من الصعب أن تكتب عن انسان عرفته عن قرب.. ثم تفتقده.. زاملته واقتسمت معه الحياة يوميا.. طيلة حوالى 30 سنة.. داخل صالة الأخبار لجريدتنا العريقة.. نعم اقتسمنا الحياة.. تفاعلنا مع نبض الأحداث.. كان عبدالوهاب اليرقانى دائما محور الحدث.. فهو المسئول عن اخبار ونشاط وزارة الداخلية.. بداية من الوزير.. حتى أحدث ضابط وجندى بها.. معنى ذلك ان اليرقاني.. كان حقيبة اخبار متنقلة.. فعند وقوع أى حدث.. كنا نبحث عن عبدالوهاب اليرقاني.. ليحكى لنا.. ما وراء الحدث.. وأسراره.. حتى جاء اليوم الذى أصبح فيه عبدالوهاب اليرقانى هو الحدث نفسه.. فقد أصيب اليرقاني.. انقلبت به سيارة الجريدة.. وهو عائد من تغطية صحفية.. لإحدى جولات رئيس الجمهورية الأسبق المرحوم حسنى مبارك.. وجاءت إصابته صعبة.. لكنه لم يتوقف عن العطاء بنفس الروح والحماسة التى لازمته فى بداياته.. عاد من الإصابة أكثر قوة وإصراراً على النجاح.. اختاره المرحوم الأستاذ إسماعيل الشافعى نائب رئيس التحرير رئيس قسم الأخبار.. لتغطية أخبار رئيس الجمهورية.. ليصبح اليرقانى محرر شئون رئاسة الجمهورية.. تاركا وزارة الداخلية.. وقد أمضى اليرقانى أكثر عمله الصحفى مع وزارة الداخلية.. لم يكن مجرد فقط صحفى مسئول عن أخبار الداخلية.. لكنه نجح فى اقامة علاقات متينة مع الداخلية.. وصلت لدرجة انه كان يتحدث مباشرة بالتليفون مع وزير الداخلية.. دون عائق.. وامتدت هذه العلاقة إلى جميع مديرى الأمن فى مختلف المحافظات.. كان مجرد ذكر اسم عبدالوهاب اليرقاني.. لدى أى مسئول فى وزارة الداخلية.. يعنى الاستجابة الفورية لحل مشكلة أو أزمة.. لأى زميل.. فاليرقانى لم يتردد فى خدمة أى زميل.. فقد منحه الله حب كل من يعرفه أو يتعامل معه.. إنه عبدالوهاب اليرقاني.. صاحب قلب يتسع الدنيا كلها.. لا يعرف الغل ولا الحقد ولا الأنانية.. لم يطلب أى شيء لنفسه.. لم يسع لترقية أو منصب.. إنما كان يترك الأمر لصاحب الأمر.. لله وحده.. أقول.. إن اليرقانى حصل على أعلى منصب.. هو حب الناس.. كانت تربطه علاقة حب وثيقة مع اللواء النبوى إسماعيل وزير داخلية مصر فى أواخر السبعينات وأوائل الثمانينيات.. كان اليرقانى محبا لعائلته.. وقف بكل قوته إلى جانب زوج شقيقته المهندس المرحوم عبدالفتاح دياب.. مساندا له فى انتخابات مجلس الشعب عن الدقهلية.. مسقط رأس العائلة.. كما سانده فى انتخابات رئاسة نادى الشمس.. لم يتأخر اليرقانى عن أقرب الناس إليه.. بنفس الروح التى يتعامل بها مع كل الناس.. خاصة زملاء العمل.. وعبدالوهاب اليرقاني.. لم تكن له خصومة أو عداء أو حتى كراهية مع أحد.. كان من أصحاب الوجوه البشوشة.. عف اللسان.. لا يعرف العداء.. ولا الخصام.. منحه الله القدرة على قول كلمة الحق.. دون تردد.. عشق الصحافة.. فقد ورثها عن المرحوم والده الكاتب الصحفى الكبير خليل اليرقاني.. بجريدة الايجيبشان جازيت الناطقة باللغة الإنجليزية بمؤسسة دار التحرير «جريدة الجمهورية».. وقد انتقلت سيرة الأب.. للابن بتلقائية نادرة.. من حسن حظى أنى زاملت عبدالوهاب اليرقانى طيلة عملى الصحفي.. هو محرر شئون الداخلية.. وأنا محرر شئون رئاسة الجمهورية.. ثم المحرر البرلمانى للجمهورية.. كنا نلتقى يوميا بصالة الأخبار بالمبنى القديم للجمهورية.. وغالبا ما كنا نتناول الإفطار سويا مع المرحوم الأستاذ فاروق عبدالعزيز رئيس قسم الأخبار.. خلفا للأستاذ إسماعيل الشافعي.. وكان ينضم إلينا الزملاء على هاشم ومحمد إسماعيل وفى بعض الأوقات حسن الرشيدى ومحمد حامد حسن.. أتذكر فى البدايات أن اليرقانى بدأ حياته الصحفية.. مع الأستاذ صالح إبراهيم نائب رئيس التحرير المسئول عن قسمى الإسكان والتعليم فى ذلك الوقت.. ثم تلقفه الأستاذ إسماعيل الشافعى الأب الروحى لجيل كامل من الصحفيين أنا واحد منهم.. ليكلفه بمسئولية وزارة الداخلية.. وعند بلوغ اليرقانى سن المعاش.. لم يستسلم للراحة.. إنما ذهب للعمل بالديسك «المطبخ الصحفي» حاملا مسئولية نشر الأخبار بالجريدة.. يعنى كل خبر يصل الجريدة.. لابد أن يمر على عبدالوهاب اليرقاني.. وكانت لديه حاسة غير عادية.. لانتقاء الأخبار المهمة.. ليبرزها فى صفحات الجريدة.. أقول.. عبدالوهاب اليرقانى نموذج محترم.. وقدوة.. افنى عمره كله فى خدمة صاحبة الجلالة.. بكل إخلاص وصدق وقبلهما بحب.. لن أقول وداعا.. فسوف يعيش عبدالوهاب اليرقانى فى وجداننا.. مدى الحياة.. فارس الصحافة النبيل.