فى ظل التكتلات الاقتصادية الحالية التى يهيمن عليها الدول الصناعية والغنية منذ نشأة النظام العالمى بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ظهرت خلال العقد الأخير مبادرة جديدة أطلقتها الصين، عرفت باسم الحزام والطريق، يتشارك فيها بلدان العالم سواء كانت اقتصادات نامية أو صناعية أو غنية، دون تصنيف، وذلك فى محاولة لتأسيس عالم جديد متعدد الأقطاب لا يهيمن عليه قوى معينة.
يأتى مشروع الحزام والطريق فى وقت مضطرب يشهد فيه العالم حالة من عدم الاستقرار على مستوى الاقتصاد والصراعات الجيوسياسية، تعكسها اقامة توازنات وتحالفات تحافظ على أحادية النظام العالمى الراهن، الذى تسيطر عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها منذ انتهاء الحرب الباردة.
ولمواجهة هذه الهيمنة الغربية، تتبنى الصين تأسيس نظام عالمى متعدد الأقطاب، يشارك فيه الاقتصادات النامية دون تهميش، وقد تجلى ذلك من خلال انشاء تكتل بريكس (الدول الأسرع نمواً فى العالم)، وكذلك فى مشروع الحزام والطريق الذى يضم الدول الكبرى والنامية على حد السواء.
وكانت الصين قد أصدرت العام الماضى الوثيقة البيضاء، أعلنت فيها عن رؤيتها فى اصلاح النظام الدولى الراهن، بعد أن عبرت عن مخاوفها تجاه تزايد وتيرة عدم الاستقرار، طارحة بديلاً آخر للنظام العالمى الحالى أكثر شمولية بحيث يلبى التطلعات التنموية والاقتصادية لكل دولة. كما ذكرت أيضاً أن مبادرة الحزام والطريق تأتى ضمن الخطة الشاملة للبلاد فى الانفتاح والتعاون الدولي، بعيداً عن الحمائية والأحادية والهيمنة ، مؤكدة بحسب الورقة أنها ستعمل على تحقيق صوت أكبر للاقتصادات الناشئة والدول النامية فى الحوكمة العالمية.
يهدف الحزام والطريق إلى تعزيز الروابط التجارية والاقتصادية بين دول العالم من خلال تطوير البنية التحتية فى الدول التى تشترك فى هذه المبادرة، والتى تشمل الموانئ والسكك الحديدية والطرق البرية لتسهيل حركة التجارة البينية، حيث تم بناء وتشغيل خط السكك الحديدية بين الصين ولاوس وآخر بين جاكرتا وباندونج وميناء بيرايوس وغيرها من المشروعات التى تعود بالنفع على الدول المشاركة.
بحسب تقديرات البنك الدولي، إن تنفيذ هذا المشروع الضخم بشكل كامل، يمكن أن يؤدى إلى تعزيز التجارة بنسبة تتراوح بين 1.7٪ و2.6٪ على مستوى العالم، وزيادة الدخل عالميا بنسبة من 7.0 ٪ إلى 9.2 ٪.
حتى الآن، وقعت الصين على أكثر من 200 اتفاقية تعاون مع أكثر من 150 دولة و30 منظمة دولية عبر خمس قارات، فى إطار هذه المبادرة.
وفى الفترة من 2013 إلى 2022، بلغت القيمة التراكمية للواردات والصادرات بين الصين والدول الشريكة فى الحزام والطريق 1.19 تريليون دولار أمريكي، بمتوسط نمو سنوى بلغ 4.6 ٪، بحسب مصادر صينية.
تعتبر الدول العربية جزءا مهما فى مشروع الحزام والطريق، لذلك وقعت الصين اتفاقيات تعاون مع 21 دولة عربية، تم تنفيذ العديد من المشاريع فى اطار هذه المبادرة. كما انضمت 17 دولة عربية كأعضاء فى البنك الأسيوى للاستثمار فى البنية التحتية وصندوق طريق الحرير، الذى ارتفع عدد أعضائه إلى 109 بعد الموافقة على انضمام دول السلفادور وجزر سليمان، وتنزانيا، حيث يمثل المساهمون فى البنك – الذين من بينهم مصر – 81 ٪ من سكان العالم ، 65 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، أقامت بكين علاقات شراكة استراتيجية مع 15 دولة عربية، كان آخرها تونس وموريتانيا، كما وصل حجم التبادل التجارى بين الجانبين إلى 398 مليار دولار أمريكى ، وهو 10 أضعاف مما كان عليه قبل 20 عاماً، بحسب تقارير صينية.
وشهد التعاون الصينى – العربى أيضاً تقدماً بارزاً فى مجالات الطاقة والمالية والبنية التحتية وغيرها، حيث استوردت الصين 265 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية فى عام 2023، ويشكل هذا الرقم حوالى 47 ٪ من واردات الصين الإجمالية للنفط الخام من الخارج.
وفى مجال البنية التحتية، أقامت الصين الطريق السيار الذى يربط شرق الجزائر وغربها ، والذى يتجاوز طوله 1200 كيلومتر، و كذلك بناء استاد لوسيل، الملعب الرئيسى لكأس العالم الذى أقيم فى قطر، فضلاً عن جسر محمد السادس فى المغرب.
وبالنسبة لمصر، شهد التعاون التنموى بين القاهرة وبكين فى العديد من المشروعات، منها منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة وقطار السكك الحديدية فى مدينة العاشر من رمضان، هذا بالإضافة إلى منطقة التعاون الاقتصادى والتجارى بين الصين ومصر بالسويس «تيدا»، التى اجتذبت حوالى 180 شركة صينية وأجنبية.
وبالنسبة للاستثمار، بلغت قيمة رأس المال الصينى فى مصر خلال العام الماضي، 7.956 مليون دولار ، بينما بلغت قيمة الاستثمارات المصرية فى الصين 4.208 مليون دولار فى نفس العام، كما ارتفعت حجم الصادرات المصرية إلى الصين 909 ملايين دولار خلال عام 2023، فيما وصل حجم الواردات المصرية من الصين 9.12 مليار دولار خلال نفس العام، وفقاً للهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
وتعتبر مصر لاعبا رئيسيا فى مبادرة الحزام والطريق من خلال قناة السويس التى ستكون بوابة طريق الحرير البحري، الذى يربط الشرق بالغرب ، كما أنها ستكون الطريق الرئيسى لمرور البضائع إلى أوروبا، ومن هذا المنطلق يأتى دور تنمية محور إقليم قناة السويس ليكون مركزاً لوجستيا للسفن والبضائع فى طريق الحرير .
فى ظل استمرار تعاظم الاقتصاد الصيني، و محاولة طرح نظام اقتصادى عالمى بديل لا تقوده دولة بمفرها أو تحالف بعينه، ينتقد الغرب سياسة بكين، لا سيما مشروع الحزام والطريق الذى يسعى لتغيير شكل الاقتصاد العالمي، مروجين أن هذا المشروع يسعى لفرض هيمنة الصين على النظام الدولى من وجهة نظرهم.
ومن أجل تصحيح المفاهيم، وإبراز أهمية هذا المشروع الضخم، تعقد الصين مؤتمرات عديدة حول المبادرة لمواجهة هذا الهجوم الغربي، كان آخرها منتدى التعاون الإعلامى الذى عقد منذ أيام فى مدينة تشيندو بمقاطعة سيتشوان جنوب غرب الصين، الذى حضره وفد عربى من مؤسسات صحفية واعلامية مختلفة من بينها جريدة الجمهورية، حيث تستغل الحكومة هذه المؤتمرات من أجل تبادل الأفكار والآراء الخاصة للدول المشتركة فى هذه الاتفاقية لتحقيق المنفعة المشتركة، وخلق انطباع إيجابى حولها.
وفى وقت سابق، عقدت رابطة الصحفيين لعموم الصين منتدى صحفيى الحزام والطريق بحضور ما يقارب 70 اعلاميا من أكثر من 40 دولة حول العالم، بهدف وضع معالم الخطط اللازمة للترويج الصحيح للمبادرة ومواكبتها فى مختلف المجالات المتعلقة ببناء المبادرة ونجاح الاتفاقيات المتعلقة فيها، وايصال المعلومات الضرورية حولها وفوائدها والفرص المحققة من خلالها للدول والشعوب.