطاحة بنتنياهو من رئاسة الحكومة بعض الوقت، ولكنها فى كل الأحوال ستضعف إسرائيل وتعرضها لانقسام خطير نظرا لرفض قطاع كبير من الإسرائيليين سلوك نتنياهو والذى يعيد للذاكرة جرائم النازية ضد اليهود فى القرن الماضي.