الموضوع ليس جديداً بالمرة.. وسبق للسينما أن قدمته منذ أن ظهرت رواية جورج ويلز «آلة الزمن» عام 1895، حيث توالت الأعمال، إما بالرجوع إلى الماضى أو القفز إلى المستقبل.. ولأن أغلب ما تم تقديمه فى هذا الإطار كان فى المجال السينمائى.. من هنا كانت دهشة المتفرج المصرى ووقوفه أمام مسلسل «عمر أفندى» الذى جرى عرضه مؤخراً، العامل الآخر لنجاح هذا العمل أن كاتبه مصطفى حمدى قدم الحكاية فى إطار بسيط بدون «فذلكة» وبخفة دم.. فإذا بنا نرى الممثل أحمد حاتم يكشف لنا عن قدراته وقد تخطى حكاية الانتشار إلى سكة الانتقاء.. ولا أعرف إن كان العمل قد جاء إليه أو سعى هو من جانبه للفوز، وفى الحالتين لا مشكلة.. وكما عرفت، فقد كان مقرراً أن يتم إنتاجه كفيلم بعنوان «السرداب» حتى جرى تغيير المسار إلى مسلسل وهو ما منح «أبو درش» الفرصة أن يقول كل شىء براحته، وأن يتجول بين العصرين على حريته، ويستعرض الجوانب الاجتماعية والفارق بينهما وهذه هى شفرة العمل وعماده الرئيسى.
العامل الثالث، فى الاستقبال الجيد للمسلسل.. تلك الوجوه التى شكلت لى مفاجأة.. آية سماحة، وهذا المدهش مصطفى أبوسريع، الذى قفز بالدور إلى الأمام خطوات بعد أن كانت أدواره السابقة لا تسمح له بأن يعلن عن نفسه كما ينبغى.. وعامل رابع أن المؤلف واحد، ولم يتم بنظام الميكروباص المنتشر حاليا والمعروف إعلامياً بنظام الورشة أو من كل فيلم أغنية.. لكن هنا الراكب هو السائق ولا بأس أن يسأل عن عنوان أو يستفسر عن شىء أو يستشير فى موقف، لكن عجلة القيادة فى يده وساعده على إبراز شغله أن المخرج المفاجأة عبدالرحمن أبوغزالة، بذل جهداً لكى يحافظ على إيقاع المسلسل بما يتناسب مع كل زمن، وبدون فرد عضلاته، فهو عمله الأول كما عرفت فى دنيا المسلسلات، لكن شطارته واضحة فى كل لقطة.. وأفلت من مأزق التصوير فى شارع عماد الدين بمدينة الانتاج الإعلامى، وقد تم استهلاكه فى العديد من الأعمال ومهارة المخرج تظهر فى اختيار زوايا وعمل تجديدات بحيث تراه العين بشكل يناسب المسلسل، ومعظم الكادرات فيها عمق »يعنى شغل سيما«، وهو ما تتم ترجمته إنتاجياً إلى مجاميع وعربيات موديلات قديمة وملابس، وهنا وجب تحية المنتج ايهاب منير أولاً لتحمسه للعمل ودعمه وعدم البخل عليه، وقد أتم إنتاجه ثم أعلن عن بيعه، بعكس ما يحدث غالباً أن يحصل المنتج على سلفة من الشركة التى سيبيع لها بعد أن يقدم الكاست والميزانية ومشاهد تم تصويرها، وهى مغامرة تدل على شجاعة المنتج وثقته فى مشروعه، ساعده أن أبطال الشغلانة أغلبهم من الشباب الذين قبضوا على الفرصة بأيديهم وأسنانهم، خاصة هذا العفريت المدقدق مصطفى أبوسريع.
كما أن وجود الكبار محمد رضوان ومحمد عبدالعظيم ورانيا يوسف، إلى جانب المتمكنة ميران عبدالوارث وأحمد سلطان الذى يثبت وجوده من عمل إلى آخر، مع محمود حافظ واسماعيل فرغلى فى دور مختلف، وميمى جمال بحلاوة زمان ودلوقت.
ديكور مين؟!
بحكم الخبرة والرغبة فى الإنصاف، كان لابد أن أسأل وأفتش عن مهندس الديكور أحد نجوم العمل مع الملابس والاكسسوارات، وزالت دهشتى عندما عرفت أنه أحمد فايز الذى قدم من قبل »جودر« و»الحشاشين« وهما أصعب من »عمر افندى« ومعه مهندس التنفيذ أحمد طه، ولا يمكن بحال تجاهل موسيقى محمد أبوذكرى وملابس داليا ممتاز ومونتاج معتز الكاتب، ونجوم الاكسسوار.. وأثناء بحثى عن العمل وظروفه، قرأت أن الممثل الظريف »على الطيب« أنا أراهن عليه بهدوءه وله من اسمه النصيب الكبير، قرأت انزعاجه لأنهم أخذوا جملة وردت على لسانه فى مسلسل »أهو ده اللى صار«، ويا علوة يا طيب، أنا أخذوا من أعمالى السابقة مشاهد »فخدة« وعدت وخلاص، وحقك محفوظ لأنك سبقت، ثم ان الجملة سرعان ما يتم نسيانها بجملة أخرى، وعندك »أبوسريع« عندما قال »المال الحلال أهو« أخده له يومين وبدأ الناس ينتظرون الجديد، لكن هنا يمثل وعلينا أن نرحب به كما سبق أن رحبت بك وبكل موهوب وهذا هو واجبنا، رغم كراهية المتحدة رضى الله عنها للكبار، لأن دمنا تقيل وشغلنا مش ولابد وشعرنا أبيض على الفاضى.. ومع ذلك هذا هو واحد من عواجيز الدراما يرقص ويطبل ويغنى لعمل وجد فيه شىء ملفت للأنظار واجتهاد من كل أصحابه، بصرف النظر عن آراء أخرى وربما يعرف الكل إننى غالباً لا يعجبنا العجب والصحيح لا يعجبنى الاستسهال والأونطة، والبحث عن الزفت »التريند« بكل السبل.. والقول إن الفن مجرد تسلية وبس، كما أفتى بذلك مفتى الديار الدرامية سيدنا محمد سامى ملك التسالى مع نمبر زيرو.
كلمة لحاتم
إذا كنت يا حاتم وكما قلت من قبل تأخذ المسألة بشكل جاد لا هزار فيه وتبحث عن إثبات وجودك بين أبناء جيلك.. فكن واثقاً أنك لن تنجح مهما كانت مواهبك بدون سيناريو جيد.. ولا تفرط فى وجهك بمناسبة أو بدون مناسبة حتى لو ضربت لك إعلان كده لزوم وتغيير العربية.. فهناك من ركضوا فيها مثلما يركض الوحش فى البرية وأجورهم ما شاء الله بالملايين، ولكنهــم 24 ساعة فى حالة تنطيط من فيلم لمسلسل لإعلان لبرنامج لحفلات خاصة، والحسابة بتحسب.. وهم يحملون الفلوس نعم، لكن على حساب رصيدهم الفنى.. وتعلم من أستاذكم يحيى الفخرانى وسوف تكبر ويكبر أجرك، وما تأخذه فى نصف دستة أعمال، تحصل عليه من عمل واحد.. ودائما وأبداً ابحث عن رواية أو قصة أو فكرة واشتغل عليها مع من تحب.. وانت والدك صحفى كبير وأكيد قال لك إن حلاوة الشكل قد تكون عليك وليس لك.. لقد أخذ حسين فهمى وهو كما تعلم من الدفعة الأولى لمعهد السينما أخذ وقتاً طويلاً لكى يقول أنا ممثل وليس مجرد عارض أزياء أو حليوة وعايق.. وفى زمن نور الشريف ومحمود ياسين وعادل إمام ومحمود عبدالعزيز، أثبت وجوده، وبعد »عمر افندى« ننتظر منك »بيع المصنوعات« و»صيدناوى«.. وأنا أقصد بالطبع إنتاج درامى ماركة مسجلة تعيش مثلما كانت هذه الشركات علامات فى الحياة المصرية.