«الأخلاق» هذه المفردة التى تعنى مفهومًا ثقافيًّا محيطًا وشاملًا لأحد أهم أوجه «الحضارة»؛ إذ اتفق غالبية الفلاسفة بداية من سقراط وأفلاطون وأرسطو وصولًا لابن رشد وغيرهم على أنها –الأخلاق– هى فى ذاتها الحضارة، وللمثال لا الحصر هكذا سطر تحديدًا إيمانويل كانط: «إن الحضارة هى الأخلاق»، وإذا كانت محبة الحكمة أو الفلسفة التى هى فى الحقيقة ثمرة نتاج الفكر الإنسانى عبر عصور تطوره وارتقائه التى لا تختلف على الإطلاق مع ما جاء به المقدس السماوى الذى نزل ليوافق العقل ولا يخالفه، فنجد أيضًا هذا المقدس فى العهدين القديم والجديد والقرآن الكريم يخاطب الأخلاق فى الإنسان، فكانت عدد آيات القرآن الكريم (6236) آية، منها (1534) آية عن الأخلاق، وحتى إن الحديث الشريف وهو المتفق عليه يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
وفى قصيدة العلم والأخلاق نظم شاعر النيل حافظ إبراهيم: «الأم مدرسةٌ إذا أعددتها… أعدت شعبًا طيب الأعراق».
وهو من زادنا من قيمة الأخلاق وفضيلتها إذ قال: «وارفعوا دولتى على العلم والأخلاق… فالعلم وحده ليس يجدي».
ولربما كان الشعر أكثر تلخيصًا لمقالات طوال، وهنا يقول أديبنا ومفكرنا عباس محمود العقاد: «إن بيتًا من الشعر يعادل رواية»، ويقصد فى أثره وتلخيصه، كما فند وقال: «قطعة من الحلوى تعادل قنطارًا من الخشب إذا أردت التدفئة».
وأتذكر كتاب (تطور الرواية العربية) ومحاضرات الخالد شيخ النقاد عبد المحسن طه بدر رحمه الله عندما حدثنا عن جمال السرد وبدعه عند العقاد، فهو من أبدع وفلسف عندما سرد نثرًا فى رواية «سارة»؛ إذ يصف أنوثتها نثرًا بما لم يصل إليه نظم الأكابر فى الشعر من الشعراء العظام، إذ يقول: «سارة تبقى أنثى وإن اختلطت بأمشاج أسد».
وعلى الرغم أن أديبنا الفذ لم يكن منتصرًا لفن الرواية فإنه أبدع أيما إبداع فى روايته «سارة» التى صدرت طبعتها الأولى فى 1938 قال عنها العقاد: «كتبت هذه القصة –فيما زعم بعضهم– لغير شيء، إلا أنّنى أردت أن أجرب قلمى فى القصة، لهذا السبب وحده كتبت سارة، وهو سبب قد يصح أو يكون له نصيب من الصحة لو أنّنى اعتقدت أنّ القصة ضريبة على كل كاتب، أو اعتقدت أنّ القصة أشرف أبواب الكتابة فى الفنون الأدبية، أو اعتقدت أننى مطالب بالكتابة فى كل موضوع تجول فيه أقلام المؤلفين».
ونعود لبلاغة النثر والنظم فكلاهما يبحثان فى آلية واحدة ألا وهى (كلما اتسعت الرؤيه ضاقت العبارة).. وهنا مكمن بلاغة الثقافة فى فرعها الأدبي، فكذلك حق لعلماء الدين ورهبانه، ومحبى الحكمة الفلاسفة بناة الفكر، وصانعى الوجدان من الشعراء والروائيين والقاصين، أن يقدموا لنا نسقًا أخلاقيًّا هو جانب من الحضارة المصرية بعينها وذاتها، تلك التى قال فيها سيجموند فرويد – يهــودى الــديانة – فى كتـــابه (موسى واليهود) ص ٣١: «عقدة اليهود الأزلية هى الحضارة المصرية».
وهنا نعود لفضيلة الأخلاق، التى تحقق السبق فى التقدم والتحضر للمصريين على غيرهم وبالأخص هؤلاء أصحاب النيات العدائية (الأزلية السرمدية).
–نعم– من خلال التكنولوجيا الحديثة ليست العسكرية إنما المدنية، ويتبادر السؤال سريعًا على مائدة التحليل: «كيف انتشرت مفردات (اليوتيوبر) و(البلوجر) وصانعى المحتوى ونجوم التيك توك؟» ومَن فرضهم على وسائل الإعلام ليستبيح اقتحامهم منازلنا وبيوتنا؟ ومَن روّج وسوّق لهم؟ ولماذا يكون المحتوى فى معظمه ضد أخلاق الأسرة المصرية؟ أو السؤال الأهم: «من أين انطلقت تلك المنصات المعادية والهجومية على الأخلاق المصرية؟ ومن باب (اعرف عدوك) وهى قاعدة مهمة نطرحها فى القادم إن شاء الله.