ما يحدث فى المنطقة من اشتعال وتصعيد.. حذرت منه مراراً وتكراراً.. المنطقة باتت على فوهة بركان.. بعد ما يجرى على الجبهة اللبنانية، والعدوان الإسرائيلى المتصاعد.. سواء فيما حدث يومى الثلاثاء والأربعاء الماضيين من حرب «سيبرانية».. فجرت أجهزة الاتصالات «البيحر واللاسلكي» لدى حزب الله وهو ما أوقع عددا كبيرا من الشهداء اللبنانيين، ومئات المصابين بإصابات خطيرة خاصة فى الوجه والعيون تكشف عن عملية مخابراتية صهيونية، وتجسد وتعكس ضعف البنية الأمنية فى داخل حزب الله. من قصف وغارات إسرائيلية عنيفة على مواقع عسكرية لحزب الله فى الجنوب اللبناني.. بما ينذر باندلاع مواجهات خارج قواعد الاشتباك المتفق عليها، وباتت كل السيناريوهات مفتوحة.. بما ينذر بحرب شاملة.. خاصة أن حزب الله هو جزء رئيسى من حلفاء إيران.
الرئيس عبدالفتاح السيسى حذر مراراً وتكراراً من التصعيد الإسرائيلى فى عدوانه على قطاع غزة، وأن ذلك يفتح جبهات عدة، وينذر بحرب شاملة فى المنطقة، ويهدد الأمن والسلم الإقليمى والدولي، وهو ما يحدث الآن تماماً، ويفتح تساؤلات مهمة حول جنون نتنياهو الذى يصر على إجهاض كل المحاولات والوساطات لوقف العدوان والتصعيد.
نتنياهو يصر على استمرار التصعيد لأسباب انتهازية، وأهداف خبيثة استغلالاً للدعم الأمريكى المطلق، وأيضاً رخاوة وتواطؤ هذا الموقف، والمتناقض ما بين ضمان الحماية والدفاع عن الكيان الصهيونى والدعم اللامحدود عسكرياً وسياسياً ومخابراتياً.. فى مشهد عبثي، وبين وساطة واشنطن ودعوتها لإنهاء العدوان فى ظل تصريحاتها المثيرة كونها لا تملك الضغط أو إجبار صانع القرار الإسرائيلى على وقف التصعيد، بل وإخطارها من قبل تل أبيب بالعمليات العسكرية ضد لبنان واليمن، والعين لا تخطئ ما يحدث من كارثة إنسانية فى غزة والأراضى الفلسطينية، وحرب إبادة وحصار وتجويع ودمار، وكأن إسرائيل فوق جميع القوانين الدولية والإنسانية.
المنطقة مقدمة على أصعب أيامها وربما يحدث ما لا يُحمد عقباه فى ظل إصرار إسرائيل على الاستمرار فى العدوان وحرب الإبادة على قطاع غزة، وأيضاً الهجوم على لبنان وتصاعد المشهد على الجبهة الجنوبية، وفى ظل تهديدات ووعيد حسن نصر الله على الرد والثأر رغم أنه لم يحدد فى كلمته توقيته أو كيفيته.. لكن لا أمل فى نجاح للدبلوماسية أو التسوية السياسية، وسدت كافة النوافذ وأغلقت الأبواب، خاصة أن نصر الله أكد أنه لن يتوقف إلا بوقف العدوان على غزة، فى الوقت الذى أكدت فيه إسرائيل مضيها للقضاء على قدرات حزب الله العسكرية، ووضع هدف رابع للعدوان على قطاع غزة وهو إعادة المستوطنين الإسرائيليين للشمال على الحدود مع لبنان، والحقيقة أن نتنياهو يتصرف خارج المنطق ويخدع شعبه، فإن الحرب والعدوان على الأراضى اللبنانية لن تعيد المستوطنين فى الشمال، ولكن يزيد الأمور خطورة وتعقيداً، بل إن حزب الله ومن ورائه إيران سيصعدون وتيرة العمليات العسكرية خارج قواعد الاشتباك المتفق عليها وبالتالى فإن نتنياهو يواصل خداع شعبه، وهدفه استمرار الحرب متعددة الجبهات لضمان بقائه ووجوده السياسى وهو لا يعبأ بتداعيات استنزاف دولة الاحتلال عسكرياً واقتصادياً وأمنياً وسياسياً، ودولياً وإقليمياً، خاصة فى ظل حالة جيشه المنهك، وبالتالى فإن نتنياهو نجح فى خطته التى تستهدف ضمان وجوده واستمراره، وابتعاده عن مقصلة الحساب والعقاب على الفشل الذريع فى تحقيق أهداف عدوانه، وأيضاً التحقيقات فى قضايا فساد.
نتنياهو من الواضح أنه ينتظر نهاية المشهد الانتخابى فى الولايات المتحدة الأمريكية، ويعول على نجاح دونالد ترامب الذى يبالغ فى وعوده لإسرائيل، وأنه سيقضى على حماس والقضية الفلسطينية.
نتنياهو يستغل حالة أمريكا سواء الداعمة بشكل مطلق أو المنشغلة بالانتخابات الرئاسية، وما تعانيه من رخاوة، ومخاوف من مغبة الضغط على إسرائيل خوفاً من العواقب الانتخابية.. لذلك يستغل نتنياهو هذا المشهد ويتمادى فى مغامراته.
دونالد ترامب وكامالا هاريس سيخسران ملايين الأصوات بسبب الموقف الأمريكى وتصريحات ترامب المؤيدة لإسرائيل، وهناك مليون ناخب مسلم لن يصوت للمرشحين الديمقراطى والجمهوري، فالإدارة الأمريكية الحالية وهاريس جزء منها «نائب الرئيس» فشلت فى إيقاف همجية إسرائيل، وترامب يغازل الصهاينة بكل ما أوتى من قوة بالإضافة إلى وجود مواقف لدى الرأى العام الأمريكى ضد إسرائيل ومناصرة للحق الفلسطينى وهو ما ظهر فى مظاهرات واحتجاجات الجامعات الأمريكية، والمسيرات الاحتجاجية المناهضة للعدوان الإسرائيلي.
السؤال المهم الآن: ماذا ينتظر لبنان الجريح، المأزوم والمحاصر بأزمات عدة خاصة الاقتصادية، هل بات هدفاً للمؤامرة التى تقودها قوى الشر، وما هى تفاصيل المخطط الذى يستهدف لبنان، وهل ينتقل الصراع إلى البحر المتوسط، وما هى الدول المستهدفة من العدوان والحرب على لبنان، وماذا عن السودان أيضاً الذى بات ينزف بغزارة، وماذا عن القرن الأفريقي، وانتهاكات أثيوبيا لسيادة وحقوق الدول المشروعة، وإصرارها فى وقت متزامن مع التصعيد الصهيونى على التصعيد.. لذلك لا تغيب عنا أبداً المؤامرة،. التى تستهدف الأمة العربية، وفى القلب منها العظيمة مصر، ومحاولات إحكام الحصار حولها وهل المخطط الذى فشل فى ثورات الخراب العربى فى 2011 يعاود الظهور بأساليب وألاعيب ووسائل مختلفة من خلال حروب بالوكالة تقودها إسرائيل.
المنطقة مقدمة على مصير مجهول، وتنتظر مجرد خطأ، أو مزيد من الاشتعال لتنفجر فى وجه الجميع فى تزامن مع تصاعد الحرب الروسية – الأوكرانية، ومناطق أخرى قابلة مثل تايوان للاشتعال، فهل نرى حربا عالمية ما بين الشرق الأوسط، وأوكرانيا، وتايوان، ومن يمسك «بريموت» الإشعال والتفجير ومن يمارس لعبة الموت على المستوى الدولى والإقليمي، وهل بلغ الصراع على النظام العالمى مدى أصبح هو الأخطر؟.
مصر وإن كانت هى الهدف الأول، إلا أن ربها حباها بقيادة سياسية وطنية مخلصة جمعت بين الحكمة واستشراف المستقبل، بنت مبكراً حصون القوة والقدرة والردع التى ترتكز على الحكمة والتوازن والقدرة الفائقة على حصار وتطويق المخاطر والتهديدات، فمن يملك القوة يملك السلام والاستقرار، والعفى محدش يقدر ياكل لقمته، واللى عاوز يجرب يجرب، تلك هى عوائد الاستثمار فى بناء القوة والقدرة، والاستثمار فى بناء الجيوش الوطنية، ومصر لديها جيش وطنى عظيم قوى وقادر وشريف وحكيم.. فمن يملك جيشاً وطنياً قوياً يملك أمناً واستقراراً ولا يمكن أن يتعرض للاستباحة.
تحيا مصر