ما يحدث الآن فى غزة قد فاق كل صبر.. وتعدى حدود المنطق.. وكل ما تنادى به الأديان من سماحة وعدالة.. شيء غير مقبول ولا يطاق.. تماما كما قال على محمود طه وغنى عبد الوهاب «أخى جاوز الظالمون المدي».. نعم.. ما نراه الآن هو الظلم والقبح بعينه.. ولقد طفح الكيل.
العدو الذى سرق الأوطان وقتل الأطفال والنساء ودمر الحرث والديار وشرد الملايين العزل.. ليس هو العدو الأوحد.. ولو كان الأمر كذلك لانتهت القضية وحسمت فى عدة أيام.. ولكن للأسف العدو هو مخلب القط الخبيث الذى أوجده وزرعه فى المنطقة.. ويدعمه دون حدود أو استحياء.. وعلى من يريد أن يتصدى له أن يواجه قوى الشر فى العالم كله بكل ما أنتجته من أسلحة الدمار والخراب والقتل والإبادة..
أتعجب حين يقال إنها حرب.. الحرب هو قتال بين جيشين.. إنهم لا يقاتلون أحداً.. بل يقتلون ويسفكون دماء الأبرياء.. يرتعون بغطرسة ولا رادع لهم.. والعالم كله يستجديهم لوقف القتال.. أى قتال ؟.. إنها بلطجة همجية.. اعتقد أن كلمة سرسجية التى سمعناها مؤخرا.. هى تماما ما يمكن أن يطلق على هؤلاء القتلة.. قتلة الأطفال والنساء الأبرياء..
وعلى الرغم من فداحة الثمن الذى دفعه الفلسطينيون فى غزة.. فأنا أرى أنهم كسبوا الكثير.. كسبوا تعاطف شعوب العالم الحر الأصيلة.. زالت من على أعينهم الغشاوة التى فرضتها عليهم ابواق الدعاية الصهيونية على مدار سنوات الاحتلال الطويلة.. رأى العالم الحقيقة.. وهتفت الملايين فى كل بلدان العالم.. تحيا فلسطين.. بكل لغات العالم.. قالوها وغنوها ورددوها فى الطرقات والميادين والمدارس والجامعات والكنائس والمساجد.. فى كل مكان.. المخرجة اليهودية الأمريكية الشابة سارة فريدلاند.. والتى فاز فيلمها الذى أخرجته كأفضل فيلم فى مهرجان فينيسيا العالمى للسينما أوائل هذا الشهر.. قالت وهى تستلم الجائزة أنها يهودية أمريكية ولكنها تأسف لأن تستلم هذه الجائزة بعد مرور 336 يوما على الإبادة الهمجية التى يمارسها الصهاينة للشعب الفلسطينى فى غزة.. بل وأيضا بعد 76 عاما من الإستيلاء على أراضيهم.. ونادت كل من يعمل فى مجال الإعلام بتوضيح الحقائق المخزية للصهاينة ونصرة الحق الفلسطيني.. هذا لم يكن من السهل أن يحدث.. ولكن لا يصح الا الصحيح.. والحق دائما أقوى من كل زيف ومن كل باطل.. أعتقد أن هذا التكاتف الشعبى العالمى لنصرة الحق الفلسطيني.. هو السلاح الذى يستطيع أن يقهر المعتدى ومن يحميه.. ولابد من أن نتكاتف من أجل استثمار هذا التوجه الشعبى العالمى لنصرة الحق والحقيقة.. وليكن هذا هو سلاحنا.. وأعتقد أن لدينا الأجهزة القادرة على القيام بذلك باقتدار.. وأيضا لابد أن نتكاتف مع باقى شعوب العالم.. من أجل تأكيد حقوق الشعب الذى يعيش غريبا على أرض وطنه.. أو غريبا على أرض وطن آخر.. ينعى دياره وينعى أهله.. وهناك الكثير ممن قد يصغون إلينا الآن..
من سيدفع فاتورة هذا الخراب والدمار.. هل ينتهى كل ذلك ويخرج المعتدى وكأن شيئا لم يكن.. لا أعتقد ولا يجب أن يكون.. لابد من أن يدفع المجرمون الثمن.. ولابد من أن نناضل جميعا من أجل ذلك.. لماذا يتحمل العالم نتيجة البلطجة والهمجية..
يا شعوب العالم الحر.. يا كل إنسان يؤمن بالحق.. ولا يرضى الظلم ولا القهر والعدوان.. هناك طفلة فلسطينية فى غزة تسمى مريم.. مريضة وجائعة وعطشانة.. تناديكم.. قتل أبواها.. وتعيش فى أنقاض منزلها الذى تهدم.. لا تجد ماء ولا طعاما.. لا تريد سوى الدواء.. فهى عليلة يتيمة جائعة.. رغم انها لم تذنب ولم تؤذ أحداً.. هى واحدة من الآلاف الذين عانوا من الظلم والقهر.. مريم تناديكم وتنادى على من ينصر الحق ويزهق الباطل.