سؤال ورد على خاطري، وكان يتردد كثيرا داخلي، هل يمكن إعادة «صياغة» الإنسان، بعد كل هذه السنين، وما شهدته من تقلبات وانعكاسات وانتكاسات وتقهقر فى كل مجالات حياتنا؟
وقبل الإجابة التى لم اكن امتلكها، نعترف أن أحداث 25 يناير 2011، قد أخرجت أسوأ ما فينا من تصرفات وسلوكيات، لم تكن لحظية، واستمرت معنا تنغص حياتنا، لا يعجبنا العجب ونخوض مع الخائضين فى جدال وأى موضوع لا نفهم فيه وقد لا يخصنا، جميعنا نفتى فى كل شيء فيما نعلم وما لا نعلم، ونصر على الرأى ونتشبث به حتى لو كان خطأ، ولا نقبل الآخر لمجرد التعنت والانحياز للرأي.
وانعكس ذلك على كل تعاملاتنا وأخلاقياتنا، وساءت تصرفاتنا مع الغرباء والأقربين من أب وأم وإخوة ولكل أفراد العائلة، وخرج الكثير من الظواهر المرفوضة والسلوكيات السيئة، ومنها فى أبسط الأحوال التعامل مع الكبار، ومع الناس فى الشارع ووسائل المواصلات، انقلب الحال ورأينا السيدات وكبار السن يقفون بينما يجلس الشباب والصغار وهم يضعون ساقا فوق الأخرى متجاهلين المرضى وأصحاب الحالات الحرجة والضعفاء وأصحاب الهمم حتى فى الأماكن المخصصة لهم.
وعلى سبيل المثال أيضا، ما يحدث فى مواقع التواصل الاجتماعي، من شتم وسباب وانتقاد، واتهامات بالباطل، ومشاركات لبوستات ضالة مضلة، دون تأكد أو تثبت من صحتها، وأكاذيب طالت الجميع، وتحولت المواقع إلى منصات للخلاف، ومساهمة فى نشر الفوضي، من خلال عالم افتراضى وهمي، كثيرا ما نتعامل فيه مع أشخاص مجهولين.
وبقدر ما أصابنى الإحباط والاستياء من انقلاب أحوالنا وانفلات أخلاقنا، وضياع تقاليدنا ودمار أعرافنا، بقدر ما فقدت الأمل فى الإصلاح، خاصة أننى أجد الجهود الخجولة ولا أجد لها أثرا ملموسا، وقصر صاحب المسئولية فى تصحيح الأوضاع من دور العبادة والأسرة والمدرسة والمجتمع.
وعود على بدء، لا بد أن نشير إلى أن مصر طوال تاريخها وحضارتها العريقة الضاربة بجذورها، اهتمت ببناء الإنسان، وقدمت للدنيا عمالقة كانوا على القمم، تركوا بصماتهم التى تشهد لهم، وهؤلاء البشر هم الذين بنوا الحجر، علامة على تقدمهم ورفعتهم بين الأمم.
ومن ثم تأتى الإجابة عن السؤال المتصدر أعلاه، بأن الأمل موجود ولن يكون أبدا مفقودا مهما طال ظلام الليل، وجاءت المبادرة الرئاسية للتنمية البشرية «بداية جديدة لبناء الإنسان»، تستهدف تحسين جودة الحياة لجميع المواطنين، وإتاحة طريق نحو التنمية الذاتية والصحية والتعليمية والرياضية والثقافية، من أجل تقديم مواطن صحيح متعلم واع ومثقف.
وتتضمن المبادرة عدة محاور، على رأسها التعليم عبر تطوير المناهج التعليمية والبرامج التدريبية للمعلمين واستخدام التكنولوجيا فى العملية التعليمية التى تحتاج إلى جهد جهيد وتعد البداية الصحيحة لتنطلق المبادرة بشكل سليم وعلى أسس صحيحة ويكون التعليم هو القاطرة التى تقود المجتمع إلى الطريق الصحيح.
ثم محور الصحة الذى يقوم على تحسين الخدمات من خلال حملات التوعية والقوافل العلاجية، بناء على أن «العقل السليم فى الجسم السليم»، ويأتى محور التوظيف ليواجه مشكلة البطالة، وخلق فرص العمل والتدريب وتطوير المهارات بما يتناسب مع احتياجات سوق العمل.
ومن الناحية العمرية، تتضمن المبادرة برامج للأطفال، تهتم بالطفولة المبكرة من التنشئة البدنية والعقلية والنفسية والصحية، وإنشاء الحضانات ورياض الأطفال، ثم برامج للشباب، لتحسين مهاراتهم وضمان تجهيزهم لسوق العمل، وبرامج للكبار، وتشمل التدريب ورفع القدرات ودعم كبار السن.
عموما فإن مبادرة «بداية» تجسد الاهتمام بالإنسان، لتغيير واقع ومستقبل العباد والبلاد إلى الأفضل فى مختلف المجالات، و«بداية» ليست كل شيء، إنما جزء من المشروع القومى للتنمية البشرية الذى تم إطلاقه بتوجيه من الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذى يستهدف الصحة والعمل والتنمية المتكاملة والمستدامة والحياة الكريمة للجميع.
اعتبر أن «بداية» عودة الروح إلى الجسد، وانتظر الثمار.