منذ فترة ليست بالقصيرة بدا واضحًا لأكثر المتابعين أن اختراقًا استخباريًا شديدًا تعانى منه جبهة الإسناد فى لبنان بسبب كثرة عمليات الاغتيالات للقادة المؤثرين فى الحرب هناك، وكانت الطامة الكبرى فى ثلاث عمليات متتالية .وصف حسن نصرالله العمليتين الأوليين بأنهما ضربة كبيرة حيث تم تفجير أربعة آلاف من أجهزة «البيجر» التى يستخدمها القادة فى حزب الله فى لحظة واحدة الأمر الذى أسقط الكثيرين من المدنيين والأطفال والعسكريين بين شهيد وجريح ثم تم تفجير اللاسلكى الذى لجأ إليه أعضاء الحزب بعد التخلص من «البيجر» ولم يكد يمر يوم حتى تم استهداف عشرين من القادة الكبار للحزب فى اجتماع من المفترض أنه سري.
وفضلًا عما تتصوره إسرائيل أنها قادرة على أن تتصرف كما تشاء وتملى على الجميع أوامرها ،وفضلا أيضا عن فشل هذا التصور حتى الآن . إلا أن ما حدث لا يجوز أن يمر لا على رجال المقاومة وجبهات الإسناد فقط وإنما على جميع من يهمه الأمر فى المنطقة.
أولاً: فعودة إلى الخلف قليلا فإن المتأمل يخامره الشك فى طرق القتل للقادة السابقين مثل اسماعيل هنية فى إيران وغيره فى لبنان مثلا كما ذكر زميلنا الكاتب الصحفى فراج اسماعيل فى مقال له
ثانيا: كإجراء سريع، على الدول التى تتوقع خطرًا يأتيها من قبل إسرائيل بل والتى لا تتوقع أن تعيد النظر فى وسائل اتصالات القادة والمسئولين المنوط بهم التعامل فى مثل هذه الأمور فالعاقل من اعتبر بغيره كما يقول الشاعر:
وأغزر الناس عقلاً من إذا نظرت
عيناه أمرًا غدا بالغير معتبرا
وقد سبق أن علم العالم العربى كله أن الرئيس القذافى تم قتله من خلال معرفة مكانه بواسطة تليفون محمول كان يستخدمه ويعتمد على الأقمار الصناعية ،فقام من يريدون قتله بتوجيه القتلة إلى مكانه.
ثالثاً: على الدول المهتمة أن تدرك أن التكنولوجيا التى تنتج خارجها شديدة الخطر عليها وعلى أمنها القومى وعلى مجتمعها لأنها لا تعلم فيما يمكن استخدام مثل هذه التكنولوجيا ضدها خاصة فيما يتعلق بتكنولوجيا التوجيه من بعد .ولا تعلم من صنع ومن باع ومن استغل ومن أعد العدة للمستقبل، وبالتالى فالحل أن يتم إنتاج مثل هذه الوسائل محليا وفى مصانع تسيطر عليها أجهزة مسئولة تعرف كيف تحترز ويحتاط. إذن فالعلم والتعليم باب من يريد حماية نفسه.
رابعاً: ورغم ما جاء فى قرار مجلس الأمن من قرارات فى صالح الحق الفلسطينى إلا أنه تأكد أن القانون الدولى الذى أشار إليه مفوض الأمم المتحدة السامى لحقوق الإنسان «فولكر تورك» فى كلمته بمجلس الأمن أثناء مناقشة الاعتداء على لبنان من خلال تفجير البيجر لا شأن لاسرائيل به مثل كل القرارات السابقة التى لم تعبأ بها . فقد جاء فى كلمة مفوض الأمم المتحدة: إن «القانون الدولى يحظر «تفخيخ» أجهزة مدنية الطابع. واعتبر أن «ارتكاب أعمال عنف تهدف إلى نشر الرعب بين المدنيين يعد جريمة حرب»، مضيفا أن «الحرب لها قواعد»، داعًا إلى إجراء تحقيق «مستقل ودقيق وشفاف». مضيفا «إن استهداف آلاف الأفراد بشكل متزامن، سواء كانوا مدنيين أو أعضاء فى جماعات مسلحة، دون معرفة من يحمل الأجهزة المعنية وموقعهم وبيئتهم وقت الهجوم، ينتهك القانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى حيثما ينطبق».
خامساً: مازالت أمريكا مؤمنة بمنهجها القديم فى التعامل مع القضايا ومع الحقوق الواضحة فقبيل حرب يونية 1967م أعلنت أنها ستقف مع إسرائيل وتدافع عنها فلما اجتاحت إسرائيل – بدعم عسكرى واستخباراتى وخداعى أمريكى – الدول العربية أعلنت حيادها تجاه ما يحدث وطالبت بضبط النفس وهكذا .فبينما تتزايد أعداد ضحايا الجريمة البشعة التى ارتكبتها إسرائيل من خلال تفجير أجهزة مدنية وقتلها قادة فى حزب الله فى غارة أخرى يعلن الرئيس الأمريكى أنه يسعى لإعادة السكان الاسرائيليين واللبنانيين إلى مناطقهم على طرفى الجبهة فى الوقت التى تعود البوارج الأمريكية إلى الشرق الأوسط لإرهاب دوله ولا يتوقف وزير خارجيته عن الحديث عن قرب إتمام صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب وهو فى الحقيقة يسعى لإيهام المواطنين الأمريكان والإسرائيليين– بذلك لتأخذ إسرائيل وقتها فى إتمام الإبادة الجماعية للفلسطينيين.