بعد مرور نحو عام من العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة ورغم كل المحاولات التى بذلتها مصر لايقاف إطلاق النار فى القطاع والعودة إلى مائدة المفاوضات إلا ان تعنت إسرائيل وإصرارها على مواصلة الحرب حال دون وقف الحرب واستمرت إسرائيل فى طغيانها وعدوانها على القطاع مخلفة تدمير القطاع وسقوط مئات الآلاف من الشهداء والمصابين الفلسطينيين فى واحدة من أطول الحروب التى استغلتها إسرائيل منذ نشأتها عام 1948 وفى معارك بدا منها ان إسرائيل لا تريد فقط الاستيلاء على غزة بل تفريغ القطاع من السكان وامتداد الحرب إلى الضفة الغربية تمهيدا لتصفية القضية الفلسطينية تماما، غير ان المفارقة هى صمود الفلسطينيين رغم الفارق الكبير فى ميزان القوة بين الجانبين وثبات المقاومة أمام الاعتداءات الإسرائيلية القتالية والحصار والجوع وانتشار الأمراض فيما فشلت إسرائيل فى تحقيق أهدافها فى الحرب على غزة سواء القضاء على المقاومة أو تهجير سكان القطاع.. كذلك لم تفلح فى تصفية القضية الفلسطينية بل على العكس فإن ما طالبت الجمعية العامة للأمم المتحدة وما أقرته محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية فى حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم المستقلة ومطالبة إسرائيل بوقف العدوان ومنح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة.. كل ذلك يؤكد نجاح الفلسطينية وفشل إسرائيل فى كل ما ذهبت إليه وبما يفسر الأسباب التى من أجلها تحاول إسرائيل توسيع رقعة الحرب فى المنطقة والاعتداء على الجنوب اللبنانى وجر المنطقة لحالة فوضى تسهل عملية إعادة الفك والتركيب المرسومة لها وإقامة تحالفات وإعادة رسم خرائط الحدود لدول المنطقة.
«الجمهورية الأسبوعي» فى هذا التحقيق ومن خلال خبراء السياسة والإستراتيجيات تحاول الاجابة على بعض التساؤلات منها ماذا عن العدوان الإسرائيلى على غزة بعد مرور نحو العام.. وهل ستستمر حرب الإبادة التى تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين فى القطاع.. وماذا أيضا عن موقف المقاومة الفلسطينية وهل نجحت بعملياتها «طوفان الأقصي» فى السابع من أكتوبر 2023 فى مواجهة الغرور الإسرائيلى وتحريك القضية الفلسطينية.. ثم ماذا عن خسائر الكيان الصهيوني.. ولماذا يوسع دائرة الحرب بالهجوم على لبنان وهل يؤدى ذلك إلى نشوب حرب شاملة فى المنطقة.. أيضا هل تحاول إسرائيل من خلال هذه الحرب احياء مشروع الشرق الأوسط الجديد والذى نجحت مصر فى افشاله خلال العقد الماضي.. وأخيرا ماذا عن مستقبل المنطقة فى ظل بلطجة إسرائيل وغياب مجلس الأمن والأمم المتحدة والعجز عن تنفيذ القانون الدولي.
الخبراء لـ « الجمهورية الأسبوعى»:
«تل أبيب» فشلت فى تحقيق أهدافها فى «غزة» .. وحربها على لبنان لتعويض الخسائر
لواء د. سمير فرج : الحرب مرشحة للاستمرار لما بعد الانتخابات الأمريكية
د. أحمد يوسف أحمد : الصمود «كلمة السر» لاستمرار المقاومة فى مواجهة جيش الاحتلال
د. طارق فهمى: «طوفان الأقصى» عمل كبير أدى إلى اعادة تقديم وتقييم القضية الفلسطينية
د. أحمد فؤاد: إسرائيل تلقت«لطمة تاريخية» تهدد مستقبلها
بداية وقبل الدخول فى تفاصيل فقد أكد الخبراء ان إسرائيل فشلت فى تحقيق أهدافها من حرب الإبادة التى تشنها على غزة بسبب صمود المقاومة الفلسطينية وتمسكها بالأرض رغم الهجمات الوحشية وسقوط مئات الآلاف من الشهداء والمصابين.
وقال الخبراء ان إسرائيل وبدعم أمريكى وغربى تحولت إلى بلطجى المنطقة.. وانها تحاول جر دولها لحرب شاملة، مشيرين إلى ان إسرائيل ولأسباب عديدة ستفشل فى تحقيق مخططاتها.
د.أحمد يوسف أحمد استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قال: بعد الاقتراب من نهاية العام الأول من بدء عملية طوفان الأقصى يظل الصمود الكلمة المفتاح لوضع المقاومة التى مازالت تكبد العدو خسائر رغم الخلل فى ميزان القوة فهذه اطول حرب يخوضها الكيان فى تاريخه منذ نشأته عام 1948 .
وأضاف: الصراع بين المقاومة وإسرائيل مازال مفتوحا ويقبل كل الاحتمالات.. ولكن مازالت منظومة القيادة والسيطرة لدى المقاومة سليمة والدليل الرسائل الاعلامية المصورة التى تقدمها المقاومة لعملياتها العسكرية .. المقاومة الفلسطينية تواجه جيشاً يقال إنه من أقوى جيوش العالم ويتلقى دعما مطلقا من أمريكا بالسلاح والذخيرة والمعلومات والمساندة الدبلوماسية.
وذكر أن حركات التحررالوطنى تأتى فى لحظة تاريخية وتفرز الحلول السلمية.. مثلا المقاومة الجزائرية التى بدأت عام 1945 بمظاهرات سلمية مطالبة بالاستقلال وقصفها الطيران الفرنسى وراح ضحيتها 40 ألفاً فى لحظة بعدها بدأ الشعب مقاومته عام 1954 واستمر عشر سنوات يطالب بالاستقلال، فمقاومة المحتل فعل طبيعى بجانب الحلول الدبلوماسية وننظر إلى ما انتهت له اتفاقية أوسلو بعد 30 عاما التى قامت بموجبها السلطة الفلسطينية ولم تنجح فى تحريك التسوية للأمام بل انتكس الحال باقتحامات جيش الاحتلال لمناطق فى الضفة الغربية وغض الطرف عن اعتداءات المستوطنين وهذا يجسد مأزق السلطة ولا تخرج منه الا بالتوصل الى وحدة وطنية فلسطينية تجمعها بباقى الفصائل لأن التحدى كبير ولا يمكن التغلب عليه الا بالوحدة.
ينقلنا د.أحمد يوسف أحمد الى الداخل الإسرائيلى ويقول ان حالة غضب الشارع والنخبة السياسية حقيقية ولكن غير كافية لتغيير سياسة نتنياهو لأنها لا تضم الاغلبية والدليل تأرجح شعبية نتنياهو التى انخفضت بعد عملية طوفان الاقصى ثم عادت لاعتماده على تحالف لا يقل تطرفا عنه فى حكومته ويسعى لإرضائه وبالتالى يحجم عن تغيير سياساته بل قراراته تزداد تطرفا خشية من اسقاط حكومته بانسحاب المتحالفين معه للابتعاد عن خضوعه للمحاكمة لاتهامه بالفساد والاخفاق فى توقع عملية طوفان الاقصي.
وقال د.أحمد يوسف: لا ننسى غضبة الشارع ضد تحجيم سلطات المحكمة العليا رغم اتساعها الا ان نتنياهو لم يرضخ لها وهنا نعود إلى أن صمود المقاومة وتزايد خسائر الكيان من الممكن ان تتزايد معها حالة سخط النخبة والرأى العام بما يؤثر على الائتلاف الحاكم وخاصة ان هناك احزاباً تراجع موقفها مثل حزب «شاس» وكذلك اتساع الشرخ بين المؤسستين الامنية والعسكرية والذى توارى بعد الضربات الاخيرة ضد حزب الله ليحدث تلاحم بين مؤسسات الدولة الامنية والعسكرية والسياسية رغم محاولات نتنياهو توسيع المواجهة لحرب اقليمية لاستدراج امريكا فقصف القنصلية الإيرانية فى دمشق التى راح ضحيتها عناصر من الحرس الثورى واغتيال اسماعيل هنية على أراضيها.. والغرض جر إيران للحرب، ولكن إيران هدفها اكمال برنامجها النووى ولا تريد اعطاء ذريعة لمهاجمة منشآتها النووية وحتى بعد الهجمات السيبرانية الاخيرة على حزب الله واغتيال قيادة فرقة الرضوان التنفيذية.
أكد د.أحمد يوسف أن سيناريو الأحداث مازال مفتوحا والامل فى صمود المقاومة لنصل للتسوية مثلما حدث عام 2006 بمعنى لا نصل لهزيمة المقاومة ولا انتصارها ليبقى الصراع مفتوحا والنصر فى النهاية للمقاومة لأن خسارتها اسوأ الاحتمالات لأنه يفضى لاستكمال الكيان الصهيونى مشروع إسرائيل الكبرى إلا أن الامر لن ينتهى لأن وقتها ستواجه إسرائيل مزيداً من المشكلات من المقاومة والرأى العام العالمى أقصى ما يريده نتنياهو نجاح مشروع الشرق الاوسط وتغيير حدود دول واعلان إسرائيل الكبرى ولكن تغيير حدود الدول يأتى من انقسامات وحروب فى دول معينة.
وأوضح د.أحمد يوسف أنه بالعودة للتاريخ نؤكد ان مشروع الشرق الاوسط الكبير فاشل مثلما فشلت كل المشروعات الشرق أوسطية على ايد مصرية فقبل ثورة 1952 اسقطت حكومة الوفد مشروع قيادة الشرق الاوسط وبعدها اسقط عبد الناصر مشروع حلف بغداد وايزنهاور وسقطت بعدها كل المشروعات الشرق أوسطية حتى فى فترات ضعف النظام العربي.. فبعد اتفاقية أوسلو والمعاهدة المصرية والأردنية كانت الامور مواتية لاقامة منظومة الشرق الاوسط الجديد ولكن فشلت وتوقفت المؤتمرات الاقتصادية.. وحين دعا ترامب خلال قمة الرياض عام 2017 للناتو العربى لم ير المشروع النور، وفى قمة جدة التى حضرها بايدن لم يأت له ذكر لأن الدول العربية وصلت لدرجة من النضج.
والآن مصر تسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد مثلما أسقطت مشروع تهجير الفلسطينين.
يرى د.أحمد يوسف أنه رغم رواج فكرة حل الدولتين للقضية الفلسطينية وتأييدها إلا أنها تواجه صعوبات أولها رفض نتنياهو لها وواقع الاستيطان يعقد تنفيذها أما عن التهجير القسرى ورغبة إسرائيل فى تنفيذه فهو صعب التحقق لأنه عام 1948 نجحت إسرائيل فى إخراج الفلسطينيين من أراضيهم والآن يمثلون خمس سكانها ولو ضمت الضفة وغزة تقترب النسبة لنصف سكانها وهذا خطر عليها لأنهم مصدر مقاومة مستمر لاحتلالها اضافة إلى رفض الدول العربية والمجتمع الدولى رغم تخاذله ولهذا نرى المجتمع الدولى يمارس سياسة بلا انياب وقاصرة على الاستنكار والتنديد وهذا يشمل الصين وروسيا المشغولتين بأمورهما الذاتية وباستثناء امريكا التى لها دور فاعل فى دعم إسرائيل رغم حديثها المكرر عن محاولاتها لوقف اطلاق النار.. أما المنظمات الاقليمية فتكتفى بالكلام والمواقف الدبلوماسية مثلما يفعل الاتحاد الاوروبى والجامعة العربية لا تستطيع اتخاذ قرارات الا ما تجمع عليه الدول الاعضاء ليكون الرهان فى النهاية على صمود المقاومة وقدرتها على تكبيد جيش الاحتلال أكبر قدر من الخسائر.
الحرب مستمرة
اللواء سمير فرج المفكر الإستراتيجى يرى أنه بعد مرور ما يقرب من عام على الحرب على غزة والمرشحة للاستمرار لما بعد الانتخابات الامريكية لم يحقق نتنياهو الاهداف التى قامت من أجلها العملية العسكرية أولها عدم قدرته على تحرير الاسرى بالقوة وعدم القضاء على حماس وتدمير قدراتها العسكرية والاستيلاء على غزة ورغم ذلك أضاف هدفا جديدا وهو عودة سكان المستوطنات فى الشمال والمقدر عددهم بمائة الف مستوطن.
وأضاف أن ما حققه نتنياهو هو تدمير قطاع غزة وقتل الابرياء والتجويع والابادة باستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين ورغم ذلك مازال لدى نتنياهو القدرة على استمرارها لوقت اطول لاعتماده على الدعم الامريكى عسكريا وسياسيا واقتصاديا واطالة مدى الحرب حتى الانتخابات الامريكية ووصول الرئيس الجديد حتى يتعامل معه، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى أنه يخشى ايقاف الحرب لأنه يعنى تقديمه للمحاكمة على تقصيره فى الحرب وعدم تحقيق اهدافها اضافة لمحاكمته جنائيًا فى ثلاث قضايا فساد، كذلك فشل رهانه على جر دول مهمة فى المنطقة للدخول فى حرب لتتحول لحرب إقليمية.. فإيران لن تدخل الحرب رغم خسائرها البشرية لرموز لها لأن هدفها الوصول لانتاج القنبلة النووية خلال عام 2025 وهى تعلم ان انجرارها لهذه الحرب فرصة نتنياهو لتدمير منشآتها النووية وتعطيل مشروعها الذى من خلاله تمتلك قوة ردع فمهما يحدث لن تدخل ايران الحرب.
يتوقع سمير فرج ان الخسائر الفلسطينية ستكون أكبر فى حالة اعادة انتخاب ترامب ودخوله البيت الابيض مرة ثانية لأنه لا يرى حلاً سوى الدولة الواحدة اليهودية الخالصة بعد حل مشكلة الزيادة الديموجرافية للفلسطينيين العرب باصدار قانون بموجبه لا يزيد تمثيلهم فى الكنيست على الثلث مهما بلغ عددهم ولا يجب الحديث عن الاراضى بعد ابتلاع الضفة الغربية وإقامة مستوطنة كل أربعة أشهر ولا يجب الاعتماد على الخلافات داخل النخبة الإسرائيلية باعتبارها مع نتنياهو لأنها بهدف أصوات الناخبين ولا تغيير فى الإستراتيجية الإسرائيلية لأنها واحدة وثابتة ولا تغيرها خلافات نخبوية وموقف فرنسا والاتحاد الاوروبى يحول دون تحويل الحرب فى لبنان لحرب إقليمية وسيقتصر العدوان على منطقة جنوب لبنان حتى نهر الليطانى وستنتهى الاوضاع مثلما انتهت عام 2006 بعد الانتخابات الامريكية،ومهما تعددت اطروحات التهجير القسرى للفلسطينيين لدول الجوار فقد انتهى برفض حازم من القيادة السياسية المصرية فى حالة التوصل لاتفاق سلام بنهاية هذه الحرب ستنتهى المقاومة بتحويلها لأحزاب سياسية مع تجديد وتطوير السلطة الفلسطينية تنفيذا للطلب الأمريكى ولن يسمح بأى شكل من المقاومة وتجرى انتخابات وتشكل حكومة تكنوقراط كما طرح وليم بيرنز مدير المخابرات المركزية كل هذا مؤجل لما بعد الانتخابات الأمريكية ورسم خريطة جديدة للمنطقة وشكلها سيتوقف على من ستأتى به الانتخابات الأمريكية فاذا اتت بـ«هاريس» ستكمل سياسة بايدن اما اذا اتى ترامب فسيعيد صفقة القرن والدولة اليهودية الخالصة الواحدة وفقاً لقانون القومية.
مكاسب وخسائر
الدكتور طارق فهمى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة قال: إنه بعد مرور عام على الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة يجعلها أهم حرب فى اطار الصراع العربى الإسرائيلى وهى حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني، وهذا يشير الى استمرار الحرب لندخل مرحلة الترتيبات الامنية من جانب واحد ويغيب الحديث عن تسوية أو وقف اطلاق نار رغم كل الجهود.
وأضاف أن المنطقة فى انتظار احداث كبيرة هيكلية مفصلية وجزء منها مرتبط بالانتخابات الأمريكية المقبلة التى تنتظر الحكومة الإسرائيلية نتيجتها ووصول ترامب للسلطة وقتها يكون لكل حادث حديث وحتى انتهاء الانتخابات الامريكية فلا نملك التعويل على تشكيل إرادة سياسية أمريكية ويستمر هذا لاكثر من ستة أشهر.. وبالتالى الترتيبات الأمنية والإستراتيجية ستمضى فى اتجاه واحد وحتى الانتخابات يضيف أننا علينا ادراك ان المقاومة الفلسطينية ليست مختزلة فى حماس وحدها بل موجودة فى الضفة الغربية والمخيمات بجانب قطاع غزة.. ومن ثم فحركة حماس لن تنتهى كفكرة ايديولوجية لكن على الارض ورغم أن بنيتها الاساسية تضررت بنسبة ما يقرب من 60 ٪ ولكن ستستمر حركتا حماس والجهاد فى غزة والضفة بجانب الفصائل الاخرى وبالتالى لا حديث عن انتهاء أو نزع سلاح أو اخراج قادة مثلما يدعو المقترح الإسرائيلى الأخير من خلال صفقة المرور الآمن واخراج قادة حماس الميدانيين للخارج فهذا لن يحدث.
ويستطرد د.طارق فهمي: أما على صعيد المكسب والخسارة للقضية الفلسطينية بعد احداث 7 اكتوبر.. بالرغم من فداحة الخسارة على مستوى سقوط الشهداء إلا أن «طوفان الأقصي» عمل كبير أدى لإعادة تقييم وتقديم القضية الفلسطينية للواجهة الدولية رغم دمار القطاع وتقليص مساحته، والمكسب رمزى ونحتاج البناء عليه أما على جانب الكيان الصهيونى فإنه لم يكسب شيئاً رغم احتلاله للقطاع لأنه خسر سمعته الدولية واتساع حالة الانقسام والشروخ الداخلية فالقضية بالنسبة له أصبحت قضية وجود وليست حدودا مما اثر على مكانة الاحتلال ايضا الاخفاق الداخلى وهذا يفسر ان إسرائيل خرجت من الحرب مهزومة منكسرة تعانى من الاخفاقات لأن الداخل والاحزاب منقسمة والحرب الاهلية على أبوابها.
ويرى د.طارق أن مكونات الحكومة الإسرائيلية قوية ومتماسكة ولا تريد الذهاب لانتخابات مبكرة خشية الحرب الاهلية بين أنصار نتنياهو وتحالفه ضد معارضيه ولذا يردد أن هذه الحرب حرب وجود والدولة ومصيرها ومستقبلها فى مواجهة الاطراف فى الشارع لن يغير.. لذلك ستجرى الانتخابات فى موعدها عام 2026.. وذلك رغم الخلافات الكبيرة داخل إسرائيل لأن هناك خوفاً على الدولة وتماسكها.
أضاف د.طارق فهمى أن ذهاب اسرائيل للجبهة الشمالية قبل الاحتفال بالسنة الاولى للحرب وبناء سردية صهيونية وتحويلها لما يشبه ما يحدث فى ذكرى أحداث الحادى عشر من سبتمبر بأمريكا وبناء مظلومية تروجها الميديا اليهودية الصهيونية..ومن ثم الحرب فى الشمال ستكون تدريجية وتغير قواعد الاشتباك فى سعى لتأمين الجبهة وسيكون هناك عمل برى من خلال قواعد اشتباك جديدة ولا يريدها سوى نتنياهو لإعادة ترتيب اولوياته وفقا لامتلاكه القوة فى مواجهة سبع جبهات كما تحدث فى الكونجرس الأمريكى وبالرغم من كل هذا فالتهديد بحرب إقليمية صعب ومستبعد ولكن نتنياهو تحدث عن بناء شرق اوسط جديد وهذا مرجح ان يحدث وقد يغير المنطقة للأسوأ وستكون هناك معادلات يمكن أن يمنعها استئناف العلاقات المصرية- التركية واستمرار مصر فى اتصالاتها مع إيران مما يغير من قواعد الاشتباك مع كل الاطراف.
وأكد د.طارق فهمى أنه لا تصفية للقضية الفلسطينية ولكن لا حل قريباً رغم حفاظ مصر عليها الا ان مشروع التهجير يتم ترديده من جديد عبر الجنرال جيورا ايلاند منذ عهد مبارك عبر خطة تقاسم الأراضى ولكن لن يكون سوى بالوطن البديل وهذا يتم مقاومته وآن الأوان للتفكير فى حلول للقضية الفلسطينية وبدائل لحل الدولتين إما دولة واحدة ثنائية القومية او اتحاد كونفدرالى فلسطيني- يهودي- أردني.
وتحدث د. طارق فهمى عن مربع غياب دور القوى الدولية والإقليمية، وقال: لكل حساباته المختلفة عن المشروع العربى أو الشرق أوسطى أو الإسرائيلى ولذا نجد القوى الدولية ليست مؤثرة لنجاح أمريكا وإسرائيل فى تخريب هذا الدور ولا نتوقع دوراً سوى للوكلاء الاقليميين حين يتعرض أمن إيران القومى للخطر ولكن لن يحدث التخلى عن اسناد قطاع غزة ولن يتم فك الجبهات رغم الرسائل خلف الستار فى النهاية المنطقة فى خطر وطريق الذهاب لحالة فوضى وهناك عملية فك وإعادة تركيب لتحالفات كبيرة لأن عملية غزة انتهت واليوم التالى بدأ وستبقى إسرائيل فى الممرات لتحسين شروط التفاوض وستنسحب تدريجيا من ممر صلاح الدين وستظل مصر الدولة الإقليمية المحورية فى الإقليم وتحدد البوصلة والاتجاه رغم ما تريده إسرائيل من تغيير معاهدة السلام والبروتوكول الامني.
إحياء القضية الفلسطينية
الدكتور أحمد فؤاد عضو المجلس المصرى للشئون الخارجية والمتخصص فى الشأن الإسرائيلى قال: بتقييم المكسب والخسارة نجد القضية الفلسطينية استفادت بفضل جهد المقاومة وتضحياتها فى مواجهة جرائم الاحتلال وأصبحت على قمة الاجندة الدولية بعد ان دق التطبيع أبواب دول بعيدة جغرافيا عن أرض فلسطين مثل تشاد والسودان وغيرهما، حصلت فلسطين على موافقة العديد من الدول لتصبح عضوا فى الامم المتحدة ببعض القيود على حقها فى التصويت، كذلك سقوط السردية الاسرائيلية المروجة لقوة الردع الذى كان أحد مكونات قيامها.
وأضاف: كل هذا بسبب عدم انكسار المقاومة أو استسلامها وعدم تمكين جيش الاحتلال من تحقيق أهدافه خلال عام من الحرب على المقاومة فى قطاع غزة فلم يستطع الجيش الذى يدعى انه لا يقهر من القضاء على المقاومة أو تحرير الاسرى الا بالتفاوض وابرام صفقات مقابل تحرير مئات المعتقلين الفلسطينيين من الرجال والاطفال والنساء ولكن اخطر خسارة تكبدتها دولة الاحتلال هى الهجرة العكسية لتصبح دولة طاردة مما يضرب العقد الاجتماعى بين المهاجرين والساسة لان المهاجر لم ير رفاة الحياة التى وعد بها، بينما رأى التضحيات والاستدعاء للخدمة العسكرية وهذا لم يكن من مفردات أهدافه، فضلاً عن التمييز والعنصرية وعدم توزيع الاعباء بالتساوى ففى الوقت الذى تجند فيه النساء يعفى الرجال المتدينين مثل الحريديم من التجنيد الذين يرفضون الخدمة العسكرية لأسباب دينية ويفضلون السجن أو الموت عن الانخراط فى الجيش.
وذكر أحمد فؤاد فى حساب قائمة الخسارة تعرض دولة الاحتلال للطمة تاريخية تهدد مستقبلها وتحدث ترامب خلال احد مؤتمراته الانتخابية عن عامين على استمرار إسرائيل فى حالة فوز منافسته كاملا هاريس، اما الجنرال بيريك فاختصر المدة لعام واحد فى ظل الاستنزاف الذى تعانيه والخسارة الاخرى هى لم تعد إسرائيل مخلب القط أو شرطى المنطقة لحماية المصالح الأمريكية والغربية بل تحولت لعبء على دافع الضرائب بالغرب لانها أصبحت محتاجة الى حماية وغطاء سياسى اقتصادى امنى وقانونى من داعميها مما يكبلهم باعباء ترفضها قطاعات من مجتمعاتهم.
وقال أحمد فؤاد انه يرفض حل القضية الفلسطينية على غرار بورتريكو كما طرحه ديفيد فردمان مستشار ترامب لأنه محاولة لتجميل الاحتلال باستدعاء حلول من القرن 19 وان كان هذا يتماهى بين المستعمر القديم والجديد الذى يرى تميز الجنس والعرق مسوغ للاحتلال واقرار من يبقى على الارض ومن يرحل او ضم الاراضى بعد تطهيرها من سكانها الأصليين دون منحهم حق تقرير المصير وحقوقهم السياسية ناهيك عن تناقض هذا مع قرارات الشرعية الدولية والجميع أصبح يتشكك فى قدرة الاحتلال على حماية حدوده فكيف يتم التفكير فى توسعها لتدخل فى مواجهات شاملة تهدد استقرار المنطقة وما هى الا أمانى من ينتظرون عودة المسيح المخلص ولديهم الرغبة فى التوسع بالاستيطان رغم ان الارض لا تحمى السكان من الهجمات الصاروخية، اضافة إلى ان 1 ٪ من مساحة فلسطين التاريخية متمثل فى قطاع غزة تؤرق الاحتلال فماذا يفيد شريط أمنى حدودى فى شمال غزة أو جنوب لبنان والذى تم تجريبه وفشل بل تكبدت اسرائيل خسائر كبيرة ويهدد استقرار المنطقة.
ينبه احمد فؤاد لخطورة طبيعة من يدير دولة الاحتلال الآن وعلينا مواجهته فهم عصابات مسلحة ارهابية حسب القانون الاسرائيلى ذاته ويتولون ادارة وزارات واصبحوا يقودون دولة الاحتلال رغم انهم لا يمثلون سوى 6 ٪من جملة السكان ولكن اصبح القرار بيدهم وهنا الخطورة لان السعى لتوسيع الحرب وتوريط أمريكا، لذا يجب الانصات الى الرؤية المصرية التى حذرت مبكرا من سياسة حكومة نتنياهو منذ 2022 حين تولت الحكم وضرورة وفك الحصار عن الفلسطينيين والبحث عن أفق سياسى لان الحديث عن التهجير او حلول مؤقتة مرفوض رسميا وشعبيا.